كتاب في حياتي: نجيب محفوظ ويوسف إدريس


*عبد الحميد الغرباوي

منذ أن أصبح شغفي بالمطالعة والكتابة، يشبه حاجتي إلى شرب ماء حين أعطش أو إلى تناول طعام حين أجوع، وأنا أتنقل من كاتب إلى آخر – دون استثناء مجحف للكاتبات – أتنقل «نحلةً» راشفا من كلهم وكلهن، بعض الرحيق، لأصنع «عسلي» الخاص. والحقيقة أنه من الصعب تحديد اسم كاتب واحد أحد تأثرت به، فالأسماء كثيرة، ولكنها تنوعت مع تغير المراحل العمرية.. ففي مرحلة التلمذة، قرأت كثيرا لجبران خليل جبران، وكان لكتاباته وقع على نفسيتي.. واستمر أسلوبه في الكتابة طاغيا علي، لدرجة أن من كان يقرأ كتاباتي كان يشم فيها عطرا جبرانيا ناضحا. وبعد أن صارت معالم الطريق واضحة أمامي؛ أعنى طريق السرد القصصي، كان لزاما علي أن أنكب وأنا في خضم التجربة، على ملاحقة، وبشوق، كتابات من سبقوني لأستفيد من تجربتهم، كقصص الكتاب العراقيين والسوريين، والمصريين وبعض الأسماء المغربية. لكن هناك كتّاب كانت لي معهم علاقة أدبية وروحية وكنت أبحث عن أعمالهم بلهفة، أذكر منهم زكريا تامر، وغادة السمان، وحنا مينة، وفؤاد التكرلي، وعبد الستار ناصر، وأديب نحوي، ومحمد البساطي، وعبد الرحمن مجيد الربيعي، وجمعة اللامي، ومحمد خضير.. والأسماء كثيرة، في الحقيقة، تمتد مع امتداد مسيرتي في الكتابة السردية.

كانت سرودي القصصية في بداياتها الأولى تهتم بالذات في إطار ضيق جدا، حتى إنها لم تكن تعني أحدا سواي، كما لو كانت تلك الكتابات بمثابة تفريغ لشحنة ثقيلة من المعاناة الفردية، وبالتالي تحمل شكوى وتظلما ولا تهتم بالمبنى/ المعمار.. لا تهتم بالجانب الفني الذي يعطي لتلك الكتابات رونقا وإدهاشا. وبقراءاتي المتعددة والمتنوعة لنصوص أدباء من أمثال زكريا تامر، أخذت أعير الاهتمام للجانب الفني وللغة مشذبا إياها مزيلا عنها تلك الاستطرادات التي تسيء، أكثر ما تفيد، للنص القصصي، وصرت أنحاز للإنسان في معالجتي لكثير من القضايا العامة التي تهم ليس فقط الإنسان المحلي (المغربي) بل الإنسان العربي من المحيط إلى الخليج ما دامت تلك القضايا هي نفسها.
وكم أتمنى لو أعود إلى الكثير من الكتابات التي كنت قرأتها قديما لكتاب مرموقين لأقرأها من جديد، وأرى إن كانت نظرتي إليها تغيرت أم هي لا تزال ثابتة.. إلا أن الوقت لدي صار ضيقا أمام الكثير من الانشغالات التي لا تخرج قطعا عن المجال الثقافي، فقط أفضل أن أقرأ الجديد حتى لا يفوتني القطار.. إلا أنه حدث تغير الرؤية عندي تجاه بعض النصوص في مناسبتين؛ عندما أعدت قراءة قصة «بيت من لحم» للأديب يوسف إدريس، فاكتشفت كم كنت قاسيا على هذه القصة الرائعة، وتمخضت عنها كتابة نص قصصي بعنوان «الخاتم»، وكان لي شرف أن أقرأه أمام سعيد الكفراوي وحرمه في لقاء قصصي بمدينة مراكش. أما النص الثاني، فهو «خمارة القط الأسود» للأديب نجيب محفوظ.. قرأته في زمن ما قراءة غير مبالية.. ربما كانت هناك أمور أخرى تشغلني ولها ارتباط بسن وتجربة ذاك الوقت، وعندما أعدت قراءته تغيرت نظرتي للكتابة القصصية عند أديبنا الراحل، الذي كنت أراه روائيا أكثر من كاتب قصصي.
واقع الأمر أنه ليس هناك تأثر يهوي بي إلى هاوية استنساخ اسم آخر، بل هناك دروس لقنتها لي تلك الأسماء، تلك الدروس هي التي أنارت عتمة المجهول وأنا سائر على درب الكتابة.. طبعا هناك أسماء من خارج دائرة العرب، أسماء من الأدب الروسي والأدب الأنغلوسكسوني، ومن أدب أميركا اللاتينية، وأيضا من أدب الهند واليابان والصين.
_________
* قاص مغربي

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *