المجنون


*خالد المغربي


( ثقافات )
لوحة 1
(في غرفة عتيقة بها طاولة سرير وخزانة ملابس ومرآة معلقة على الجدار)
(يقف أمام المرآة يحدث نفسه)
لماذا صرتُ وحيدا بعيدا عن الناس…!
لقد أوصلتني أفكاري ومخيلتي إلى هذه العزلة التي أستلُّ منها سبل أوجاعي..كم أحتاج إلى الراحة.. تعبت ..تعبت
من أنا..؟ لماذا وجِدتُ.؟ إلى أين سأنتهي؟ 
(يلتفت إلى الجمهور قائلا)
من لم يسأل نفسه هذه الأسئلة….!
كثيرا ما سألت نفسي هل للموت مخيلة..؟
ليتني أفهم هذا الذي يحدث لي..؟
آه ليتني أرجع ذلك الطفل الذي كنتُهُ بعيدا عن هذه المعاناة …بعيدا عن هذا الرجل الكبير المزعج الذي صرته (يتأمل جسده) بعد تلك القطعة الصغيرة من اللحم ساعة ميلادي أصير هذا الضخم ههههههها أليس غريبا …؟ قد يراه البعض أمرا عاديا لكنني عندما أتذكر ألعابي وأتخيل تكوّني في عتمة جوف أمي (يصمت ويصرغ بنوع من اللهفة) آآآآه ليتني أعود طفلا. 
(يمسك دفترا على الطاولة ويبدأ الكتابة مرددا)
الزمن المجرد من ذاته لم يعرف معنى الوقت وريقات أحلامي في شجرة الأيام سقطت لكنها مازالت خضراء تزخر بالدفء وبدروس الواجب طائرتي الورقية لا زالت تبعث لي مع كل رسالة قُبلة غد وحكايا الجدة عن الذئب والحمَل واللص والدجاجة . . والساندريللا
(يلتفت في شغف مرددا ) كم كانت الساندريلا جميلة عندما كنا صغارًا.. أصدقاء براءتي الملائكيون كم ساروا خلفي وأمامي ينشدون معي أغاني تعج بالضحك والضجيج الممتع فلم نكن نعرف أبداً حقيقة الغد أي حقيقة الآن فقد خانتنا عجلات دراجتنا الهوائية كم استلقيت على الشاطئ المعسول حباً ألتهم قطع الحلوى أتخيل في مذاقها الساحر وجهَ وابتسامةَ حبيبتي عبر عيني المحَدقتين في التفاف النوارس حول ذاتها تنقب تحتها عن أسماك البحر كم أعجبني سقوطُ النورس وكم أبكاني بكاء السمكة…..(يتنهد) .. كنتُ بعد كل عام زائل أدفِن إحدى ألعابي بعد أن تنضج رصاصة جديدة أزهق بها عمراً من روح التمني.. قطع الحلوى في يدي وعلى لساني لم أعرف أنها لحظات مجردة من الآن فلو عرفت ما كنت تركت قرشاً واحداً في حصالةِ نقودي إلا واشتريت به قطعة حلوى في لحظة حلوة كي أتذوقها الآن..
إلى أين صرت وإلى ما انتهيت أين أنا……؟
(يقف أمام مرآة ممسكا بصورته عندما كان طفلا ) فيقول
أشتاق كثيرا إليّ لم أعد أراني كالعادة غبتُ مدة طويلة عني لا يُذَكِرُني بي غيرُ مرآة أقف أمامها أرى فيها بعض الذكريات أو صورا أتأمل فيها الماضي كم كنت جميلا عندما كُنتُ معي … أسير أتلفّت فلا عيني تراني أنادي لا يصلني صوتي أسير هائما تائها شاردا واثقا من أنني سوف لن أصل إلى حيثما أنا..
أين أنا…؟ لماذا أنا…؟(صرااااااااااخ) يسقط على ركبتيه ..الله خلقني كي أعبده..نعم.. وتأمُلي لله بداخلي عبادة..هذا صحيح إننا نتأمل الله من حولنا عبر ما ينبعث منه بداخلنا..سوف أتزود بالتقوى وتقواي هي ألا أجهل الله أو أتجاهله..إن الله لم يخلق قبلي سوى آدم ولم يخلق بعدي سواي ههههههها.
عندما قلت مثل هذا الكلام لم يفهمني أحد اعتدوا علي بالضرب وقالوا إني مجنون (يقوم بحركات جنونية وهمهمه يعبر بها عن جنونه)
(ثم يضحك) 
هههها هل رأوني هكذا حتى يقولوا عني مجنون.. مجنون هههااا مجنون كنت عاقلا جدا حتى عرفت أني مجنون .
( رفع يديه للسماء وكأن طفلا صغيرا بينهما وقال ) عظيم أيها الرحيق المنساب في أوردة خيالي فلتأتي أيتها اللحظات المحلقة في آفاق ذاتي ولتجعلي للغد مآدب من هذياني..
(أنزل يديه وكأنه يضع الطفل بهدوء على الأرض ثم يضم الطفل الذي توهمه إلى صدره ويقول للطفل الذي يتوهمه ..) 
أرجوك أيها الطفل الرائع لا تدعهم يجعلوا منك هُم ..كن أنت ..وعِدني بأن تبحث عني فأنا محتاج إلى من يجدني ..فكل هؤلاء (يشير للجمهمور) الذين تراهم قد سرقوني جعلوا مني هُم وضِعتُ أنا بينهم. ..؟ ألا ترى ما أكثرني هههههههههههههه..
(يلتفت بسرعة للطفل مشيرا إلى ثيابه) 
لا يا بني إن هذه التي أرتديها ليست ثيابي ولا هذا الذي تراه شكلي تغيرت ماعاد فيّ شيء يشبهني..صدقني اذهب واسأل الأغنيات القديمة التي ماتت على ضفاف أحزاني واسأل جوف أمي وصوري المعلقة على جدران الرياح سنوات طويلة سرقوها هي أيضا. فهم أكثر ما يجيدونه التنقيبُ في الرياح للبحث عن أسراري يستخدمون الظلام وأشياء أخرى في ذلك حتى كشفوها جميعها وبقيت هكذا أفتقد كل شيء لا أحد يستطيع أن يرى فِيّ أي شيء خذ هذا أيها الطفل إليك عناويني التي قد تجدني فيها..تتبع كل أحذيتي البائدة..واحفر بقلبك في كل أحاجي البكاء..واحسب مسافات الحب بين تغريد الطيور وخيوط الشمس في الصباح ..انظر إلى ذلك الشيخ الهرم أترى الانحناءة التي بظهره إنها هذه اللحظة ..والشيب الذي بلحيته أنظر إليه إنه الهدوء الذي ينبعث بين عروقي الآن هل عرفت كيف تصل إلي ..؟ 
(يصمت ثم يقول)
نعم على هذا النحو أحسنت
لا لا تصدقهم إنني لست مجنونا بل مجنون نعم فهم يسمون كل من يعرف حقيقتهم ولا يستطيع مواجهتها فيبتعد عنهم بالمجنون لالالا إنني لست مجنون فأنا لا أعرف حقيقة أي شيء لست مجنونا إليك الدليل إن لي أب وأم نعم فهل ستصدق بأنني مجنون. 
(ترك الطفل الذي يعتقد بوجوده وذهب يردد)
فلتشهر السماء سيوفها التي لا تعرف المحال ولتمحو السطور عن هذه المدينة التي تغرق في أعماق شوارعها المعتمة..ولتكتب وتكتب أيها الوجوم بأنني القابع هناك ولست هنا وأنني الحكاية الخرساء على شفاه الرحيل..ولتتقدي يا شمعتي ولتصعدي يا خطوتي صهوة القمم أنا هناك لست هنا.
(يدور في غرفته خائفا يختبئ تحت الطاولة لسماعه صوت كلب ينبح)
(بعد تلاشي صوت الكلب يقول بعد أن يخرج من المخبأ)
الكلاب سرقوا النور من المدينة سرقته أعينهم حتى صاروا يرون كل شيء حتى صوتنا تعرفوا على شكله ولم يطلعونا عليه ..صاروا يرون كل شيء ونحن لا نرى سوى الظلام. .
يا إلهي أرجوك لا ..آه صمتُهُم في هذا الظلام يتغلغل داخل صوتي ليسرقه هو أيضا ساعدني يا ربي (رافعا يديه إلى السماء) ياإلهيييييييييييييييييييي صوتي صوتي سأصرخ لأقضي علىَ …؟ (صمت ثم صراخ)
آآآآآآآآآآآآآآآآآه صوتي يا قاتل الظلام صوتي يا روح الكلام .
(وقف تحت ضوء مصباح وبدأ الرقص كرقصة الباليه وبيده مقص يقص به ثيابه أثناء لرقص ما استطاع منها وهو يرقص ويردد)
يا شمس إن النور لاح والضياء أمطر حياة والذئاب في أوكارها تزرع الظلام لتنبت جراحنا..خلعتُ الجميع عن جسدي خلعت البرد والحياء واللا جدوى كلها ..؟
(يلتفت صوب الجمهورقائلا)
ماذا لا تفقئون أعينكم بدلاً من أن أرتدي ثيابي (يضحك) 
(وأخذ يسير شبه عارٍ مثقلاً بالكلمات التي يرددها إذ يقول للجمهور)
أغرِِقوا المراكب إن البحر كسيح لقد شُلت الأمواج أغرِقوا المراكب إن الرياح حُبلى ستنجب هذيانها ليغمرنا جميعا في تلاشياته الأخيرة هناك انظروا حيث لن تستطيع أن تتزاوج أرواحنا بالتراب من جديد لن نستطيع الموت ولا الحياة كما يبدو وقوفي هذا الآن.. أيها الصامتون القابعون بداخلكم الآن دعوا انبعاثي هذا نحوكم توغله اللحظة بداخلكم هيا .. هيا..افتحوا لي أبواب جوارحكم لأستمتع بخزائن أرواحكم ( يمزق قميصه جهة الصدر) هذا صدري لكم و بيني وبينكم هذا المدى العاري (يشير بيديه أمامه) هل ترون استلقاء المسافة بيننا تبرز مفاتنها للخطوة ..للقاء..رباه ..(يضم يديه لصدره بقوة) رباه لقد اشتد بي البقاء داخل هذا الجسد المليء بالدهاليز .. رباه إنني الروح المليئة بهذا الكون مليئة بقطع الحلوى وبقابيل أيضا .
(جثم على ركبتيه وسقط على صدره ويديه زاحفاً بوجهه على الأرض وغط في نوم عميق..وبعد أن لف الهدوء خيوطه في أنحاء المكان وقف وأخذ مكنسة يكنس بها ظله بعنف ويضربه بقوة ويلتف حول نفسه يلحق بظله حتى تعب وسقط على ركبتيه يبكي مجهشا في البكاء يقول) 
لماذا كل هذا الدوار لماذا كل هذه الأشياء هذا الظل الذي يتتبعني وهذا الجسد الذي يسجنني ..آه يسجنني ..‍؟.. ترى من يسجن الآخر هل أنا الجسد أم الروح أم حذائي أم ماذا يا إلهي ما هذا الدوار..هل أنا سأترك جسدي أم أن الروح سوف تتركني ..نعم أنا الروح..لالا..الجسد..؟؟؟؟؟آآآآآآآآآآآآآآآه يا إلهي أرجوك.. ..!روح ..جسد..!جسد روح .. نعم سيفترقان عندها سيعرف كل منهما من هو الأخر..نعم ..هااهاهاهاهاهاهاها
(لوحه 2) 
(صوت أغنية ست الحبايب فايزه أحمد)
(يفرك عينيه قانعا بحاله وفي هدوء يقول. )
آه ليت أبي الآن هنا وأمي ..أمي كم أنا مشتاق لك يا أمي قلب أمي أشتاق والأغنية تنثر ما في الأعوام أمامي صوت ناي اللهفة يجتث المسافات من أعماقي أذوب تحت قدمَي أُحرق جسدي خلفي فأنتهي دون الوصول..!بيتنا الصغير والزمن المخبأ في طعام أمي لازال يظهر رويداً ..رويدا على جسدي أمي كانت تعد الطعام جيداً آه لكنها لم تنتبه إلى مقدار الطريق أمامنا..؟ على آلة الحياكة أمي تحيك لنا الغدَ حتى احدودب ظهرها ارتديناه كما تحب أن نكون غداً جميلا إلى درجة أنه أخذنا منها لتبقى هناك تحتفظ بضجيجنا وبمتعتها بعبثنا هناك عند حرقتي هذه الآن تجلس وحيدة يتأمل وجهها الله وتحت قدميها قلبها غمرتنا فيه بها أي جنةٍ نرى بعد ذلك ..!
أبي أمي هذان القطبان الغريبان اللذان أنجباني اعتقدا بأنني أعني شيئاً غيرهما أو غير أنهما أنجباني فرحا بي يا للعناء هكذا هم الآباء يفرحون بالأبناء فقط اختارا لي اسما أسمياني..آه… اسمي أين ضاع.. آآه .. اسمي ..ماذا فعل طيلة هذه السنين (بصراخ) اسمي ..يا اسمي ..(يضحك) لقد ذهب عبثاً..سأجلس وأولع سيجارة عساها تجدي بأي شيء
(يولع سيجارته ينظر للسقف وهو يخرج الدخان من فمه بهدوءٍ قال) 
يا لهذه الأسرار التي تخرج من صدري مع هذا الدخان.
(ينهض في فزع يبعثر الدخان بيديه في أرجاء المكان قائلا ) 
لا أريد أن يرى أسراري أحد .. آه أتمنى أن لا يكون أحدا رآها.
(وفي هذه الأثناء ينطفئ النور من حوله يسمع صوت طرقات على الباب ثم صوت الباب يُفتح ثم صوت خطوات تتجه نحوه ويصرخ صرخة قوية من أعماقه) لالالالالالالالالالالالا دعونيييييييييييييييي دعوني إنني لست أنا إنني هو هو هو..
( يسقط على وهه ثم يقف مسرعا )
هههههها تبا لهؤلاء السذّج (يتأمل نفسه) هناك شيء ما بداخلي يصطاد لي في الماء العكر..ما لذي يحدث لي…لماذا سياط الوجع هذه تنهال على عاتق روحي التي بالكاد تجد مأوى لها بداخلي (وبعد صمت) يا لهذه السنين التي عشتها.. ففي زاوية ما من رأسي تقبع كل الذكريات..وفي هذا الجسد(مشيرا لجسده) يوجد كل الطعام الذي أكلته في تلك السنين.. وكذلك توجد الروح .. وفي هذه الروح توجد الجراح والعذابات وفي هذا كله أوجد أنا فوقي هذا السقف وتحتي الأرض أي معادلة صعبة هذه ..
(اللوحة الثالثة)
(تدخل عليه امرأة بهدوء تتبختر تماما في خطواتها فيقول) 
هو / من أنتِ…؟ 
هي / من أنت
هو/ (بتأوه) إنني حكايا المطرقة والأزميل وعرق التراب والأقدام المجرّحة والطفولة الكهلة ومواء القطط الجائعة في الأرض إنني كل هذا الحزن الذي يرتديه صوتي إنني.. إنني.. (يلفت للجدار) إني أحتاج امرأة 
هي / وما المرأة بالنسبة إليك ..
هو/ إنها امرأة عاشت في مخيلتي سنينا .. من عينيها المتوهجتين ينبثق السعير يلتهم لحظات الغفران تدرك أني المبعوث داخل تعاريج ظلي لا أعني شيئاً تحت عقر الشمس 
فلم يأت من لا أبحث عنه حتى أجده فأعرفه ثم أحتاجه .. 
امرأة أراها في تلك الليلة المذابة في جسدي حيث أثارت فيه عنفوان الذكرى الملتهبة كالفراشة مع الزهرة كنت وديعاً جداً أعزف أنشودة الغرام ومرسومة على ظهري ثورة البركان …امرأة جمعت في جيدها كل الآثام والذنوب ..تلك التي سرقت الأحلام الخفية من نومي ؟وأعْلَنَتْهَا صرحاً يجذب ذوي الحيطة والفضول 
وأي جنون هذا الذي اخترق جدار صمتي وأعلن عليّ الحرب بالآثام بعد أن اغتصب الفضيلة في ليلة الهذيان العاصف وألقاها بعيداً عني حيث تقيم طمأنينة أمي أنا ذاك المترنح الخارج من حانات الهوس المتكئ على جدران اللا شيء العابر فوق خطايا الأمس شوارع الآثام اليانعة من أكون . . ؟ 
وقف الصمت بيني . . . وبيني سرت هائماً تتقلب صفحات الريح أمام وجهي وقفتُ . . . رفعتُ قدمي عن الأرض إذ بجوف الثرى أكثر من فرعون وعصا واحدة لموسى واحد ينشق البحر أمامه يتركني خلفه حيث الغرق أوطأت قدمي وركضت أركض . . . أركض . . . أركض 
التفتُّ خلفي . . فإذ بجسدي يلوّح لي متوسلاً كفر عني الخطايا فتركته مكبلاً بالملذات .. مغمورة فيه أبشع الآثام ذهبتُ إلى أبي علّي َأجد الحقيقة 
فلم أجد شيئاً ولا حتى أنا فأنا دائماً أبحث عني حيث لا أكون لا أجدني سوى نقيضٍ بين أمسٍ . . . و غدٍ سؤال . و جواب. جسد. و روح 
إلهي ما هذا الذي أنا بهِ أ قيام الساعة هذا .. أم أنه هذيان لحظة إدراك الحقيقة 
(يلتفت إليها) قد تكونين أنتِ.
هي / عباراتك جميلة .. ولكن قل لي من أنا بالنسبة إليك
هو / إنك ما سوف يأتيك مني
هي/ قل لي أرجوك هيا
هو / عندما كنت صغيرا سألت أمي أين هو الله ما شكله كيف يراني قالت لايجب أن تفكر في الغيبيات لم أعرف معنى الغيبيات حتى بدأت اشعر بالحاجة للمرأة صدقيني إنك كل مالا أعرفه عني.
هي / وما الذي لا تعرفه عنك
هو/ إنك انصهاري الآن تحت جلدي إنك امتزاجي بربيعك إنك عالم أمارس فيه طقوس وجودي ..أجيبيني لماذا كل هذا العالم الذي بداخلنا ونحن لا نستطيع إلا أن نجهله لماذا هذه الأغنيات الصامتة بيننا يعزفها عرق نبضاتنا وجفاف أنفاسنا.. لماذا كل هذا الأفق من حولنا ونحن نضيق بداخلنا لطالما غزلتُ موتي أنشودة هذيان أُصلَبُ على الضياع فيها أنشودة امرأة.. شجرة لوز تاريخ أبدي لملايين الرجال الذين كُنتهُم بحثا عن المرأة التي أريد في كل يوم أولد زمنا من الرجال طبول صراخ سيوف معارك ولا تأتين.
هي/ هل أنت من سيقطف هذه الثمار (تشير إلى جسمها من أعلى إلى أسفل )التي عشت أغسلها وأطهرها بنقاء ذاتي وأنا أناجي فيها فارسا يمتطي صهوة رجولته لأهبه قلبا يحرص حدائق غناء من أنوثتي.(تأتي تلاطفه)
هو/ إذهبي أرجوك إنك تربكينني اذهبي هيا هيا.
(يدفعها تخرج في ذهول من موقفه ويقول)
للعنة على هذه المشاعر التي تجذبني إلى أعماقي .أللعنة على الشهوات التي التبست البشر حتى صاروا عبيدا لها..
(يدخل دورة المياه ويخرج صوت المياه ينم عن أنه قضى حاجته فيتأمل جسده قائلا بعد خروجه ) 
ما لذي يحدث بداخلك أيها الجسد .. أي عالم غريب هذا الذي أنا بداخله.. إلهي كيف أتحرر من هذا الجسد دون أن أغمض عيني ودون أن أفقده أبدا فيأكله التراب.. إلهي أي سر عظيم أنت في أعماقي…………؟
(تعود له المرأة قائلة) 
هي – أرجوك اهدأ 
هو- ماذا تريدين
هي- عن أي سر كنت تتحدث صدقني افتقدتك وما أمضيت معك سوى وقت قصير.
هو- دعيني أرجوك فما في أعماقي أكبر من أن تتسع له رأسك الفارغة التي لا تعني أكثر من ملامحك الجميلة شيء(يلتفت ويتمتم) رأس فارغة محشوة بالفساتين والعطور والفراش..أنا في أعماقي كل هذا الوجود الذي ترينه والذي لا ترينه كل هذه الأشياء أترين هذه المزهرية وهذا المكان وكل هؤلاء (يشير للجمهور) والكواكب وما لا يحد من الأفق بداخلي..!
هي / كيف
هو/ لقد انبعث ذات يوم كل شيء مني لحظة ميلادي من أعماقي ليظهر وأراه على النحو الذي هو عليه.
هي/ أفكارك تخيفني.. إنك عندما ولدت كل هذه الأشياء كانت موجودة قبل ميلادك.
هو/ أيتها الغبية كل هذه الأشياء لها أسرارها التي تجهلونها جميعا.
هي/ انتظر فكل الكواكب مثلا كانت موجودة قبل ميلادك لقد شهدها ما لا يحصى من البشر قبلك وعرفوها.
هو/ ألم أقل لك بأنك غبية ..إن هذه الآفاق العظيمة في الكون مهما اتسعت لن تكون في اتساعها أكبر من الأفق الذي برأسي حين أغمض عينَي.. ( يأخذها للسرير وتستلقي على ظهرها ) 
هو/ تعالي هيا لاتخافي استلقِ على ظهرك أغمضي عينيك..هه حسنا تخيلي أي شيء لاوجود له
هي / كيف
هو/ تخيلي شكل إنسان لم تريه من قبل
هي /كيف
هو/ يا إلهي يا لهذه المرأة الغبية إنك فعلا لا تستطيعين لأنك أنت أصلا منبعثة من أعماقي كرجل وهب لك الحياة مني نعم خرجتِ من أعماقي كنت سببا لوجودك أيتها الضلع الأعوج.
هي/ يا لك من مجنون ..أنت أيضا خرجت من جوف امرأة.
هو/ آه حقا نحن الرجال نولد من جوف امرأة ولا تتسع لنا الحياة إلا داخل قلب امرأة
هي / إنك لا تعرف قيمتي أنا أشياء عظيمة تجهلها.. أشياء كثيرة بداخلي لك.
هو/ اسمعي (يقولها بتحذير شديد) أنا لم أتعود أن أكون أكثر مني لذلك مكتفٍ أنا ببعضي وأنت أشياء كثيرة جدا علي لكنني لا أحتاجها… هيا دعيني من هرائك وتخيلي المشهد.
هي / حسنا سأبدأ التخيل أيها المجنون
هو / أغمضي عينيك أولا ثم اطردي الظلام الذي ترينه
هي/ آه نعم بدأت فعلا
هو/ اجعلي من روحك طائرا جميلا
هي/ إنني أحلق 
هو/ انطلقي أكثر .. فأكثر ..هل يحدك شيء
هي / لا فإن المدى أمامي ألونه بما يحلو لي إنه عالم جميل 
هو / حسنا اجلسي
هي/ هل تسمح لي بسؤال أيها العنيد المتعِب
هو/ نعم
هي / كيف تقول بأن العالم كله انبعث من أعماقك وقد خلق الله هذا العالم قبل وجودك وظهورك للدنيا… والكون على مدى القرون مختلفا عما هو عليه كيف يخرج مع المولود في صورته الكونية التي هو عليها.
هو/ لا أريد وصفك بالغبية لأن أسألتك بدأت تنم عن ذكاء صار يتغلغل داخل هذه الرأس ها ها (يضع يده لى كتفها يسير بها ويحدثها) إن كل إنسان لمجرد أن يولد ينبعث الكون مع صرخته الأولى فما إن يفتح عينيه حتى يبدأ التكون رويدا رويدا وكلما مضت القرون ينضج الزمن حتى وصل إلى ما نراه اليوم (يقفا) 
(تسأله)
هي / لم أفهم
هو/ إن الكون يبدأ في التكون داخل الإنسان منذ أن تُبعث فيه الروح في جوف أمه يبدأ الجنين في استقبال الكون الذي ينبعث إليه عن طريق روح أمه التي تستمد بطاقتها الروحانية عظمة الكون من حولها ليصله لذلك بعد أن يولد الطفل يظهر الكون بالصورة التي هو عليها مع المولود ساعة ميلاده لتبدأ روح المولود بعد الولادة في التعامل مع الكون بنفسها وهكذا.. فالمرأة منذ ما قبل الميلاد كانت تستمد الكون من حولها وتبعثه للجنين على ماهو عليه الكون ليظهر مع الجنين على ماهو عليه . .. وهكذا حتى وقتنا الحالي.
هي / (تلتفت إليه ويده على كتفها ) إنك تكاد تذهب عقلي أنت إنسان عميق جدا هذه حقيقة علمية يجب البحث فيها .. لقد أذهبت عقلي.
هو/ لالا نعم نعم حاولي أن تأتي بهذا العقل الغائب عنك.هيا فلمجرد شعورك بأن عقلك قد ذهب عنك فهذه قمة العقلانية ليس جنونا.
هي/ على رسلك لقد أتعبتني
هو/ صغيرتي سوف أعترف لك بالحقيقة (يحدثها بشغف في الحديث) إنك تعلمين أن من الناس من قال مجنون وآخر قال أني ملحد وغير قال أني كافر
هي/ نعم هذا صحيح
هو/ ماهو الصحيح
هي / هو أنهم قالو عنك ذلك هذا ما سمعته يقال عنك
هو/ اعتقدت أنك تؤكدين ما قالوه 
(تلتفت دون أن يسمعها فتقول)
هي/ إنني أكاد أجزم بكل ما قالوه عنك.
هو/ (يلفت انتباهها بيده قائلا) سأقول لكِ أمرا يجهله الناس جميعا
هي/ ماهو..
هو/ سأخبرك بسرٍ اكتشفته سأجعلك إنسانه متحررة من كل القيود لقد عرفت وجود الله .. مكانه
هي/ آه يا إلهي إنك فكلا جننت أو كفرت
هو/ اسمعي فقط سوف أقول لك إن الله موجود هنا (يخبط على صدره بقوة وهي تتأمله بذهول وخوف )
إن الله هو الروح القابعة في أعماقي هو الروح التي تنبعث مني إليك ومنك إلي الروح.. الطهر.. النقاء(تأتي إليه لتلمسه وتضمه)
هي/ إني أحببتك هون عليك أخاف عليك
هو/ لا..لا تشوهي الروح الطاهرة بلمساتك الشيطانية هذه
هو/ هل أنا شيطان..؟
هو/ لا إنه بقدر طهر الروح بقدر طرد الشيطان فطهري روحك هيا من كل شيء مني ومن تغلغلك داخل شهواتك عندها سترين وستعرفين أي إله عظيم في أعماقك إن الله خلق آدم من طين كيف لهذا الطين أن يتحرك أو أن يرى..؟ إن هذا الطين هو هذا الجسد الذي بعث الله عزوجل روحه فيه حتى أتضح كل شيء لنا.
هي/ إنك تكاد تقول إنك الله والعياذ بالله.
هو/ حاشى لله أيتها أل….؟هيا اغربي عن وجهي دعيني واذهبي أللعنة عليكم جميعا (تخرج باكية مسرعة ثم تعود إليه بهدوء لإغوائه فتنطفئ الأضواء )
(يصارعها قائلا )
هو/ دعيني ثم يصمت (تعبيرا عن وقوع الخطيئة )
(تضاء الأنوار وهو مستلق على الأرض حينا لما ارتكبه من خطيئة رافعا رأسه للسماء قائلا)
آه يا إلهي كم أسأت لك في أعماقي أنا الشر الهلاك.. الدمار ..القتل ..الحروب.. الخيانة .. الغدر.. أنا باسم الحرية سجنت الحرية.. باسم السلام أرهبت السلام.. باسم الحب جرحت الحب .. باسم الحياة قتلت الحياة .. أنا العالم المنقلب رأسا على عقب (رافعا رأسه للسماء) آه يا إلهي أرجوك أن تخرج من أعماقي فأنا لست أهلا لروحك الطاهرة العظيمة بداخلي.. إني.. إني..(يخر ساجدا ببكاء) إنك أكبر من أن تخلقني ياااااااااربي وأنا اقل من أن أتسع لعظمتك.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *