*أماني عبده
( ثقافات )
والاجتماعية التي حرمت منها في هذه المجتمعات، وكسر قيدها أينما ضربت عليها قيود التخلف والعادات والتقاليد، ضاربين الأمثلة ببلدان غربية مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا وغيرها، وما تقدمه للمرأة من حقوق وحريات، وما لا يعلمه كثيرون منا أن فكرة تفوق الرجل على المرأة وسيطرته عليها بدأت من عند الغرب أنفسهم، فإليك قول فيثاغورث “إن هناك مبدأ خير خلق النظام والنور ألا وهو الرجل، ومبدأ شرير خلق الاضطراب والظلام ألا وهو المرأة”، وقول بلزاك في كتابه ((فسيولوجية المرأة)) موجهاً حديثه إلى الرجال: “لا تأبهوا بأنّات النساء وصرخاتهن وآلامهن فإن الطبيعة نفسها هي التي وضعت المرأة تحت تصرف الرجل”. كذلك ما قاله زرادشت في معرض حديثه عن المرأة: “إن الرجل يجب أن ينشأ للحرب والقتال، أما المرأة فيجب أن تُعد للترويح عن المحاربين، وكل ماعدا ذلك فهو حمق”.
هذا وقد كانت المرأة الشرقية في بلادنا قبل ذلك بكثير تتمتع بحقوقها الإنسانية (التي تتمثل في محاربة وأد البنات والتعيير بهن، وتحريم توريثها، ومنحها حق الذمة المالية) والسياسية (فالمرأة في صدر الإسلام مارست حقها في الانتخاب (البيعة) مثلها مثل الرجل) والاجتماعية (فقد أثبتت نفسها في المجتمع العربي من خلال العلم والأدب والشعر، ومن لا يعرف الخنساء التي شقت كلماتها الصخر، ووصلت للقاصي والداني)، وليس ذلك فحسب، بل ومنحت كذلك ثقة لم تمنح للرجل، وتمثلت تلك الثقة في حفظها وحمايتها لكتاب الله، فقد كانت النسخة الوحيدة من المصحف مودعة لدى حفصة بنت عمر، فأي ثقة وأمانة وتكريم!
ومن جهة أخرى، فإن كلمة “الفضيلة” في معظم اللغات الأوربية المشتقة من اللاتينية اشتقت من كلمة الرجولة، كما إن كلمة الرجل في بعض هذه اللغات قد أصبحت مرادف لكلمة الإنسان. أما المرأة فنجد أنه قد تم إطلاق عليها (الموجود الآخر) أو (الجنس الثاني).
وفي عصور متأخرة، حذا فيها الشرقيون حذو الغرب في كل المسارات، فبدؤوا في تهميش المرأة ابتداء من التسمية، وارتبطت في أذهان بلاد الشرق كلمة المرأة بمسميات كثيرة مثل (الحريم/ الحرمة) (الولايا/ وليّة) إلخ، ونجد في ذلك دلالة على أنها أصبحت دون غيرها. وامتدّ ذلك لاحقاً إلى حرمانها من حقوق مدنية واجتماعية وسياسية تتمثل في منعها من متابعة تعليمها، وحرمانها من مغادرة المنزل لأي ظرف أو سبب، وعدم ممارسة حقها في إدارة مالها الخاص إلا من خلال رجل، أخوها كان أم أبوها أم زوجها؛ ووصل ذلك إلى حدّ التعامل معها على أنها سلعة تباع وتشترى كما كان في عهد الجاهلية، وذلك واضح جداً إذا ما تحدثنا عن زوجها الذي يختاره لها أبوها أو أخوها وفق اعتبارات تخصّهم لا تخصّها، وبغض النظر عن رأيها فيمن سيكون شريك حياتها وأبا أطفالها.
أما اليوم، فنرى المرأة الغربية حاضرة في كافة المجالات الاجتماعية والسياسية والدينية والإنسانية والعلمية وغيرها، تؤدي دورها في بناء وتطوير المجتمع على أكمل وجه إلى جانب الرجل، ولا زالت المرأة الشرقية في الكثير من المجتمعات مهمشة ومضطهدة ومحرومة من أقل حقوقها.
وخلاصة القول: إن الغرب بدؤوا بتفضيل الرجل على المرأة وتبنّي فكرة تفوقه، وصدّروا هذا الفكر للشرق، ثم عملوا على التخلص منه لما أدركوا مغلوطيته، وأنجزوا ذلك بنسبة كبيرة، أما الشرقيون فلا زالوا يعانون في كيفية التخلص من فكرة دونيّة المرأة، رغم أن تكريم المرأة ومنحها حقوقها قد بدأ من عندهم.