د. ابتهال الخطيب*
لبيت بكل سرور دعوة من ملتقى الفجيرة الإعلامي لحضور المؤتمر الإعلامي السنوي والذي كان لهذه السنة بعنوان المرأة والإعلام…الصورة الأخرى . كانت ورقتي تدور حول صورة المرأة العربية في الإعلام العربي والتحديات التي تواجهها، وهو الموضوع الذي تناوله معظم المتحدثين في أوراقهم المختلفة بالنقد والتحليل وتفاعل معه الجمهور تفاعلاً قوياً وأحياناً انفعالياً. أتيت في الورقة على ذكر الأنماط الإعلامية للمرأة العربية والتي أعتقد أنها تقريباً تنحصر في ثلاث: الصورة التشيئية الجسدية التي تتعامل مع المرأة كمادة اغرائية ربحية، وتلك لربما هي صورة عالمية يتهم بها كل الإعلام العالمي، ثم الصورة الملائكية الكاملة للمرأة المضحية بالغة النقاء والطهارة، وها هنا ينعكس المتضادين الكلاسيكيين: المرأة الملاك والمرأة الشيطان، حيث قليلاً ما تظهر المرأة بصورة انسان يجمع بين الاثنين. اما الصورة الثالثة فهي الصورة الكوميدية الهستيرية والتي من خلالها تقدم المرأة كمخلوق أهوج عاطفي هستيري، سرعان ما يتحطم بانفعالاته التي غالباً ما تأتي كوميدية القالب. من خلال هذه الصورة تتم السخرية من عذابات وآلام ومشاكل المرأة واستخدام الأنماط التقليدية لتأطير هذه السخرية، فمثلاً، في احدى الدعايات التي كانت لها شهرة في الكويت، بدت الزوجة طالبة من زوجها الخروج فيها هو يود مشاهدة مباراة لكرة القدم، فعاونه والده في كذبة لابقائه في المنزل وجلسا بعدها ضاحكين سعيدين بنجاحهما. وفيما ستكون هذه الدعاية خفيفة الظل في مجتمع تقترب فيه المرأة من حرياتها وحقوقها، تكون هذه الدعاية سمجة ومهينة في مجتمع لا يزال ينمط المرأة ويعتقدها ناقصة عقل ودين.
في تعدادي للمعوقات الإعلامية للمرأة ذكرت أن من أهمها غياب الحرية والتحرر كمبادئ عامة في مجتمعاتنا، سيطرة المفاهيم الدينية وتداخلها مع سياسات الدولة بما فيها الإعلامية، سيطرة العادات والتقاليد وطبيعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي تحكم المرأة وتداخل حياتها بحياة الرجل، سهولة كسر المرأة من خلال كلمة أو اشاعة أو نقد بذيئ، تمنع المجال الميداني على المرأة، ارتباط نجاح المرأة بمدى تبنيها للأنماط السلوكية وأحياناً المظهرية للرجل، ارتباط الإعلام بالأنظمة السياسية، الا أن أهم هذه العوائق كما أرى هو الاقتصادي، وكما تقول ملاك ناصر في مقال لها نشر في مجلة الكـــويت: «لغويا، يأتي التلفزيون أو «التلفاز» كاسم معرب على أنه «مذكـــر»… وأما الشاشة… أو شاشة هذا التلفزيون، فهي مؤنثة… ولعل هذه التفرقة اللغوية داخل الجهاز نفسه، يمكن استعارتها في شأن الانفصام والانفصال الحادث في عــــالم الإعلام المرئي، خاصة بالنسبة إلى المرأة والتعبير عنها… فالتلفزيون مذكر، ليس كجهاز وحسب، بل كأداة يقف خلفها عالم من الرجال، من أصحاب فضائيات، إلى مديرين عموميين، إلى منتجين… هؤلاء الرجال في عالمنا العربي هم القوة المحركة لآلة الإعلام العربي». ان المتحكم اقتصادياً هو بطبيعة الحال صاحب القرار، وعليه وبما أن العجلة الاقتصادية الاعلامية رجالية خالصة، نجد أن المرأة بعيدة تماماً عن مراكز صنع القرار مما يحولها الى مادة اعلامية جاذبة يستخدمها صاحب القرار تجاه ما يدر الاموال على مشروعه الإعلامي.
الكثير من هذا الحديث مكرر وهو بلا شك غير شامل في استعراضه للوضع الإعلامي للمرأة العربية، الا أن ما جذب الانتباه فعلاً هو الحوار الذي دار بعد هذه الأوراق، والذي من خلاله تظهر لنا بعض العقلية العربية التي لا تعرف فكرة الانتصاف، مع بالغ الاحترام لكل ما دار من آراء. فقد تعامل البعض مع جمال المرأة على أنه هو العدو، فيما فرض آخرون (قليلون في الواقع) مفهومهم للحشمة على أنه الطريق «لانقاذ» المرأة اعلامياً. كذلك، انصب الحوار في معظمه على فكرة «التخلص» من الاعلام الرديئ على أنه هو الهدف في النهاية، وهذه الفكرة، في رأيي، هي المشكلة تحديداً. بالطبع، لا يمكن النظر للجمال والاهتمام بالشكل على أنه العدو الرئيسي لعقل المرأة اعلامياً، أي لا يمكن أن نتعامل مع المرأة الجميلة على أنها قليلة ذكاء، ففهي ذلك تنميط ما سعينا الا لانهائه من خلال مثل هذا المؤتمر الثري. كما وأن فكرة محاربة الإعلام «الهابط» وهذا التوصيف بحد ذاته استشكالي من حيث أنه وجهة نظر غير ملزمة للجميع، هي استهلاك للطاقة وتضييع للوقت، فأولاً لا يمكن في يوم للاعلام الهابط (أياً كان مفهومه) أن ينتهي، وثانياً وهو الأهم ليس من مصلحة الإعلام أن ينتهي الهابط منه، فلا يبقى سوى اعلام جيد لن نستطيع تقديره ولا مقارنته بغيره. طبيعة الأشياء تتطلب وجودها وتضاداتها، فليس من الطبيعي ولا من المفيد أن يكون هناك لون واحد من الأشياء. وما مفهوم الحرية الذي أعتقد أنه يحرر الإعلام ويثريه الا راع لكل أنواعه، الجيد والرديئ، الهادف والهابط، وهكذا يجب أن يكون الإعلام وتكون الحياة بتنوعها عموماً.
كان الحوار المؤتمري ثرياً بكل تأكيد، الا أن تطرف بعض الآراء أظهر المشكلة الحقيقية والتي تتجلى في الهوة المتسعة بين العقلية العربية ومفهوم الحرية، هذا المفهوم الذي تكمن عظمته في أنه يفسح المجال للسيئ قبل الحسن. نتعامل أحياناً مع مشاكلنا بمفهوم «يا تطخه يا تكسر مخه» فلا يتبدى لنا أن الحل في الواقع يقع في المنتصف. ستأخذ المرأة مكانها القراري في الإعلام قريباً، ليس عندما ينتهي الإعلام الذي يسلعها وليس عندما تنتهي نظرة الرجل الدونية وليس عندما يرغب المشاهد بذات العقل وليس ذات الجمال، فكل تلك مظاهر ستستمر الى أن نفنى، ولكن عندما تصبح المرأة خلف الشاشة أكثر من عليها، عندما تجلس على كرسي صنع القرار وتبدأ رحلة تغيير الأنماط التقليدية وكسرها في كل الوسائل الإعلامية. يبقى أن أشير الى قوة الأوراق والكلمات المشاركة في المؤتمر، وخصوصاً، وان بدا ذلك تحيزاً، تلك المقدمة من النساء العربيات سواءاً الإعلاميات، الأكاديميات أو القياديات في المجال، فقد تحدثن بهمة وأحسن النقد والتحليل بما يشيع الأمل في النفوس في مستقبل المرأة الإعلامي. وأخيراً أوجه خالص الشكر لملتقى الفجيرة الإعلامي على روعة التنظيم وجميل الضيافة والأهم على نسبة الحرية الحوارية المرتفعة التي اتاحت لنا كشف الكثير من المختبئ واستعراضه بالنقاش والبحث عن الحلول.
– القدس العربي
* كاتبة من الكويت