حوار : فاطمة بن محمود*
( ثقافات )
في الدورة 114 من التظاهرة العالمية ” صالون خريف باريس 2014 ” والتي جمعت حسب التصريحات الرسمية 34 دولة و 1600 فنان و800 من الكُتّاب والإعلاميين، وتقام في شارع الشانزيليزي أشهر شارع في عاصمة الأنوار، وقد شهد الافتتاح 11 ألف زائر بحضور شخصيات رسمية .. التقيت بالفنان المصري – العالمي عبد الرزاق عكاشة أول فنان عربي يصبح عضوا في مجلس إدارة الصالون ويترأس الجناح العربي منذ خمس سنوات، هاجر الفنان عبد الرزاق عكاشة إلى فرنسا منذ فترة الشباب الأولى ولم يتخلَ عن موهبته فتحصل على جوائز دولية كثيرة وفرض نفسه في الساحة التشكيلية العالمية حاملا لهموم المهمشين و الفقراء .. معه كان هذا الحوار :
1 / كيف كانت البدايات ؟
في زمن البرد أنت في حاجة الى حرارة الشمس، في زمن ينام بعض المهمّشين على الاسفلت أنت في حاحة أن تكون في القمة . حين تتذكر أن خلفك الأندلس وحضارات كبيرة مرّت بالمنطقة العربية فهذا يجعلك تنهض بنفسك تثقّف نفسك و تصلحها بالقراءة وتطوير موهبتك وتجهيز نفسك للحياة ، كنت مهدد في الحياة الباريسية أن أتخلى عن حياتي الإبداعية و لذلك كان التحدي كبيرا، و فكرت أن يكون الفن وسيلة إنتصار بالنسبة لي من خلالها أستعيد الأجواء الحميمية لمصر التي تسكنني و للثقافة العربية التي لم أتخلى عنها لتكون وقاية لي حتى لا أتوه في خضم الحياة ولا يستنزفني اليومي و لا تصهدني أنوار باريس. لذلك أنا أستعيد الماضي و طفولتي في أزقة قريتي المصرية لتكون قبعة على رأسي في الكِبر الى أن أهرم و الرابط بين طفولتي و كهولتي و شيخوختي هو المشاعر الإنسانية التي تجمع فقراء الشعوب و ترتسم على ملامح المهمّشين و المنسيّين.
2 / هاجرتَ إلى فرنسا عاصمة الأنوار ، ما الذي تغيّر فيك ؟
عندما هاجرتُ إلى فرنسا وجدت نفسي أسكن قريتي أكثر، أنت لا تستيطع أن ترى البيت الذي تسكنه وأنت داخله تحتاج أن تغادره و تذهب إلى الرّصيف الآخر لتراه جيدا ، تأملت أكثر دموع أبي التي كنت لا أنتبه اليها و حنان أمي الذي كنت أتغافل عنه لذلك كنت أحتاج أن أحوّل الحروف المرسلة في البريد إلى صور و ألوان فكانت فكرة الرسم على جسد الكتابة، لذلك كان السؤال بالنسبة لي مهمّا : كيف أقرأ رسائلي و رسائلهم عن بُعد في باريس أو اليابان أو أي مكان في العالم فيزيد قربهم و تتعمّق مشاعري تجاههم ؟
و أعتقد ان إجابتي عن هذا السؤال هو أهم تغيّر في حياتي جعلني أنجح في تحدّيات كثيرة في حياتي .
3 / تحصلت على جوائز فنية كثيرة .. تقارب العشرين جائزة ماذا يعني لك ذلك ؟
منذ البداية تأملت المشهد الفني في باريس و قررت أنه لا بدّ أن أكون ندّا و ليس تابعا ، فتعلمت أن لا أنحني فحين لا تنحني يقدّرك الغرب و لذلك حين أصعد الخشبة لاقتناص جائزة فاني أقف بكل ثقلي كعربي يحمل إرث ثقافي كبير و تاريخ عميق و قيم إنسانية وحين أعود إلى بيتي أضع الجائزة في الدرج باسم تلك الليلة و أنساها لأحلم بغيرها.
لذلك بلغت جوائزي الدولية ثمانية عشرة بين الرّسم والتصوير والنحت و كل جائزة تزيد من نهمي للتي تليها ولازلت على نفس المبدأ مقتفيا نصائح أمي ان لا أنحني فحين لا تنحني يقدّرك الغرب فأن تكون هشا ضعيفا او منبطحا حاملا لحقائب غيرك لن يحترمك أحدا.
بالنسبة لي أولا أنا أقيّم الجوائز من جهة انه حقي الطبيعي و يقابل المجهود الإبداعي الذي أبذله في كل ما تقترفه موهبتي في مختلف الأنماط الإبداعية التي أقوم بها ثانيا أنا أعتبر أن الفرنسين في حاجة إلى إكتشاف الآخر و عليهم أن يقتربوا أكثر من الثقافات المختلفة عنهم ويحاولون فهمها ..
4 / أنت أول فنان عربي يصبح عضوا في هيئة عالمية لأكبر معرض عالمي في الفنون التشكيلية .. كيف تقيّم هذا الإنجاز ؟
خلال الخمس سنوات التي أنا فيها عضوا في مجلس إدارة ” صالون خريف باريس” العالمي لم يعد هذا حلمي بل سعيت أن أحقق أحلام زملائي من البلدان العربية في المشاركة في هذه التظاهرة العالمية، بالنسبة لي أنا أحلم أن أسافر الى جائزة في حجم نوبل لأني على يقين أني لست عابر سبيل في الإبداع العالمي .
5 / ماهي الخلفية التي تؤسس وفقها تجربتك الفنية ؟
الخلفية التي أنطلق منها هي قاع المدن و الشوارع الخلفية هي عوالم المهمّشين و المنسيين والمظلومين في الحياة هناك شعب فلسطيني اغتصبت أرضه و لم يعد أحد يلتفت إليه لذلك أريد في كل لحظة في كل معرض في كل لوحة ان انبه العالم الى هؤلاء المطحونين و الذين اغتصبت حريتهم و حقهم في الحياة . لقد أسّس كورباي الواقعية الجديدة كمشروع مضاد في وجه من اختاروا رسم الملك و الملكة و الأثرياء في قصورهم فانحاز الى الفقراء و المنسيين وأبدع في رسمهم كطريقة ليخرجهم من ظلام الحياة التي يعيشونها إلى أضواء اللوحة و ألوانها الجميلة تماما مثلما إنتصر بودلير و أمل دنقل و أبو القاسم الشابي و غيرهم الى المطحونين و الفقراء و المحرومين من الحرية و الحياة الكريمة .
6 / كيف تقيّم الحضور العربي في هذه التظاهرة العالمية ؟
الحضور العربي في هذه الدورة مرتبك قائم على الغمز و اللمز و الطعن ، فلا يمكن أن ينتج مشروع و لكن ربما تكون التجربة اشارة لبعض المرتبيكن لتوحيد صفوفهم من أجل تقديم صورة مشرقة عن إبداعاتهم و يتقدموا خطوة في اتجاه العالمية .
7 / أين وصل التشكيليون العرب ؟
التشكيليون العرب لم يتقدموا كثيرا في المنجز الإبداعي إلاّ ما ندر فما كنا نملكه في مرحلة الستينات من رؤية طليعية متجدّدة عوض أن تُستغل لتطويرها نجدها اضمحلت تدريجيا وغابت تلك الروح الإبداعية أو لعلها غُيّبت عن قصد من بعض المؤسسات الرسمية في بعض الدول و تماما مثلما لم نعد إلى إنتاج ام كلثوم و لا إسمهان و لا عُلية التونسية و لا طلال مداح و لا غيرهم فاننا لم نعد أيضا ننتج لوحة لأن كل حاكم عربي يخاف من حركة ابداعية حقيقية لأنها تساهم في خلق الرغبة في التحرر.
8 / أصدرت رواية بعنوان ” فتيحة “.. لماذا هذا المنعطف نحو الكتابة الأدبية ؟
هناك علاقة بين الصورة في الرواية و الصورة في اللوحة ، الفرق أن الصورة المرسومة تتحول الألوان فيها إلى كلمات و الصورة في الرواية تتحول فيها الحروف إلى ألوان، فهما صنفان متوازيان من الإبداع المحو و القشط في اللّون من أجل إخراج و بناء لون جديد عن رسم اللون الأول هو نفس المعاناة و انت تستسخرج النص الروائي من رحم روح المبدع أو الكاتب . فالرواية تقرأ بالعين و اللوحة تقرأ بالأذن من خلال موسيقى الألوان .
9 / مشاريعك القادمة ؟
بعد رواية ” فتيحة ” انا لي رواية ثانية بعنوان ” نوال ” تصدر قريبا كما اني بصدد رواية ثالثة بعنوان ” الشرّابية ” وهو حي في مصر يسكنه الفقراء و المهمّشين ثم اسافر قريبا ( في ديسمبر ) الى دبي لاستلام جائزة كبرى اختير لها ثلاثة فقط من العالم في فرع الفن التشكيلي و السلام و في شهر جانفي أستعد لمعرض في القاهرة وفي شهر فبراير اشارك في مهرجان مدينة الشيخ زايد للثقافة و الفنون و العلوم .
و هكذا انا في حل و ترحال من أجل لإيصال صوت المهمشّين و ” الغلابة ” أسعى خلف أحلامي التي لا تنضب بشغف الشباب و رصانة الكهول و حكمة الشيوخ .
________
*شاعرة وإعلاميّة من تونس
*شاعرة وإعلاميّة من تونس