ازدحام إيجابي


علي العامري*

قد يتبادر للبعض أنني أمتدح الازدحام المروري، الذي يتسبب في معاناة وحوادث يومية بسيطة، وتعب على الطريق بين الشارقة ودبي، خصوصاً أن الازدحام المروري صار موضوعاً يومياً، وهناك من يخطط للانفلات منه، ويرصد حركة الطريق قبل أن يشغل محرك سيارته.

لكن، هذه المرة سأمتدح ازدحاماً من نوع آخر، يُعد مؤشراً مهماً على حيوية المجتمع، وشغفه المتزايد بالمعرفة. ويتعلق هذا الازدحام بمعرض الشارقة للكتاب في دورته الـ33، التي تمتد من الخامس حتى 15 من نوفمبر الجاري، إذ تحول شارع التعاون والشارع المحاذي لبحيرة الخان إلى حركة دائبة خلال فترات دوام المعرض. وفي المنطقة المحيطة بالمعرض تنتشر السيارات في كل مكان حتى أن كثيرين وجدوا المواقف المعدة للمعرض مكتظة، ما دعاهم إلى إيقاف سياراتهم بعيداً عن مقر مركز إكسبو للمعارض.

كما أن المركز نفسه الذي يقام فيه معرض الكتاب يشهد يومياً اكتظاظاً بالزوّار، إلى حد أن إدارة المعرض خصصت طائرة لاسلكية صغيرة تحوم في فضاءات المعرض لالتقاط الصور التي تؤكد أن الدورة الحالية للمعرض ستحقق رقماً قياسياً خارج التوقعات. وقد أعلنت الإدارة أن عدد مرتادي المعرض وصل إلى نحو نصف مليون زائر، خلال الأيام الثلاثة الأولى.

أما مبيعات الكتب، فشهدت زيادة فاقت التوقعات أيضاً، إذ صرح أحد الناشرين الإماراتيين بأنه حقق مبيعات خلال ثلاثة أيام تفوق ما حققه طوال أيام المعرض العام السابق. وشهدت الدورة الحالية تزايداً في دور النشر المشاركة، وتزايد عدد الإصدارات الجديدة في كل المجالات، ويبدو أن نشر المجموعات الشعرية بدأ يعود إلى عافيته الأولى، كما أن الشعر بدأ يستعيد حضوره، لما يمثله من جوهر إنساني، له مكانة خاصة في الروح العربية.

ومن جانب الإقبال على القراءات الشعرية والندوات وورش العمل وتوقيع الكتب، تشهد الفعاليات إقبالاً متزايداً، حتى إن الشاعر علي الشعالي قال إنه كان يظن أن جمهور الشعر الفصيح في الإمارات محدود، لكنه تراجع عن تلك النتيجة، حين رأى قاعة ملتقى الكتّاب مكتظة بالجمهور، خلال أمسية شارك فيها مع الشاعرين محمد البريكي مدير بيت الشعر في الشارقة وطلال سالم، وقدمت لها الشاعرة شيخة المطيري.

معرض الكتاب في الدورة الـ33 يشهد اهتماماً متزايدة رسمياً وشعبياً، وخلاله أطلقت مبادرات عدة، وأعلن خلاله عن مشروعات طموحة أيضاً. كما تستقطب الدورة الحالية عدداً من أبرز المبدعين والناشرين من مختلف دول العالم. وأصبح المعرض علامة بارزة ومضيئة في الإمارات، يزوره جمهور من الداخل، ومن الدول المحيطة ليتزودوا بآخر الإصدارات. وأصبح ناشرون عرب ومن العالم يتسابقون للاشتراك في المعرض، بتزايد مستمر كل سنة.

في قاعات المعرض جمهور من مختلف الأجيال، حيث تكتظ الممرات بحشود من الطلبة وعموم جمهور القراء يومياً، ما ينبئ بتوق الناس إلى المعرفة، كونها جسر المستقبل والحياة الأكثر تقدماً وإنسانية وإشراقاً. ومن يزور المعرض يتأكد أن الكتاب لايزال بخير، وأن محبي الأدب والفنون والعلوم في تزايد مستمر، ما يعزز قيم التسامح والتعددية والحوار والمحبة والتنوع، ونبذ التطرف والكراهية والإقصاء.

كل هذا يؤكد أن معرض الشارقة للكتاب يحقق نجاحاً متميزاً، ويستقطب جمهوراً متجدداً، يحلم بعالم أجمل، إذ تلتقي أجيال متعددة من القراء تحت سقف مركز إكسبو، وفي ظلال الحرف المضيء.

وكل ذلك يؤكد أن معرض الشارقة للكتاب يخطو بقوة إلى مركز متقدم عالمياً، بعدما احتل في دورته السابقة المركز الرابع على مستوى العالم، يكرس الثقافة بمفهومها الواسع زاداً يومياً للعقل والقلب معاً.

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *