سميحة خريس: القراءة كالموسيقى من لا يتواصل معه يتبلد


حوار:عبدالرحمن الخضيري


تشبه الروائية والإعلامية سميحة خريس القراءة بالموسيقى، من لا يتواصل معها يتبلد، معتبرة الكتاب حياة تدعونا لتعرف أكثر ولنعيش مرات، وتقول حين قرأت بيت من لحم ليوسف ادريس تعلمت أن أخطو بجرأة في عالم الفكرة والكشف عن المخبئ، وعند محاولاتي الكثيرة وجدت نفسي في مضمار سباق مع كتاب بهروني، فهناك كتاب يزيدون الكتابة جمالاً، ماركيز وايزابيل الليندي وهدى بركات ونجوى بركات ورضوى عاشور ومحمد ناجي ومؤنس الرزاز وأسماء كثيرة لا يمكنني حصرها، جاء حديثها ل “الرياض” على منضدة قصتي مع كتاب لتؤكد أن التجارب في مجملها تدل على أن الكون كأنما يكتب كتاباً واحداً رغم ملايين الاختلافات وخصوصية كل تجربة على حدة، الروائية سميحة عملت في الصحافة منذ عام 1978 م حتى الآن حصلت على جائزة الدولة التشجيعية للآداب عن روايتها شجرة الفهود عام 1997 وجائزة أبوالقاسم الشابي من تونس عام 2004م عن روايتها دفاتر الطوفان وحصلت عام 2007 م على جائزة الفكر العربي للإبداع العربي عن مجمل تجربتها وترجمت لها اكثر من رواية إلى اللغات الانجليزية والالمانية والاسبانية فإلى الحوار: 
* ما الكتاب الذي أحدث تأثيرا فيك بعد قراءته ؟ 
كازانتزكي خاطب فيّ الإنسان ونبهني إلى تفاصيل صغيرة تبدو لنا غير ذات أهمية 
– هناك عدة كتب تقع في أسرها تحبها أو تثير حيرتك أو تزيدك معرفة، وقد تحرضك أو تستفزك، وانا تأثرت إلى حد كبير بكتاب ظل يرافقني لأعوام وضعته تحت وسادتي رفيقاً ومعلماً، لا أنام قبل أن اقرأ مقتطفات منه. كنت قد قرأت بعض روايات نيكوس كازانتزكي وأحببتها، على رأسها “زوربا” و”المسيح يصلب من جديد”، ولكني فتنت تماماً حين قرأت كتابه “المنشق”، وهو ليس رواية، إنما مجموعة رسائل كتبها لحبيباته واصدقائه، وقد قامت زوجته أميلي بجمعها واصدارها في هذا الكتاب الفريد، لقد شعرت أن الرجل الذي مات منذ عقود وكان عمري عاماً واحداً فقط هو صديقي الأقرب إلى عقلي وقلبي، لقد جعلتني رسائلة أكتشف نقاطاً غامضة في نفسي، وعلمتني كيفية اثراء التجربة الانسانية للكاتب، والتي بلا شك تنعكس في الكتابة، كما ان رسائله فتحت ذهني على قضايا في غاية الحساسية، شعرت انه خاطب فيّ الانسان، وأنه نبهني إلى أن تفاصيل صغيرة تبدو لنا هينة وغير ذات أهمية يمكن ان تصبح بؤرة مضيئة في الكتابة، كما تمنحنا ألق انسانيتنا وقيمة وجودنا. لقد رأيت في هذا الكتاب أكثر من مجرد عرض لمقطع من سيرة ذاتية للكاتب، ولكن وجدته كتاباً يعنى بفلسفة تتعلق بالانسان، كيف يحب وكيف يفهم وكيف يتجاوز أزماته ويتغلب على البقعة السوداء في القلب، كيف يصبح انساناً أجمل وأنضج يستحق الحياة ويمنحها من روحه فتمنحه من نبعها الكثير، هذا الرجل يمكن أن يعلمك الزهد في الدنيا رغم محبتها، لقد أوصى أن تكتب على قبره حكمة هندية تقول: لا آمل في شيء، لا اخشى من شيء، أنا حر. كل رسائله تشي بهذه الروح الحرة الجميلة التي لا تقايض الدنيا على مجد أو مال أو جاه، الروح التي تفيض محبة وبساطة، وقد جعلني حبي بالكتاب أبحث كثيراً في سيرة الرجل حتى لا أقع ضحية كاتب يختلف تماماً عن كتاباته، هذا ما تركه الكتاب فيّ على الصعيد الشخصي. أما فيما يخص الكتابة، فقد أعاد إلي الثقة بكتابة الروح وباللغة الشعرية في مرحلة مهمة، أوائل التسعينيات، وقد سادت موجة تقلل من شأن الكتابة المحلقة العاطفية الشاعرية، في نفس الوقت كان كتابه حافلاً بلغة العقل والتفكير وبالفلسفة وعلم النفس في آن واحد، لا يمر من أمامه حدث ولا في قلبه شعور إلا حلله وفسره، يمكن لهذا الكتاب أن يكون نموذجاً لكتابة العقل والقلب معاً. 
كذلك شعرت بتأثير ثلاثة كتب اخرى علمتني كيفية نسج الرواية باشراك الحواس مع الحكاية والشخصيات، هذه الكتب هي “اسمي احمر” لاورهان باموق، علمتني التعامل مع اللون وحس البصر برهافة، في حين أن رواية “العطر” لباتريك زوسكيند علمتني احياء حاسة الشم التي تصنع هوية الشخصية الروائية، ورواية ” اسم الوردة” لامبرتو ايكو دلتني على هندسة الرواية تماماً مثل اشراك فن العمارة في النص، مجمل هذه الكتب حاضرة دائماً عندي. 
* ما نوع التأثير وهل أنتِ مقتنعة بالتأثير؟ 
– كان التأثير في البداية يبدو كأنه افتتان قارئ، حين أعجز عن الخلاص من الصور والأفكار التي ترافقني طوال اليوم، فهذا يعني أن الكتاب يعيش معي، ولكن اكتشف حين أكتب أن تأثيره أبعد مما ظننت، هذه الكتب تهمس في أذني كلما كتبت رواية، اسمع صوت كتابها يسألون عن العمق الانساني في نصي، ويحاسبونني على غياب فعل الحواس، أو بساطة النص وخلوه من المعرفة العلمية سواء في فن كالعمارة أو علم كالحساب أو مؤثر كالجغرافيا والتاريخ، لقد ساعدت هذه الكتب وغيرها بمقدار ونسب متباينة على نموى النفسي والعقلي، وعلى زيادة معرفتي، بل أجرؤ أن أقول على تراكم تجربتي، لانني عندما أقرأ فكأني أجرب مع ابطال النص وأعيش تجربتهم، وأنهل من معرفتهم سواء على صعيد المشاعر أو الأفكار أو المعلومات. 
* ما مدى استمرار تأثيره؟ 
– أعتقد أن تأثير الكتب الأربعة التي ذكرت مستمر معي، ألمحه في كل نص أكتبه، كما ألمحه في شخصيتي، ولا أعرف أهو تأثر بهم أم أنهم وافقوا هواي وشخصي ورغبتي وتفكيري، كأننا مرايا بعضنا البعض، وقد تمر بي كتب أخرى أشعر بأثرها لوقت خاطف لا يحسب ولكنه جيد، حين قرأت الاخوة كارامازوف في سن مبكرة علمتني الجرأة على نسج عقد متعددة في النص، وحين قرأت بيت من لحم ليوسف ادريس علمتني أن أخطو بجرأة في عالم الفكرة والكشف عن المختبئ في العلاقات، قد لا أتمكن من تحقيق الكثير ولكني أحاول حتى أجد نفسي في مضمار سباق مع كتاب بهروني في مقدمة لتعليمي، هناك كتاب يزيدون الكتابة جمالاً، ماركيز وايزابيل الليندي وهدى بركات ونجوى بركات ورضوى عاشور ومحمد ناجي ومؤنس الرزاز وكثر لا يمكن ان ندرج أسماءهم هنا، فلست في موقف التعداد، ولكن هذه التجارب في مجملها تدلني على أن الكون كأنما يكتب كتاباً واحداً رغم ملايين الاختلافات وخصوصية كل تجربة على حدة، ولكننا حقاً لا ننبت في الفراغ كنبت شيطاني، إننا نتعلم من الحياة كما من الكتب العبقرية، لذلك فإن أي أثر باقٍ فينا ما حيينا مثل وشم، حتى لو لم نكن نراه بعيوننا ولا نلمسه أو نعتقد أنه زال عن جلودنا. 
* هل ترين أن القراءة محرك أو دافع للتغيير في وقتنا الحاضر؟ 
– القراءة تبدأ بالقارئ فتغيره على نحو ما، انها تقود ذائقته، وتخاطب وعيه وتلامس احساسه، فهي بهذا المعنى لا شك تغير منه، هي كالموسيقى من لا يتواصل معه يتبلد، والكتاب حياة تدعونا لنعرف أكثر ولنعيش مرات ..لا شك تغيرنا، ولكن على صعيد الامم أعتقد أن تأثيرها بطيء وغير منظور، إلا إنه يتحرك في العمق مثل موج جبار داخلي ينذر بعاصفة قد تتأخر ولكنها حتماً قادمة>
________
*صحيفة الرياض السعودية

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *