*روز جبران
خلود الزغير سورية مقيمة بباريس، مجازة في علم الاجتماع من جامعة دمشق 2002، حصلت على الماجستير والدكتوراه من قسم اللغات والآداب في جامعة السوربون الجديدة، بباريس 3، في اختصاص علم اجتماع المعرفة.
عملت خلود في الترجمة والنشر، ونشرت مجموعة من المقالات والقصائد والأبحاث في الجرائد والمجلات ومراكز الأبحاث العربية والغربية منذ 2005، من أعمالها مجموعة شعرية بعنوان “امرأة تمارس هواية التسكع على حبل المشنقة” ومجموعة شعرية بعنوان “عند رحيل المعنى”. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الشاعرة السورية خلود الزغير.
روح الشاعر
عن نظرتها إلى الشعر وتطور رؤيتها من “امرأة تمارس هواية التسكع على حبل مشنقة” عنوان ديوانها الأول، إلى “عند رحيل المعنى” عنوان الديوان الثاني، تقول خلود الزغير: “لا أنظر إلى الشعر كموضوع خارج عني، بل أعيشه كرغبة في الحياة والموت، رغبة في الحب والكره، في المعرفة والنكران، في الكشف والترميز، كما لو أن القصيدة جسد ذاتي، فهي تكبر وتنضج، وتتعرف على محيطها مع الزمن، تعرّي هذه الذات بهواجسها وأوجاعها حينا ، وتحاول إسدال القناع عليها حينا آخر، كذلك قد تتعب أو تشيخ في فترات”.
ترى الزغير أن قصيدتها في مجموعتها الثانية “عند رحيل المعنى”، بلغت سن الرشد، وأصبحت تنظر إلى العالم عبر ألم ذاتها، بدل النظر إلى هموم ذاتها عبر مرآة العالم. فقصيدتها في رأيها، اليوم، تتعالى على ضمير الـ”أنا” ليحضر الـ”هو” والـ”أنت”، بسردياتهم وانطباعاتهم، وتحضر الأشياء أكثر من الأشخاص. ببساطة هذا الجسد لذات “القصيدة” نضج وكبر، واستقل بنفسه وخرج من بيته الأول.
وعن همها الشعري، وكيف تنظر إلى الكتابة الشعرية الراهنة أو المعاصرة، لا سيما بعدما أصبحت الكتابة متاحة للجميع، في ظل تطور التكنولوجيا ووسائل الاتصال، تقول الشاعرة “أرى أن إتاحة الكتابة للجميع حق وضرورة، ليتمكن الجميع من إيصال كلمته والتعبير عن آرائه، وقد أفرز الواقع تجارب شعرية مهمة وصلت إلى المقدمة، في المقابل أُغرقت الساحة الأدبية بالتفاهة. هذا هو الحال في جميع مجالات الأدب والفن، كما في المنتوجات الأخرى غير الثقافية، ضمن سياسات الترويج والتوزيع التي نعيش فيها وتفرض علينا، لكن البقاء سيكون للأكفإ إبداعيا.
عن كيفية توفيقها في ما بين اهتماماتها كشاعرة ورسامة وباحثة، في الوقت نفسه، وإذا ما كان الشعر والرسم لا يزالان حاضرين في حياتها، تعتبر الزغير أن المسألة ليست تقسيم وقت بين ثلاثة أعمال، فحين تحضر القصيدة تكتبها، وحين ترى اللوحة ترسمها، حتى إن كانت غارقة في البحث. وتقرّ أنها حاليا مثلا تركت مرسمها، وتفرغت لكتابة رسالة الدكتوراه هذه السنة، لكن ذلك لا يمنعها من كتابة الشعر أو رسم بعض “الكروكيات” للوحات ترغب في رسمها مستقبلا. لا يمكنها، وفق تعبيرها، “أن تُسكن الريح في خيمة” هكذا ترى روح الشاعر.
وتضيف الشاعرة قولها: “كل هذا يجعل حياتي كثيفة، أتنقل بين ثلاثة عوالم مختلفة، وفي كل منها أعيش مشاعر وأفكار مختلفة، وأعبر بوسائل مختلفة، أعتقد أن الحياة قصيرة لتسمح لنا بقول كل ما نريد”.
المحطة الأخيرة
إذا ما كان قدر المرأة العربية “التسكع على حبل المشنقة”، على حدّ تعبيرها، فهل ستبقى راضية بذلك أم أن رياح التغيير، ستعصف بالثقافة العربية، وثقافة المجتمع العربي بشكل عام، منذرة بولادة مغايرة، تحمل مفاهيم مغايرة.
تقول الصغير: “حتى اليوم، ما أراه هو أن المرأة العربية تزداد جرأة في تسكعها، لكنها لا تزال تحت حبل المشنقة. فالذي يتغير، هو نوع وطبيعة هذا الحبل، أما المشنقة فلم تنزل بعد من فوق رأسها. يوما ما سيزداد هذا التسكع، وسوف يصبح عادة وظاهرة، إلى درجة أن ذلك الحبل سيهترئ وتتساقط بقاياه على وقع الكعوب العالية”.
وتضيف قائلة: “إذا نظرنا إلى وضع المرأة بصورة عامة في المنطقة، نجده ذهب في اتجاهين متعاكسين. الأول حركة تحرر قوية فرضتها شريحة من النساء في ظل الثورات على الصعيد السياسي والاجتماعي والثقافي، بالمقابل هناك شريحة أخرى كانت ضحية الحركات الأصولية الصاعدة، حيث وقعت تحت سطوة أحكامها وسلاحها. لكن أيّ قارئ لحركة التاريخ سيعرف أنه حال زوال هيمنة هذه الحركات سيكون خروج النساء من تحت سيطرتها مفاجئا وحاسما”.
لقد فرض الهم العام السياسي، الاقتصادي والاجتماعي، في رأي الشاعرة، أن تتخلص المرأة الكاتبة من مواضيعها وجملها القديمة، لتعرف نفسها كإنسان ومواطن أولا، ينتج نصا أدبيا ومعرفيا يهتم بقضايا خارج أزماته الجندرية.
وتؤكد الزغير أنه على العكس فحين تفرض المرأة نفسها من خلال إنتاجها المعرفي كفاعل ومشارك في هذا الحقل لن تبقى في موقع الضحية والمغلوبة على أمرها.
عن وجهة نظرها إلى ما يجري الآن في بلدها سوريا، في خضم هذا الزلزال السياسي والاجتماعي الذي تشهده، وعن الأسباب التي أدت إلى النتائج التي نعاني منها الآن، لا سيما نمو حركات راديكالية متطرفة، تجهز هي والنظام على كل شيء، تقول الشاعرة: “إنها تراجيديا القرن، لا كلمات تصف كل هذا الموت والتهجير والإذلال لشعبي. والأسباب عديدة ومتداخلة، نتقاسمها نحن والنظام، وهذا العالم المتحضر. وحده الشعب كان حطبا لمعارك أسياد الحروب”.
فالنظام، في رأيها، تاجر بكل شيء لمصلحة بقائه في السلطة، وحُكم أرض ولو مدمرة، بطشه اللامعقول حرّف سبعة أشهر من النضال السلمي إلى نضال المسلح، وحين يدخل تجار السلاح تدخل دول ومصالح لا علاقة لها بالثورة وأهدافها وشعبها. تمويل السلاح والكتائب، وفرض أيديولوجيات جديدة على الثورة، لا تشبه مصلحة الشعب بالتغيير، بل ومتناقضة ومتصارعة مع بعضها بهدف خلق حروب جانبية “أيديولوجية” تطيل فترة النزاع وتشعبه وتلهيه عن هدفه، وهو إسقاط النظام الديكتاتوري.
وتؤكد الزغير أن التنافس على “الزعامة” هو مشكلة النخب السورية منذ الاستقلال حتى اليوم، وهذا ما أعاق، في اعتقادها، تشكل الهوية الوطنية السورية، نتيجة تغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة. وضعف وتآكل النخب لأسباب طبقية وتنافسية فيما بينها، جعل الثورة بلا رأس.
تلفت الشاعرة إلى أن الحرب اليوم باقية لسنوات، لأن هناك عدة ملفات في المنطقة يجب أن تحل، على هامش القضية السورية، كما أن جميع أشرار العالم متجمعون في مكان واحد، اتفق على حصرهم فيه (النظام وعصاباته والجهاديون). وحين تحل القضايا، وفق وجهة نظر الدول الكبرى، سيتم تشكيل “نظام” و”دولة” مناسبين للسوريين ولهم.
عن قطار التغيير العربي، وما هي المحطة الأخيرة التي تتنبأ بوصوله إليها، إذا كان ثمة محطة، تختم خلود الزغير: “يبدو لي قطار التغيير هذا متوقفا الآن، لكونه يتعرض لحركتين متعاكستين تتدافعانه، واحدة باتجاه الأمام لمتابعة السير في حركة التاريخ ومواكبة الحضارة الإنسانية، وأخرى نكوصية تدفعه إلى الخلف لمحطة سبق وأن مرّ بها، منذ قرون. لكن منطقيا لا يمكنه الرجوع، وإن عاد بضع محطات سيستأنف الانطلاق، إنه الزمن ومبدأ التطور. أما أن توجد محطة أخيرة فهذا ليس معقولا، فالتغيير مسألة مستمرة لا تتوقف”.
________
*العرب