المرأة عورة التاريخ


خليل قنديل*

كلما توغلنا في التجربة الكتابية بدأت الكتابة تكشف لنا عن عريها بالتدريج الفضائحي والممل، واكتشفنا أيضاً أن الغموض في الحصول على الكتابة يعود الى آلية التمنع الذي يكاد يشبه التمنع الأنثوي الساذج أيضاً.
أنا هنا أتحدث عن الارتباك الصلد والمترجرج معاً حين كانت الكتابة تقف بقسوة وهي تدافع عن غموضها بأسلوب لا يخلو من الصبيانية، وأتذكر كيف كان كل هذا يربكنا. نعم لقد بدا كل شيء كأنه يدافع عن عفته وعن براءته.

ولعل جميعنا مازال يذكر سطوة الرومانسية وغنجها في تشكيل أقدامها الأميبية الكاذبة، وكيف أنها كانت تعلم بالشجن الجارح الذي كانت تخلفه في أرواحنا، وكيف كانت تستدرجنا كي نتبعها بذاك الشغف الطفولي المحزن. وربما هذا ما يجعلنا نرفع قبعاتنا احتراماً للعصر الذي نعيش فيه، وكيف استطاع ان يمزق تلك القماشة السميكة التي كانت تجعل المشهد الحياتي يكتنفه كل هذا الغموض الرومانسي وارتباك المشاهدة.
فالمرأة التي كانت تتخفى بثياب «سارة محمود العقاد» هبطت من عليائها الرومانسي لتحط على الارض وتمنحنا حضورها الفاضح، هي المرأة ذاتها التي أكلت أرواحنا ومضغتها، وهي المرأة ذاتها التي بشر بها جبران خليل جبران في الأجنحة المتكسرة، وبشر بها طه حسين في مجمل اعماله التي تخص المرأة، وهي إن شئتم بقية النساء اللاتي بشرّ بهن عصر الرومانسية كاملاً، وكنّ يرتسمن في مخيالاتنا التي كانت تتحرق لرسم شكل الأنثى.
إن أنثى الحضارة الغربية التي اندفعت كالسهم من قاع المشاهدة الى سطحها وهي تحارب الطمس الذكوري الفج لأنوثتها، وتحاول أن تؤكد على طراوة تلك الأنوثة هي التي استطاعت بالفعل أن تنقض على عوالمنا التي أعياها التحجب والطمس الذكوري القامع، لتفرض قيمها الجمالية الخاصة بها، وتلقي بالمرأة البديلة والمزورة إلى خلف قيعان التاريخ.
إن المرأة التي شكلها أدبنا المعاصر في التشكيل والمسرح والأدب عموماً هي امرأة مقترحة بالتأكيد، وقد استطاعت تلك المرأة المقترحة جمالياً على الأقل أن توقعنا في أفخاخها الكاذبة، حيث استطاعت ان ترسم لنا نوعين من النساء: نوع خاص برغباتنا، ونوع آخر كنا نتستر عليه في معتقل «الحرملك» التاريخي والخاص بالمرأة الشرقية.
إن أنثانا هي بحاجة فعلية لإعادة صياغة كي نستطيع ان نغسلها من كل الأدران التي اضفناها لها ونحن في رغبة الاشتهاء وشهوة تشكيلها، ولعله من المضحك المبكي ان تهب أجيال عربية الى منطقة الفصام الأول كي تسترد أنثاها التي أعياها التزوير والانفصام.
ويا له من تاريخ موجع.
* قاص من الأردن
( الإمارات اليوم)

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *