المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يصارع لإثبات هويته


*محمد أشويكة

مراكش- لا أحد يتصور أن مهرجانا سينمائيا دوليا يقام على طول البلدان العربية يثير من الجدل والصخب والانتقاد، أكثر مما يثيره المهرجان الدولي للفيلم بمراكش الذي انطلقت فعاليات دورته الحالية في الـ5 من ديسمبر الجاري وإلى غاية الـ13 منه، والسبب يعود إلى التصور العام للمهرجان الذي ورثت إدارته الفرنسية ميليتا توسكان ذي بلانتيي، ويقوم بإدارته الفنية الفرنسي برينو بارد، وذلك ما يعني أن جوهر المهرجان لا تتحكم فيه كفاءات مغربية، الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال على مستوى الأولويات والتوجهات.

إذا كان المغرب قد رفع شعار المغربة منذ الخروج العسكري للاستعمار الفرنسي، فإن تبعات التبعية الثقافية تظهر جلية من خلال فلسفة مهرجان مراكش، الذي لا ينفتح ضمن برنامجه العام على السينما المغاربية والأفريقية والعربية.
خاصة وأن مهرجانات عربية أخرى كمهرجان القاهرة السينمائي الدولي تضع في حسبانها هذا البعد الثقافي والهواياتي، فمن المعروف أن المغرب يساهم في إنتاج بعض الأفلام الأفريقية، ولكن ما يحضر منها يسير عكس تلك المقاربة، بل يحكمه تصوّر آخر ينبني على منطق الإنتاج المشترك (جنوب – جنوب).
إضافة إلى أن الفيلم المغربي المشارك في المسابقة الرسمية لهذه السنة “جوقة العـــــميان” للمخرج محمد مفتكر ومن إنتاج مشترك بين المغرب وفرنســا، ونفس الأمــــر بالنسبة للفيلم الأفريقي الذي يوجد خارج المسابقة “تومبوكتو” لعبدالرحمان سيساكو، وذلك ما يسري على جل الأفلام المبرمجة داخل المسابقة وخارجها، إذ هناك صلة ما تجمعها بالوسيط الفرنكفوني!
تتعامل إدارة المهرجان مع المهنيين والصحافيين والنقاد المغاربة بنوع من التمييز، فإذا كنت مقرّبا من بعض الأطراف التي تسيّر المهرجان فأنت مرحب بك، وإذا كنت من المنتقدين فقد تجد صعوبات جمّة حتى في الحصول على شارات الدخول الخاصة بالمهنيين -ولو كنت من مدينة مراكش!-، فبعض النقاد يحملون شارات المهنيين وبعضهم لا، وقس على ذلك بالنسبة لبقية الفئات.
فهل يعقل أن يحصل الناقد على شارة خاصة بالجمهور، وليس له الحق لا في الكاتالوغ، ولا في حفلات التكريم، ولا دعوات الافتتاح والاختتام؟! لا يمكن أن نفهم ذلك خارج عقلية العقاب والانتقام والتمييز. نلاحظ بأن المهرجان يميل أكثر إلى تكريم الممثــــلين والمنتجين، وخاصة أولئك الذين اشتهروا بالقيام بتنفيذ وإدارة الإنتاجات الأجنبــية بالمغرب، ونستشف بأن المغزى الاقتصادي واضح، ولا عيب في ذلك، لكن المطلوب من هؤلاء الانخراط في تمويل أفلام مغربية وصرف جزء من المداخيل التي تذرها الأفلام الأجنبية لتطوير السـينما المغربية.
ولا نقصد من قولنا هذا طمس مجهودات هؤلاء وخاصة على مستوى جلب العملة الصعبة، وتشغيل فئة كبيرة من الناس، ألا تثير ندرة تكريم المخرجين المغاربة في المهرجان تساؤلات كثيرة من قبيل: ألا يعني هذا عدم الاعتراف بنبوغهم وكفاءتهم؟ ألا يوجد في المغرب مخرجون يستحقون التكريم بشكل سنوي؟
تنعقد دورة هذه السنة وسط تفاؤل كبير بفعل مشاركة فيلم “جوقة العميان” للمخرج محمد مفتكر، الذي أبانت أفلامه الروائية القصيرة الأربعة وفيلمه الروائي الطويل “البراق” عن علو كعبه في مجالات السينما، وهي الأعمال التي جعلت منه مخرجا منشغلا بالتفكير في الصورة، والرقي بالمتفرج إلى مستوى الإدهاش.
هما تكن جودة الفيلم وإبداعيته، فالمتتبعون لتاريخ المهرجان يسجلون مشاركة بعض الأفلام المحسوبة على المغرب في مسابقاته الرسمية، مما يقوّض مجهودات المخرجين المغاربة المحليين، ويضرب مصداقية السينما المغربية كصناعة محلية صاعدة.
يتضمن البرنامج ضمن فقرة “نبضة قلب” أفلاما مختلفة عمّا كان المهرجان يبرمجه سابقا حيث يخلط بين السينما التي ألفها جمهور المهرجانات وجمهور القاعات، ويتناقض مع الأفلام التي يبرمجها في المسابقة الرسمية وعلى هامش التكريمات.
وهنا تظهر ضبابية الرؤية على مستوى البرمجة، وعلى مستوى التصوّر العام للمهرجان كنشاط سينمائي مغاير يقترح الأفلام التي لا يمكن للجمهور، أو يصعب عليه مشاهدتها عبر القنوات التسويقية العادية. كما أنه من المفروض أن يرقى بالذوق ويحرك شهية النقد والتأمل، وتطوير الذات عبر التعرف على رؤى أخرى تقترحها الأفلام المبرمجة.
من أقوى لحظات مهرجان مراكش ما صار بمثابة التقليد الذي راكمه عبر فقرتين هامتين: الأولى تتعلق بلقاءات “الماستر كلاس” التي يقدّم من خلالها صناع السينما والمشتغلون عليها من مخرجين وتقنيين ونقاد وفلاسفة، تصوّراتهم للإبداع السينمائي وكشفهم عن الفلسفة التي يمكن أن تتحكم في ميلاده.
وتتعلق الفقرة الثانية بمسابقة “سينما المدارس″ التي تقدّم أفلاما قصيرة من إنجاز طلبة المعاهد والمدارس والكليات المغربية بالقطاع العام والخاص، للظفر بجائزة المهرجان التي يتمكن الحاصل عليها من إنجاز شريطه السينمائي القصير الجديد.
إنها فرصة للاطلاع على مستوى التكوين السينمائي بالمغرب الذي يطرح بدوره أكثر من نقطة استفهام بفعل تداخل مستوياته، فالمهرجان فرصة لمعرفة ما يعتمل من أفكار لدى مكونيه ومتلقي برامجه.
يروّج بعض المهتمين بالشأن السينمائي أطروحة مفادها أن المهرجانات التي تنظمها بعض الدول غير المنتجة للسينما هي مجرّد دعاية (بروباغندا) وبهرجة. ولكن ما بالك بأن المغرب ينتج أكثر من عشرين فيلما روائيا طويلا، وما يزيد عن خمسين فيلما روائيا قصيرا، غير أنه لا يظهر من تلك الأفلام، إلا النزر القليل أو تلك التي لا ترقى إلى المستوى الفني المطلوب؟!
لا يمكن أن ننحاز إلى أعداء المهرجان، ولا إلى دعاة الخبز عوض المهرجان. ولكننا ندافع عن مغربة المهرجان، وعن حضور السينما المغربية فيه، وعن عدم إقصاء المهنيين والنقاد.
فالمهرجان مكسب للسينما المغربية، وفرصة حقيقية للترويج لها ولثقافة البلد المتعددة (أفريقية، مغاربية، أمازيغية، عربية، متوسطية، إسلامية..)، ولا يمكن تمريرها عبر غربال الفرنكفونية ذات النظرة والحسابات الضيقة، فمتى سيعي أبناء البلد ذلك؟!
_______
*العرب

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *