رنا إدريس: عالم النشر هو الأقرب إلى المرأة


*باسل العودات

تشهد حركة النشر العربية مشاركة متزايدة للسيدات الناشرات، في خطوة لم تكن مألوفة قبل عقدين، ويرى بعض المراقبين أن دخول السيدات العربيات عالم النشر، أثّر إيجابيا على نوعية وأجواء النشر والتوجهات العامة للكتب العربية الصادرة خلال السنوات الأخيرة، كما أنه أمر يلقى استحسانا من معظم المتابعين والمهتمين بعالم النشر.

لا تخلو معارض الكتب العربية المحلية والدولية من مشاركة العديد من الناشرات صاحبات ومديرات دور النشر من دول عربية مختلفة، أبرزها المشاركة المصرية واللبنانية والسورية، وهو أمر يأمل متابعو الشأن الثقافي أن يزداد بشكل مطرد، ويشيرون في هذا الخصوص إلى أن غالبية أصحاب ومدراء دور النشر الغربية هم من النساء.
المرأة الناشرة
حول ظاهرة إدارة السيدات العربيات لمؤسسات ودور النشر العربية، ومشاركة الناشرات العربيات في معارض الكتب الدولية، تقول رنا إدريس، مديرة دار الآداب اللبنانية لصحيفة “العرب”: «لاشك أن عدد الناشرات العربيات في ازدياد، ففي الثمانينات والتسعينات، لم يكن عددهن على مستوى العالم العربي يتجاوز الاثنين أو الثلاثة».
وتضيف: “أما الآن فهناك العديد من الناشرات، في لبنان ومصر، وحتى في الإمارات، أصبحت هناك سيدات على رأس مؤسسات ثقافية ودور نشر، ونلاحظ أن غالبيتهن من الجيل الثاني، حيث تتابع الناشرة مسيرة والدها، إن كان ناشرا، وهذا هو وضع دار الآداب والنهضة والبستاني، وغيرها من الدور اللبنانية، وهناك ناشرات مؤسسات لدور نشر يزداد عددهن خاصة في مجال نشر كتب الأطفال، وهن يبرعن في هذا المجال، على اعتبار أنهن أمهات قادرات على التعامل مع الطفل أكثر من الرجل».
وتتابع إدريس قولها: «في أوروبا وأميركا، أصبحت غالبية مدراء دور النشر من السيدات، وأصبح هذا العالم هو الأقرب إلى المرأة، نشرا وتسويقا، وحتى أنه يمكننا القول بثقة إن غالبية القراء هم من السيدات، وهن أكثر من الرجال». عن تأثير وجود ناشرة على رأس دار النشر على نوعية الكتب، قالت إدريس التي تدير واحدة من أعرق وأقدم دور النشر العربية، خلفا لوالدها الكاتب المعروف سهيل إدريس، مؤسس اتحاد الكتاب اللبنانيين: «مبدئيا لا نتهم إلا بجودة النص، إن كان لرجل أو لسيدة، ومن جانب آخر فإننا نؤكد على اهتمامنا بمواضيع ومحتويات تنويرية، تتعلق بتحرر المرأة وحقوقها ومشاركتها في الحياة المدنية والسياسية، ولدينا لجنة لدراسة المخطوطات وتقرير سياسة النشر».
سياسات النشر
ونفت إدريس أن تكون السيدات الناشرات من أنصار الابتعاد عن نشر الكتب السياسية، قائلة: «نحن دار نشر تهتم أساسا بالآداب وبالرواية تحديدا، لكنها تؤكد على وجود إصدارات من أنواع معرفية أخرى.
تقول: “لدينا إصدارات سياسية كثيرة، لقد أصدرنا جميع كتب إدوارد سعيد بحقوق حصرية، وللكثير من الكتاب الآخرين أيضا، ولكننا نعتقد أن نشرنا للسياسة في إطار روائي، يجعل من العمل مقروءا أكثر، لأن العرب يفضّلون قراءة الرواية أكثر من التاريخ، ومن الدراسات السياسية والفلسفية”.
وتضيف: “لكن الرواية عمليا يمكنها أن تحتوي كل هذه الأمور، فسحر خليفة مثلا الروائية الفلسطينية الملتزمة، نجد أن رواياتها سياسية بامتياز، إن أخذنا مثلا رواية “أرض وسماء” التي تتحدث عن أضرار الطائفية في العالم العربي، وكيف يمكن أن تدمّرنا، نجدها سياسية صرفة. كذلك الأمر في روايات إلياس خوري، حيث لا يمكن أن نقول إنه لا يوجد لديه همّ سياسي، وفي العموم جميع كتّابنا لديهم التزام سياسي، وهمّهم التوعية بالمواضيع السياسية، وفي إطار الرواية التي هي أسلس للقراءة، ولو بقدر أكبر من التخييل».
عن أهم الكتب ذات البعد السياسي التي نشرتها الدار خلال عامي 2013 و2014، تقول مديرة دار الآداب: «هناك كتابان وصلا إلى القائمة القصيرة لجوائز الرواية العربية “البوكر” وهما “طائر أزرق” ليوسف فاضل، يتحدث فيها عن المعتقل، و”لا سكاكين في هذه المدينة” لخالد خليفة، وهي رواية سياسية أيضا.
وتضيف رنا إدريس قولها:”أعتقد أن أيّ سوري أو عراقي أو لبناني ينشر كتابا في هذه المرحلة من المحتمّ أن يكون له بعد سياسي، فلدى غالبية الكتّاب والمثقفين همّ أول هو تنوير الربيع العربي بالأدب، لنعكس صورة إيجابية أفضل مما يجري في الشارع العربي”.
وأعربت إدريس عن قناعتها بفشل مثالية الربيع العربي، نتيجة ضعف الثقافة في المجتمع، قائلة: «أعتقد أن فشل الثورات حتى الآن كان بسبب عدم وجود ثقافة كافية، ومهمتنا هي أن نشجع على وجود وتطوير الثقافة كسلاح وليس كتسلية، إنها سلاح لمقاومة ما يُفسد الثورات، لدينا إيمان بأن الثقافة مقاومة بهذا المعنى، وبما أنه ليس لدينا نخبة مثقفة، فالثورات مآلها الفشل، وسوريا مثال على ذلك، حيث قام بالثورة مثقفون، لكنهم لم يستطيعوا قيادة هذه الحركة، وحل محلهم جهلاء ومتعصبون، ومن الناحية الثانية أصحاب الحكم، ما يعني أنه من الجهتين لم نصل إلى نتيجة، النخبة تنشأ من ثقافة عالية في مجتمع مدني -لا نملكه-، كالنقابات والمؤسسات المدنية، وهذه كلها تحتاج إلى ثقافة، وهنا دورنا، وهذا سلاحنا، ونسير به وهو ما نعرف عمله».
ويشار إلى أن دار الآداب، بإدارة مؤسسها الراحل وابنته التي تابعت مسيرته، نشرت كتبا لنجيب محفوظ، حنا مينة، جبرا إبراهيم جبرا، إلياس خوري، واسيني الأعرج، سحر خليفة، أحلام مستغانمي، ليلى العثمان، نوال السعداوي، هاني الراهب، فؤاد التكرلي، وإدوار الخرّاط، نزار قباني، أحمد عبدالمعطي حجازي، أمل دنقل، سعدي يوسف، بدر شاكر السيّاب، نازك الملائكة، عبدالوهاب البيّاتي، فدوى طوقان، أدونيس، محمود درويش، سميح القاسم، سعدالله ونّوس، جواد الأسدي، إدوارد سعيد، طه حسين، سمير أمين، جورج طرابيشي، فيصل درّاج وغيرهم من أعلام الأدب العربي والعالمي.
__________
*العرب

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *