زياد الخزاعي *
بعد الحفاوة البريطانية بباكورة السعودية هيفاء المنصور “وجدة”، والمصرية الأصل البريطانية الهوية سالي الحسيني ونصّها “شقيقي الشيطان” (كلاهما إنتاج العام 2012)، وبعدهما “فرش وغطا” (2013) للمصري أحمد عبد الله، يأتي تكريم فيلم الأردني ناجي أبو نوار “ذيب”، الذي ضَمن مكاناً بين متنافسي “مسابقة الفيلم الأول” في الدورة الـ 58 (8 – 19 تشرين الأول 2014) لـ”مهرجان لندن السينمائي”، والأشرطة الاثني عشر المهتمّة بقطف جائزة “سثرلاند” المرموقة، بينها “ماكوندو” للإيرانية سودابه مرتضائي، حول عزلة مهاجرين مسلمين يتحصّنون في مخيم بحواف فيينا، و”عبد الحب” للهندي أديتيافكرام سينغبوتا، عن أحوال عشق ضنين العواطف وعيشة مريرة لعامل وزميلته في كالكوتا، فيما تصدّى الاثيوبي زيريسيناي برهان ميهاري في “ديفريت” (شجاعة) لجرائم اختطاف الصبايا وإرغامهنّ على الزواج، بينما صوّر الجزائري الفرنسي يان ديمانج في “71” ورطة جندي بريطاني وقع بين فصائل متحاربة في إيرلندا الشمالية.
هذه الأعمال الخمسة ستشارك لاحقاً في الدورة الـ 8 (23 تشرين الأول – 1 تشرين الثاني 2014) لـ”مهرجان أبوظبي السينمائي”. سرد أبو نوار حكاية برية قاسية تمتحن إرادة شقيقين بدويين هما ذيب وحسن، يقرران هجرة مضارب قبيلتهما سعياً إلى الماء، فيما تتصاعد الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين (1916). تقودهما الأقدار العصيبة إلى لقاء ضابط بريطاني، فيتشاركون معاً في رحلة اختبار مفاهيم الشجاعة والنخوة والدربَة على خداع الموت الرابض بين التيه الرملي والمرتزقة واللصوص. ضمن “مسابقة الفيلم الوثائقي”، يُشارك السوريان أسامة محمد ووئام بدرخان بـ”ماء الفضة”، الذي رصد محنة مدينة حمص، عبر توليف مدروس لمقاطع فيديو صُوِّرت بكاميرات أناس عاديين، تضمّنت صوراً مرعبة لمأساة مروّعة. إليهما، هناك سبعة عناوين عربية أخرى ضمن خانات المهرجان، في مقدمتها المشاركة الثانية لأحمد عبدالله عبر “ديكور”، دراما سايكولوجية تضع مهندسة الديكور مها (حورية فرغلي) في التباس بين عالمين متداخلين، أحدهما واقع محتمل (حياتها) وآخر خيالي غادر (عملها في السينما). في حين تهكّم عمرو سلامه على محنة بطله الصغير هاني، في “لا مؤاخذة”، الذي يعيش رعب أن يكتشف الآخرون قبطيته، حينما نقلته والدته إلى مدرسة حكومية إثر وفاة معيلهما، وافترض الجميع انه مسلم. مفعماً بروح أدب الكاتب الروسي أنطوان تشيخوف، وبالذات “الأخوات الثلاث”، صاغت الفلسطينية سهى عرّاف في “فيلا توما” حكاية ثلاث عمات مسيحيات يعيشن منعزلات في رام الله، قبل أن يقلب مجيء ابنة أخيهن بديعة تطامن حياتهن الأرستقراطية. في باكورتها ” إطار الليل”، سردت المغربية العراقية الأصل تالا حديد سعي كاتب إلى عَتْق شقيقه من سيف التزمت الديني. بينما اختار العراقي المقيم في الدنمارك فنار أحمد، الذي عرف فيلمه القصير المميز “ميزوبوتاميا” (2008) اهتماماً نقدياً، موضوعاً درامياً موسيقياً في باكورته “دفق”، حول عزوم الشاب ميكائيل وتكريس موهبته في مشهدية الـ”هيب هوب” وأجوائها المحمومة بالجنس والمخدرات والعنف. أما الشاب اللبناني المقيم في لندن مصطفى قصيباتي، الذي اعتبرته مجلة “سكرين إنترناشونال” السينمائية البريطانية من”نجوم الغد”، فعرض متاعب الصبي آدم مع شقيق مهووس بأبطال رسوم “الكومكس”، ويعاني مشاكل في التلقّي، قبل أن يستغل حالته لعقد صداقات جديدة، في فيلمه “محمد”. إلى ذلك، هناك أشرطة تمس قضايا عربية وإسلامية متعددة الأوجه، أهمها فيلم وثائقي للإسرائيلي نداف شيرمان “الأمير الأخضر” عن العميل المزدوج الفلسطيني مصعب حسن يوسف، نجل أحد قيادي حركة “حماس”، وتعاونه مع “الموساد”. نتابع جلساته مع المسؤول الذي جنّده، مؤرّخاً حواراتهما التي تتقاطع مع مشهديات تصفيات قيادات فلسطينية ووشايات.
يُفتتح المهرجان (248 فيلماً طويلاً و148 قصيراً)، بـ”لعبة المحاكاة” للنرويجي مورتن تيلدوم، حول اختراق عالِم فكّ شيفرات بريطاني للجهاز الألماني العصّي، المعروف بـ”أنجيما”، خلال الحرب العالمية الثانية. ويُختتم بـ”غضب” للأميركي ديفيد آير، عن قائد كتيبة دبابات للحلفاء (براد بْت) تخترق خطوط النازي. هناك 12 فيلماً آخر ضمن “المسابقة الرسمية”، منها “تمباكتو” للموريتاني عبد الرحمن سيساكو (“السفير” 22 أيار 2014)، والباكورة الخاطفة للاهتمام “صبية تعود إلى بيتها وحيدة في الليل” للإيرانية أن ليلي أميربور، وهي استدعاء للنوع السينمائي الذي لا يموت، والمعروف بـ”أشرطة مصاصي الدماء”، تجري أحداثه في بلدة إيرانية منكوبة بهَمّ.
– السفير