«الذئب» النّرويجي يفجّر معركة أدبيّة في فرنسا



*حسونة المصباحي

نهاية صيف العام 2013، أصدر الكاتب الفرنسيّ ريتشارد ميلّي كتابا بعنوان: «مديح أدبيّ لبرايفيك».

وبرايفيك هو «الذّئب» النّرويجي الذي قتل في في الثّاني والعشرين من عام 2011، 77 شابّا وشابّة في جزيرة قرب العاصمة أوسلو، احتجاجا على تنظيمهم تظاهرة مناهضة للعنصريّة.
وقد اعتبر ريشارد ميلّي، العضو في هيئة دار «جاليمار» المرموقة، والمعروف بأفكاره اليمينيّة المتطرّفة التي تذكّر بأفكار لوي فارديناند سيلين الذي ساند النّازييّن عند احتلالهم لفرنسا في الحرب الكونّية الثانية، القاتل النّرويجيّ الشّاب «بطلا» يستحقّ التّكريم والتّمجيد لأنه يدافع عن أوروبّا، وحضارتها وقيمها ضدّ الهمجيّة الجديدة المتمثّلة في المهاجرين العرب والمسلمين بالخصوص.
ويرى ريشارد ميلّي أن كثرة المساجد في العواصم والمدن الأوروبّية تمهّد في حقيقة الأمر ل»غزو» أوروبا المتحضّرة، مهاجما بعنف الحكومات، والأحزاب السّياسيّة التي تسمح بذلك.
ونعت ميلّي الشبّان والشّابّات الذي قتلوا في المجزرة المذكورة بـ»عملاء لما يسمّى بالتعدّد الثقافي».
وليست هذه هي المرّة الأولى التي يجاهر فيها الكاتب الفرنسي المذكور بآراء عنصريّة كهذه.
ففي مقابلات أجريت معه في مختلف وسائل الإعلام صرّح أنّه لا يتحمّل رؤية الزّنوج في محطّات الميترو في باريس.
كما أنه قال: «كيف يمكن أن نتحدّث عن «تعدّد ثقافيّ» والعرب يصرّون على تسمية أبنائهم الذي ولدوا في فرنسا، وينتمون الى الجيل الثالث بـ»محمّد».
وفي تلك المقابلات، اعترف ميلّي أنه التحق بحزب «الكتائب» عند اندلاع الحرب الأهليّة اللّبنانيّة عام 1975، وأنّه وجد متعة كبيرة في «قتل العرب».
وعن تجربته اللّبنانيّة، أصدر كتابا بعنوان: «الإعتراف السّلبي» غير أنه لم يلق الصّدى المرتقب منه، لذلك خيّر اللّجوء إلى الأسلوب العنيف في الكتابة قائلا: «عندما أكون ديبلوماسيّا فلا أحد يسمعني».
وقد صرّح العديد من الذين على صلة به أنه، أي ميلّي، صعب المراس، متشدّد في أفكاره، ويغضب شديد الغضب حين يعارضه أحد.
لذلك هو بلا أصدقاء تقريبا.
وكان صاحب «مديح أدبيّ» قد عمل مدرّسا في السّبعينات من القرن الماضي.
ورغم ادّعائه بأنه سعيد بعمله، فإنه كان يكثر من الإجازات المرضيّة، بل وحاول الإنتحار ذات مرّة.
وذكر أحد أصدقائه المقرّبين أن «البطولات» التي يتحدث عنها ميلّي خلال الفترة التي أمضاها في لبنان لا أساس لها من الصحّة، وهي «كاذبة، وملفّقة».
وبعد أن أصبح عضوا في هيئة تحرير «غاليمار» أصبح ميلّي يتمتّع بنفوذ كبير في الأوساط الأدبيّة الفرنسيّة.
والجميع يقرّون أنه «قارئ جيّد ودقيق».
غير أن نزعاته العنصريّة، أكثرت الأعداء من حوله.
وقد فجّر «مديح أدبيّ لبرايفيك» في فرنسا معركة أدبيّة حامية الوطيس.
وفي نصّ نشرته الأسبوعية الفرنسيّة «لونوفال أوبسارفتور»، هاجم لوكليزيو الحائز على جائزة نوبل للآداب ريشار ميلّي بشدّة، وكتب يقول: «باسم أيّ نوع من أنواع حرّيّة التّعبير، ولأيّ هدف من الأهداف، يسمح إنسان يمتلك كلّ مدراكه العقليّة (هذا على الأقل ما نفترضه)، أن يكتب نصّا منفّرا وكريها كهذا النّصّ؟ وهذا السّؤال يفضي بنا إلى سؤال آخر: باسم أيّة فلسفة، وباسم أيّ موقف تحرّكه نزعة الكسب والرّبح المادّي، يخيّر ناشر إصدار كتاب فيه يمدح واحدا من أكبر المجرمين في مطلع هذا القرن، من دون مراعاة لعائلات الضّحايا».
وأضاف لوكليزيو قائلا: إن ميلّي فضّل الانتساب إلى مجموعة من المفكّرين والكتّاب الذين يساهمون في إذكاء التّطرّف والعنصرّية، ويحرّضون من خلال كتاباتهم وآرائهم على كراهيّة الآخر.
ويرى لوكليزيو أن هؤلاء يستغلّون الأزمات الإقتصاديّة، وازدياد عدد العاطلين عن العمل ل»بثّ ونشر سمومهم الفكريّة»، وإحياء الإديولوجيّات الفاشيّة التي اجتاحت أوروبا في الثلاثينات من القرن الماضي.
وأشار لوكليزيو إلى أن نفس الأساليب، ونفس العبارات التي كانت تلجأ إليها الإيديولوجيّات المذكورة لمهاجمة اليهود تستعمل اليوم ضدّ الإسلام، والمسلمين.
وعن التعدّد الثقافي، كتب يقول: «إنّ مسألة التعدّد الثّقافي التي يبدو أنها تشغل كثيرا رجال السّياسة عندنا، والبعض من أشباه الفلاسفة، تبدو اليوم بلا معنى.
فنحن نعيش في عالم فيه تتعدّد اللّقاءات، والإختلاطات.
والهجرات موجودة منذ أزمنة بعيدة، بل يمكن القول أنّ هذه الهجرات هي أصل الجنس البشري (وهو الجنس الوحيد).
والتعدّد الثّقافي الذي يكثر الحديث عنه اليوم لم يعد كافيا.
وهو يصنع غيتاوات، ويعزل الثقافات عن بعضها البعض، ويحرّض على تصلّبها، وتطرّفها».
وقال لوكليزيو بأن ميلّي يريد أن يقلّد سيلين غير أن هذه الأخير كان عبقريّا، أمّا هو فبعيد عن العبقريّة كلّ البعد.
لذلك هو لن يجن سوى الخسران من مديحه للقاتل النرويجيّ».
_____
*الاتحاد

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *