ماهر منصور*
القصائد تسبق أصحابها إلى القلوب، فإذا ما عرف اسم قائلها دخل القلب ليجد مكاناً له متروكاً فيه..هكذا كان حالنا مع الشاعر سعيد عقل، وقد غنى الحب كما نحلم به والبلاد كما نعشق أن تكون، حالمة دافئة حنون.
ولعل من حق الرجل أن يغار من قصائده، فقد تربعت على عرش الشهرة من دونه أو سبقته..لكن ذلك لم يكن ذنب القصيدة، ولاسيما تلك التي حملها إلينا صوت فيروز الملائكي، وإنما هو ذنب أمة عرفت بسوق عكاظ الشعري والمعلقات الخالدات..ثم هجرت ديوانها الشعر لتكتفي بالمغنى منه، ولاحقاً ليأخذ لبها بالراقص على إيقاعه فقط.
هل كان سعيد عقل ينتظر الأغاني لتذيع قصائده وشهرته…؟ في الغالب لا، ولكن نحن الأمة الأمية من كان يحتاج المقام الموسيقي ليعرف مقام المقال حين يقوله سعيد عقل.
رغم كل شيء..كان طغيان شهرة قصيدة “سعيد عقل” المغناة الظاهري يختزن لصاحبها حب عشاقها، فكان يكفي للمراهق الذي كنته أن يعرف أن سعيد عقل هو كاتب رائعة فيروز “زهرة المدائن” لينبش المكتبات بحثاً عن دواوينه..وليسعى خلفه، ويطوف خلف قصائده.
لا يمكن بالضبط فهم العلاقة بين سعيد عقل مع المدن( دمشق، القدس، مكة، بيروت..) هو لبناني ويحب لبنانه حد التطرف…ولعل تلك المدن في حياته كانت مثل عشيقاته..هي أحبته/ هن أحببنه..وهو اكتفى بالحب منهن…ولهذا السبب ربما هو التقط المعنى البليغ للمدن/ للمرأة..فشيد صرحاً من الهوى لها/ لهن اتسع حتى حسب كل عاشق أنه صرحه…وتلك هي ميزة قصيدة سعيد عقل تخص الجميع بقدر ما تخصه.
بين سعيد عقل والشام كان ثمة علاقة خاصة..لها صدحت فيروز ست من قصائده، لعلها كانت أشهر أغاني فيروز في حب دمشق، وهي: “سائليني يا شآم”،” يا شام عاد الصيف”، “قرأتُ مجدك” ، “شامُ يا ذا السيف لم يغب”، “نَسمتْ “، “مُرّ بي”..وبعض من تلك القصائد كانت تنظم لترتفع بصوت فيروز على منصة معرض دمشق الدولي/ موعد الدمشقيين السنوي مع فيروز..ولكن أبلغها نُظم في وقت سابق هي “سائليني يا شآم” التي غنتها فيروز قبل نحو نصف قرن.
يقال عن سعيد بأنه “كتب أجمل قصائد الغزل ولم يعشق بعد”..ترى هل أحب سعيد عقل دمشق، بالشكل الذي عرفناه في قصائده..؟
هو أحبها على طريقته في الحب، حين يودع فيه مساحة خاصة لا تخصه بقدر ما تخص الجميع..وبذلك يختلط الحب علينا فلا نعرف من أحب الآخر؛ هو أم دمشق وأهلها..؟!
عاش سعيد عقل قرناً من الزمن، شهد خلاله تحولات المدن وتحولات الحب أيضاً..شهد تحولات القصيدة..موتها لصالح الأغنية..وموت هذه الأخيرة لصالح الصورة..ولكنه في كل مرة كان حالها معها حال قصيدة (فتحهن علي) : ” يفنى الزهر أبقى أنا إلك “.
– عن “العربي الجديد”