* آرام كرابيت
الأدب هو الجهة الأكثر حساسية لرصد حركة المجتمع، فهو راصد نقي وشفاف، معبّر بصدق عن تطوّراته. ومن المبكر أن نقول إن الثورات أنتجت أدبا يعكس حقيقة ما يجري. الخميرة مازالت في طور التفاعل والتحوّل، لأن المعيقات الداخلية والخارجية هائلة، ويجب التأني في الكتابة عن ذلك. فالأعمال الإبداعية العميقة تحتاج إلى وقت حتى تعطي ثمارها.
هناك الكثير من الأدباء يقعون في فخ الاستسهال، عندما يكتبون بخفة عن واقع عظيم، يحتاج إلى رؤية عظيمة للكتابة عنه. لقد قرأت عن روايات كثيرة، تناولت الثورة في هذا البلد أو ذاك، بيد أني حذر جدا من سرعة تناول هذه القضية الوطنية.
إن المبادرات الفردية التي يقوم بها الأدباء على مسؤوليتهم الخاصة من نشر وإبداع هو الأهمّ، بعيدا عن رقابة الحكومات الاستبدادية. فالمنطقة تمرّ بحالة مخاض هائلة، نتيجة الأحداث الدموية التي قامت بها السلط، مع هذا لم يمنع ذلك من أن تكون هناك روايات كثيرة ودواوين شعر نشرت في أكثر من مكان. فالحياة لا تنتظر، والتطورات سريعة وقاسية، ترمي بثقلها على الجميع. أتكلم في الجانب البعيد عن يد السلط العربية الفاسدة. في تقديري هناك حالة ارتداد لوعي الناس في مجتمعاتنا، نتيجة خيبة الأمل في ما حدث ويحدث، والصراع بين القديم والجديد، بمشاركة دولة رجعية كبرى كالولايات المتحدة والغرب عموما، وبقية الشلة كالصين وروسيا وإيران.
إن فاعل السلط عامل معيق لحركة المجتمع على الصعيد العالمي. لهذا علينا أن نرى المعيقات وثقلها على نفسية وعقل الإنسان، من ظواهر القتل والغرق في البحار، وصناعة المنظمات الجهادية المأجورة. في كل ثورة هناك آمال كبيرة، طموحات هائلة، بيد أنها سرعان ما تصطدم بالعوائق الماضوية. حيث أن القوى القديمة لا تستسلم أو ترمي سلاحها. أشعر أن هناك حالة إحباط وانتكاس لما آلت إليه الأمور. لهذا على المثقف أن يعي ذلك، وأن يحاول تعرية الواقع وتسليط الضوء على التناقض بين ما هو سائد وما هو مأمول. هو صراع لا هوادة فيه بين الموت والحياة، بين القديم والجديد. مجالات الإبداع متعددة في هذا العصر، هناك الترجمة، مواقع التواصل الاجتماعي، اتساع مجالات الاتصال بين الشعوب عبر التلفاز والنت والتلفون الذكي، لذلك لا يمكننا أن نحصر ما يحدث في وعي الناس بأن له علاقة بالمكان والحيز الوطني الضيق فقط.
أصبح العالم مكانا واسعا للتبادل الثقافي والسياسي والتواصل الاجتماعي، وميدانا للتوافق أو الاختلاف، وداخله صراع لتأكيد الذات بين الأنا والآخر، الموجود على امتداد الكون، بين هنا وهناك. لقد انتقل المبدع من الحيز الضيق إلى الفضاء العالمي، لانفتاح الأماكن على بعضها وسهولة إسقاط أي واقع على مجتمعه. فالثقافة، هي النافذة الفكرية الأكثر قدرة على ربط المجتمعات ببعضها، ومدخل حضاري وإنساني للتعارف والتقارب والاندماج. يحتاج المبدع إلى وعي كامل للواقع الاجتماعي على الصعيد العالمي، لأن المكان لم يعد محليا صرفا، إنما عملية إبداعية مهمة، لتفكيك بنية هذا العالم بثقله السياسي والاقتصادي. ففي محاولة رصده واستيعابه ينتقل نقلة نوعية لما يحدث في كل بقعة من هذا العالم.
فالمتغيرات ليست محلية صرفة إنما لها علاقة بالفضاء الخارجي. حسب رأيي لا يوجد أدب نسوي أو غيره. الأدب هو الأدب، ولا أؤمن بالتمييز بين المبدع الرجل أو المرأة المبدعة. كلاهما يتحسسان الواقع الاجتماعي ويرصدان ما يحدث في الواقع. بالطبع هناك أديبات نشرن أعمالهن على الصعيد المحلي في كل قطر عربي وبعضهن ترجمت أعمالهن إلى اللغات العالمية. لا أحب أن أذكر أسماء، لكني أرى أن هناك كمّا هائلا من المبدعات يعملن بصمت. ويعانين من إهمال في نشر إبداعاتهن.
لا أحب أن أسلط الضوء على المشهورين، إنما لا بدّ أن نمدّ أيدينا إلى أولئك المهمشات، القابعات في العتمة اللائي يحتجن أن نرى أعمالهن في الضوء.
أما المسرح ففي تقديري يشهد حالة تراجع في كل مكان بعد هذا الضخ الإعلامي عبر القنوات المتعددة، لا أعرف الكثير عن المسرح العربي بعد غياب المبدع سعدالله ونوس.
______
*العرب