القضية الفلسطينية وحل الدولة/الدولتين


عرض/محمود الفطافطة


يُناقش الكتاب الجدل الدائر بشأن حل الدولة وحل الدولتين، وخصوصا إزاء انسداد أفق التسوية والأزمة التفاوضية المتواصلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مؤكدا أن حل الدولتين أجهزت عليه حكومات إسرائيل المتعاقبة، وأصبح عصيا على التحقيق، من دون أن يكون حل الدولة الواحدة ممكنا أو قابلا للتحقيق.

ويهدف الكتاب إلى إغناء الفكر السياسي الفلسطيني وفتح آفاق النقاش خارج الأُطر المكررة وحدود حركتها الراهنة بين حل الدولة وحل الدولتين. كما يُقدم مراجعة لتاريخ فكرة الدولة الواحدة في كل من السياسة والفكر اليهودي والصهيوني من جهة، وفي الفكر السياسي من جهة أخرى، عارضا نقاط التقاطع والافتراق.

يتكون الكتاب من ثلاثة فصول، إلى جانب “مقدمة مفهومية” وخاتمة. في المقدمة يستعرض الباحث بعض النماذج العالمية المتعلقة بكيفية التعاطي مع الهويات الدينية والإثنية المتصارعة.


وفي هذا الشأن يُورد ثلاثة نماذج، أولها: النموذج الفرنسي الليبرالي الإنكاري الذي يُمثل حالة راديكالية جدا واستثنائية تصل درجة العداء للهويات القومية الدينية، لتتحول العلمانية إلى عقيدة بحد ذاتها. وثانيها النموذج الأنغلوأميركي الذي لا يعترف رسميا بالمجموعات القومية الدينية، لكنه لا يُعادي وجود هذه المجموعات، بل يشجع على التعبير الثقافي عنها من دون تدخل الدولة واعترافها الرسمي بها. أما ثالثها فيتجسد في النموذج البلجيكي الذي يعترف رسميا بوجود قوميات متنوعة داخل الدولة الواحدة.

وبعد أن يقوم المؤلف بالإسهاب في توضيح هذه النماذج يحاول إيجاد خيط يربط به أحد هذه النماذج بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي من دون أن يعثر عليه، لذا يجترح رائف زريق توليفة أخرى مؤداها أن الحل الوحيد الذي يجدر التعامل معه كبديل هو نموذج “الاعتراف القومي المتوازي”، أي حل الدولة الواحدة الثنائية القومية.

إنجاز هذا البديل يعبر عنه توجهان، الأول “النموذج المناطقي” ويفترض نوعا من الانفصال المناطقي الذي يضمن لكل مجموعة أن تكون الأغلبية في منطقة معينة.

أي أنه يزاوج بين منطق الدولتين ومنطق الدولة الواحدة، فيحفظ لكل مجموعة وجودها الكثيف وإبقاءها أغلبية معينة ضمن منطقة جغرافية محددة. 

أما التوجه الثاني فهو “النموذج التجانسي” ويفترض مبنى مؤسساتيا وقانونيا وسياسيا ثنائي القومية، بغض النظر عن التوزيع السكاني، بمعنى أنه يحق لكل فرد، من أي قومية كان، أن يقيم ويعمل بحرية، وبالدرجة نفسها، في أي جزء من فلسطين التاريخية.

الفصل الأول عنون بـ”مدخل تاريخي”، ويتفرع عنه محوران، الأول: الصهيونية وثنائية القومية في فترة الانتداب، وثانيهما: النقاش داخل الصهيونية. في المحور الأول يبين المؤلف أن “وعد بلفور” يمثل الوثيقة الأساسية الأولى في الدبلوماسية العالمية التي تُؤسس لحقوق اليهود في فلسطين، مؤكدا أن أول النصوص السياسية تعاملت مع اليهود بصفتهم شعبا، واعتبرت الفلسطينيين مجموعة من الطوائف والجماعات الدينية.

ويبين المؤلف نقطة بالغة الأهمية، وهي أن صك الانتداب على فلسطين الذي وُضعت مبادئه الأولى في مؤتمر سان ريمو في أبريل/نيسان 1920، واعتمد رسميا في مجلس عصبة الأمم في يوليو/تموز 1922، يقر وعد بلفور جزءا من صك الانتداب الذي تشير الفقرة الثانية من مقدمته إلى هذا الوعد، وإلى أن دول الحلفاء تبنته. 

كما تشير المادة الثانية صراحة إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي، وأن الهدف من الانتداب هو تحضير البلاد إداريا واقتصاديا لتأمين وطن قومي لليهود. وهذا الأمر يعني أن وعد بلفور أصبح سياسة رسمية معتمدة دوليا، ليس من جانب بريطانيا وأميركا فحسب، بل أيضا من عصبة الأمم المتحدة.

أما المحور الآخر فيبين أن تيارات الحركة الصهيونية في مجملها رغبت في الاستيلاء على فلسطين لإقامة كيان يهودي، لكن كانت هناك خلافات بشأن تصور شكل هذا الكيان، وبشأن العلاقة بالسكان العرب الأصليين. ويذكر المؤلف أن التيار اليميني داخل الحركة الصهيونية ممثلا بجابوتنسكي كان الأسوأ لإتباعه سياسة الجدار الحديدي والمواجهة وضرب العرب بقوة، باعتبارها الطريقة الوحيدة لإنجاز المشروع الصهيوني، ولقبوله في المستقبل البعيد ضمن المشرق العربي.

ويؤكد أن فكرة ثنائية القومية دخلت في سبات عميق في الفترة الممتدة من سنة 1948 حتى 1967، مشيرا إلى أنه لا يوجد داخل المجتمع الإسرائيلي من يفكر في دولة ثنائية القومية، أو يطرح فكرتها إزاء الانتصارات الحاسمة التي حققتها الحركة الصهيونية. ويؤكد المؤلف أن الحديث داخل المجتمع الإسرائيلي عن حل الدولة الواحدة عاد بقوة في نهاية العقد الأخير من القرن الماضي مع ازدياد التوجهات النقدية في دراسة إسرائيل وتاريخ الصهيونية والمجتمع الإسرائيلي.

الفصل الثاني عُنون بـ”الفلسطينيون وثنائية القومية”، وتضمن محورين، الأول: من وعد بلفور حتى الميثاق الوطني، والثاني: من الميثاق الوطني حتى الاعتراف بفلسطين عضوا في الأمم المتحدة. في المحور الأول يشير الكاتب إلى أن الموقف الفلسطيني ثابر خلال فترة الانتداب من وعد بلفور حتى قرار التقسيم، على رفض الهجرة اليهودية من ناحية، وعلى الحفاظ على فلسطين وحدة جيوسياسية واحدة من ناحية أخرى، إضافة إلى موقف آخر يقبل منح اليهود في فلسطين حقوقا فردية من دون قبول التعامل معهم باعتبارهم مجموعة قومية.

أما في المحور الآخر فيذكر الكاتب أن حركة التحرر الوطني الفلسطيني كانت في بداياتها جزءا من حركة التحرر العربي، وفي حينه اعتبرت الصراع ضد الصهيونية جزءا من مشروع عربي، وجزءا من مشكلة العرب وصراعهم ضد الاستعمار، ولم تر أي جانب قومي للمشروع الصهيوني ولم تعترف باليهود كشعب، واعتبرت أن الحل هو التحرير وحل الدولة الواحدة من دون حقوق جماعية لليهود. إلا أن تغيرات عدة حدثت منذ ذلك الحين، منها: اختزال قضية فلسطين بالفلسطينيين. ومع مرور الزمن تم التعامل مع اليهود والاعتراف الضمني بهم كمجموعة قومية، وجرى الانتقال من حل الدولة إلى حل الدولتين.

والفصل الثالث جاء تحت عنوان “عودة الحديث عن الدولة الواحدة”، وتطرق إلى جملة عناوين، منها: رفض منطق أوسلو وأفول حل الدولتين، وفيه يقول المؤلف إن الأدبيات الفلسطينية تشهد، منذ أكثر من عشر سنوات، عودة إلى التعامل مع موضوع الدولة الواحدة، إذ تُكتب مقالات عديدة تشير إلى أن المخرج من المأزق الحالي يكمن في الانتقال إلى مشروع الدولة الواحدة، ويحدث الأمر أيضا في المجتمع الإسرائيلي وإن كان بوتيرةٍ أقل، وكذلك الحال في العالم بصورةٍ عامة.

ويضيف أن الاهتمام المتزايد بحل الدولة الواحدة ينطلق من الإحباط واليأس من مسار أوسلو التفاوضي الذي استمر مدة عشرين عاما من دون أن يحقق أي إنجاز يستحق الذكر. وبالتالي فإن رفض أوسلو -وفق الكاتب- يُصبح موازيا لرفض المشروع الذي جاء به هذا الاتفاق، أي حل الدولتين.

وفي عنوان “من نقد أوسلو إلى منطق الدولة الواحدة”، يشير الكاتب إلى أن منطق أوسلو الذي سار فيه الفلسطينيون منفردين من دون عمقهم العربي غير كافٍ وحده للانتقال إلى حل الدولة الواحدة، وأن المشكلة تكمن في مجرد استمرار الحديث عن حل الدولتين وأننا في مسار تفاوضي يُفضي إليه. ويرى “نحن ضد منطق أوسلو التفاوضي، لا لأنه يهدف إلى حل الدولتين الذي وعد بإنجازه، بل لأنه لم يستطع تحقيق ذلك”.

وتحت عنوان “منطق الدولة الواحدة”، يقول الكاتب إنه إذا أريد لحل الدولة الواحدة أن يتحول إلى مشروع يجري العمل سياسيا على تحقيقه، فعليه أن يكون قادرا على الإجابة على سؤالين بمثابة تحديين، وأن يتجاوزهما.

يتعلق التحدي الأول بموازين القوى، ويرتبط التحدي الآخر بسؤال العدالة. ويفصل ذلك ليضيف أنه من غير الواضح أن دعاة الدولة الواحدة يستطيعون تجاوز حاجز موازين القوى. وحتى لو تخطوه، عليهم أن يبرهنوا أيضا أن هذا الحل أكثر عدلا، كي يُصبح برنامج الدولة الواحدة برنامجا سياسيا مفضلا، وبالتالي يجدر التمسك به في ظل تجاهل اعتبار موازين القوى.

وفي الخاتمة يشير زريق إلى أن إسرائيل اليوم ترفض حل الدولة، وترفض حل الدولتين أيضا، أي أنها لا تقبل في الواقع أي حل يضمن الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني. ويقول “يبدو أن حل الدولتين حل دفنه التاريخ، في حين يبدو حل الدولة كأنه لم يُولد بعد. ومع ذلك، هناك أهمية لطرح فكرة حل الدولة الواحدة كي ينتبه الفلسطينيون أولا، والإسرائيليون ثانيا، إلى أن آفاق الحل مفتوحة على مصراعيها حتى إن طال الزمن”.

ويؤكد أن فكرة الدولة الواحدة هي أقل من أن تكون نوعا من الحل، وهي أكثر ما تكون توجها إلى فهم الواقع الفلسطيني، وعدسة يجري من خلالها إعادة صوغ المسألة الفلسطينية، ومدخلا لإدارة الصراع. وفي هذا الشأن ينوّه المؤلف إلى أنه عوضا عن المشاريع المتعثرة يجب الانتقال من التفكير في الحلول إلى التفكير في الأدوات، وفي علاقات القوة


– الجزيرة

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *