توني موريسون.. عن الحب والفقدان والحداثة


*ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي

موريسون: فكرة أنّنا الأمّة الأفضل والأقوى وأننا ينبغي أن ندير العالم كما نشاء تبدو لي فكرة محبطة للغاية وباعثة على الاستياء إذ يتوجّب علينا حينها أن يكون لدينا عدوّ ما في مكان ما لنحاربه

القسم الثالث
قبل عشرين سنة خلت – دعوني أذكّر أن الحديث يجري عام 2012 ، المترجمة – احترق منزل موريسون – الذي كان مشيدا بجانب ضفة نهر – و استحال ركاماً و فقدت موريسون كل مخطوطاتها ووثائقها ، و قد شيّدت لاحقا منزلاً جديداً لها في مكان المنزل المحترق ذاته.
و هي تملك اليوم الى جانب هذا المنزل المشيّد على ضفة النهر شقة في نيويورك و منزلاً في برينستون – حيث تعمل أستاذة في جامعتها – ، و عندما سألتها في أي الأماكن الثلاثة تشعر كأنها في ملاذها الحقيقي صمتت موريسون قليلاً لتفكّر ثم أجابت ” أعيش في الأمكنة التي أحب و حسب و لا أطيق فكرة فقدان هذه الأمكنة و ربما أحببت منزلي المطلّ على النهر أكثر من سواه و قد سكنت فيه منذ السبعينات من القرن الماضي و لم أزل ، و لكن المنزل هو في النهاية فكرة و ليس مكاناً : انّه حيث تشعر بالأمان و حيث تعيش وسط أناس يعاملونك بطيبة و لطف و لا يهمّ بعد كل هذا أن يحبّوك بل يكفي أن لا يكرهوك و حسب و عندما تقع في مشكلة ما يمدّون لك يد العون . ” و قد ذكّرني حديثها عن الناس بأحوال المجتمع الأميركي فسألتها كيف ترى أميركا في عالم اليوم فأجابت تقول ” انّ فكرة أنّنا الأمّة الأفضل والأقوى واننا ينبغي ان ندير العالم كما نشاء تبدو لي فكرة محبطة للغاية و باعثة على الاستياء اذ يتوجّب حينها دوماً أن يكون ثمّة عدوّ ما في مكان ما لنحاربه . انّ قدرة الولايات المتحدة ينبغي ان تكمن في قوة مبادئها الديمقراطية و في رصانة نظاميها الصحّي و التعليمي و هو الامر الذي لا أراه متحقّقاً اليوم”. 
حدث قبل بضعة أيام من لقائي مع موريسون أن تصدّر خبر يخصّ النائبة الاميركية ( ليزا براون ) قائمة الاخبار في الصحافة الاميركية عندما أوقفت عن الحديث في ولاية مشيغان أثناء مناظرة حول الإجهاض بعد ان وردت مفردة ( مهبل ) في سياق حديثها ، و هو الأمر الذي جعل موريسون تنفجر ضاحكة و هي تعلّق على هذه السخافة ” لقد اوقفوها عن مواصلة الحديث . انّ هذا أمر بالغ الفظاظة بالفعل ” و ظلّت تجاهد في إخفاء ضحكة مكتومة على شفتيها . ” هؤلاء الرجال خائفون ” تقول موريسون وهي تستعيد جدّيتها الكاملة في الحديث عن هذه الانتقائية الصارخة التي ينظر فيها السياسيون تجاه الجنس و الموضوعات المرتبطة به و تمضي في القول ” انّ هؤلاء السياسيين سعداء جداً بوجود الفياغرا و كانوا سيقاتلون في سبيل إجازة القانون الذي يجيز تشريعها حتى يمكنهم الحصول عليها بسهولة . انّ المشكلة مع السيدة النائبة براون ليست بسبب أنها خالفت رأي بضعة رجال اغبياء بل تكمن المشكلة أساساً في كيفية فهمنا لماهية السلطة و من يمارسها : فأنت لا تملك السلطة -أيّة سلطة حتى لو كانت السلطة على التحكّم في الإنجاب – طالما كنت امرأة كما يفكّر بعض الرجال و السياسيين منهم بخاصة وهو أمر يدعو للأسف اذ لطالما ظننت مخطئة اننا قد انتهينا من هذه الأمور و أشباهها منذ زمن بعيد ” .
في أيار من عام 2012 قلّد الرئيس الأميركي باراك أوباما موريسون قلادة الحرية الرئاسية وهي التكريم المدني الأعلى مرتبة في الولايات المتحدة ، و علّق الرئيس أوباما في معرض التكريم بان موريسون لم تكن تمثّل له محض شخصية بطولية فحسب بل أن قراءة روايتها ( أنشودة سليمان ) قد ساهمت في تشكيل شخصيته و جعلته يؤول الى ما هو عليه الان . تشعر موريسون بإحباط كبير تجاه العنصرية و الازدراء غير المبرّرين و الموجّهين تجاه حكومة أوباما و تقول في هذا ” سمعت أحدهم يوماً ما على المذياع و هو يصف الرئيس أوباما بالقرد ، فانبرى له أحد المستمعين ليقول بلهجة غاضبة : لا لا لا ، أن قولك هذا عنصري تماماً و يجانب الصواب ، فالقرود كائنات ذكية جداً !!! ” . 
تتابع موريسون الاخبار على بعض القنوات التلفزيونية المختارة و بخاصة قناة BBC AMERICA ” لأنها في أقل التقديرات قادرة على جعلك تعرف ما الذي يدور في العالم خارج الولايات المتحدة ، و لان نشراتها الإخبارية تخلو من أية إعلانات للأدوية و مستحضرات التجميل ” . لم تمتلك موريسون جهاز تلفزيون الّا بعد أن التحقت بالجامعة ، و قد اعترفت بأنها كانت تستمتع من قبل بمشاهدة حلقات ( Law & Order ) و ( Waking the dead ) ، و لكنها قلّما تستمتع ببرامج أو مسلسلات اليوم ، و قد بدت لي موريسون على دراية كافية بخفايا ما بات يعرف اليوم ( تلفزيون الواقع Reality Tv ) ، و تعلّق بهذا الصدد قائلة ” لم يعد متاحاً اليوم ما يمكن أن يمثّل مادة شعبية يتحلّق الناس حولها لمشاهدتها مثلما كان يحصل في وقائع الإعدام الجماعي من قبل اذ لم نعد في العالم الغربي اليوم نمارس أيّاً من هذه الأفعال فلم يعد ثمة مهرب من التوغّل أكثر في خصوصيّات الافراد و عرضها على الشاشة ، و لكن هل تظنّ أنّ حياتك ستكون اكثر ثراءً و عمقاً و اتّساعاً بمجرّد عرضها على الملأ أمام أنظار الاخرين ؟ ” . تقول موريسون انّها ما عادت تطيق هذا النوع من برامج التسلية الجماهيرية و تضيف ” أبحث عن معنىً ما و أظنّ أن من السهولة الفائقة خسران المعنى في هكذا نوع من الاعمال الفجّة التي تبحث عن الاثارة المصطنعة التي لا أراها اكثر من خردة فكرية ” .
عندما انتهيت من حديثي مع موريسون عن تلفزيون الواقع عرفت أنّنا قد تحدّثنا لما يقارب الساعتين ، و هنا كان على موريسون أن تغادر الى منزلها الماكث على ضفاف نهر جميل لكي تكون بمعيّة أصدقائها ، و لكي تعمل على رواياتها ، و لكي تعتني بحديقتها البهيّة . ستظلّ موريسون تكتب و تمنح العالم وجهة نظرها التي هي في النهاية صياغة فنية أنيقة لما تفكّر فيه موريسون الرائعة.
________
*المدى

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *