بطيخة حمراء مذكرات عروسة


*هانم الشربينى

( ثقافات )

أنا البنت أقصد “المدام حاليا” التى حينما كانت بنتا كانت تحمل تمرد الجبال على الأرض ،كبر السماء على كل من ينظر لها ،إضطراب البحر ، عاصفة الرياح ، حنين الشتاء ،دفئ الصيف ،نسيم الربيع ،نعم كنت أحمل كل ذلك بين ضلوعى ،كنت أسير بين شوارع القاهرة وكأننى أطير ، لكن فى الحقيقة كنت أحمل فى جسدى شعور ما بالوحدة ،الذى يشبه شعور ما بهواء بارد فى عز الصيف ،غربة وسط المحبين ، شعور دائم بالرغبة فى الهجرة والسفر ، كانت الطرقات والسفر والنظر فى لاشئ هومن يملئ تلك المساحة الفارغة ، لم أكن أخاف من السير والسفر وحدى ،فقط كان خوف أسرتى يطاردنى بينما أنا أستمتع بمتعتى الوحيدة بالعمل والحياة المستقلة .

أذكر ذلك وأنا أتذكر جيدا أننى أعيش فى مجتمع لا يصنف المرأة المستقلة ،مجتمع لايصدق أن هناك نساء لاينظرن للرجل بإختلاف ، ولا يضيف لهن شيئا ،فى الحقيقة هذا ليس عيب ، ولكنه عيب لدى عقلية مجتمع يعيش على فكرة أن البنت لازم تتجوز عشان تتستر ، وعشان تبقى فى كنف رجل يراعاها ،الحقيقة هى أننا فى ظل مجتمع فاسد فالرجل والمرأة ضحايا السلع والإحتياجات اليومية ، هم فى الحقيقة ضحايا للهموم اليومية التى تجاوزتها المجتمعات المتقدمة التى تحترم أدمية من يعيشون بداخلها .
لا أعرف لماذا تذكرت ذلك بينما أكتب تلك السطور وأنا عروسة خلعت ثياب الزفاف منذ أيام فقط ، ربما أنا أعيش هذه الأيام أجمل أيام العمر ، التى لا أستطيع أن وصفها ،والسبب؟،أن السعادة فى الحقيقة عصية على الكتابة هى فقط تعاش ، الحزن فقط هو الذى تعرف رائحته الأوراق دائما ،فى نظرى الحزن دائما ،هو الذى ينساب مثل الدموع ، الدموع فى الحقيقة تمتلك شجاعة خاصة عندما تهبط وتقرر النزول من العين ،تلك اللحظات هى أصدق وأشجع ما فينا.
أكتب ذلك بينما كنت قد إنتهيت من قراءة كتاب “الطاهر حداد ” محرر المرأة التونسية ،”إمرأتنا فى الشريعة والمجتمع” وهو الرجل الذى توفى سنة 1935 ولكن مازالت كلماته تعيش وتنبض وتصرخ وسط مجتمع عربى أعمى وأصم وأبكم ، مازلت كلماته ترن فى أذنى أحفظها ،أستطيع أن أكررها عليك “المرأة أم الإنسان :تحمله فى بطنها وبين أحضانها وهو لا يعى غير طابعها الذى يبرزه فى حياته من بعد .وترضعه لبانها ،تغذيه من دمها وقلبها ،وهى الزوج الأليف تشبع جوع نفسه ،وتذهب وحشة إنفراده ،وتبذل من صحتها وراحة قلبها لتحقيق حاجاته وتذليل العقبات أمامه ،وتغمه بعواطفها فتخفف عليه وقع المصائب والأحزان ،وتجدد فيه نشاط الحياة ،وهى نصف الإنسان ،وشطر الأمة نوعا وعددا وقوة فى الإنتاج من عامة وجوهه، فإذا كنا نحتقر المر أة و نعبأ بماهى فيه من هوان وسقوط فإنما ذلك صورة من إحتقارنا لأنفسنا .
أنا فى تلك المذكرات لا أكتب عن زوج مثقف أعيش فى عينه وقلبه فى الحقيقة ، أنا أكتب صرخات لزوجة تعيش فى مجتمع لايحترم الحرية ولا يقدر النساء عموما ، مجتمع نخبته تسرق الحياة من الجميع ،تسرق الكلمات من الكتب لتقدمها على الشاشات ،بينما هما فى الحقيقة يسرقون الوطن ويخالفون كل ما يدعوه ، نخبة تتحرش بقيم الوطن على الأرض ، نعم نحن لسنا فى زمن الوعى ننحن فى زمن السرقة ، سرقة روح المرأة التى تعيش فى سجن غير قاصر على جسمها بل إنه يقع بصورة أشد على روحها ،نحن فى مجتمع يري المرأة لا تستطيع أن تعبرإلإ عن روح الرجل ولا تغنى الإشعر الرجل ،ولا تصور سوى عواطف الرجل ،المرأة التى ينبغى فى نظر نخبة فاسدة إلى صدى .
المجتمع الذى يشبه الرجل بالبطيخة ،يسأل كل عروس مثلى ،سؤال مكرر بطيختك ايه حمراء أم قرعة ؟، يا سادة إننا فى الحقيقة ضحايا ، فقط أريد أن أقول فى النهاية أن فساد المال وفساد النخبة لا يسرق فقط احلام الوطن ،وإنما سرق بإحتراف أحلامنا فى مجتمع نظيف ، وأحلامنا فى بيئة نظيفة تحترم أدمية من يعيشون تحت سمائها .
كاتبة من مصر .

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *