*
يعتبر الناقد المصري د . صلاح فضل من أوائل النقاد العرب الذين دشنوا المناهج النقدية الغربية في الدرس الأدبي العربي، وله في ذلك الاتجاه أكثر من كتاب منها “منهج الواقعية في الإبداع العربي”، و”قراءة الصورة وصور القراءة”، و”نبرات الخطاب الشعري”، و”تكوينات نقدية ضد موت المؤلف”، وغيرها من كتب أثرت المكتبة العربية، إضافة إلى عدة كتب مترجمة عن اللغة الإسبانية . هنا حوار مع د . فضل .
وضعت مؤلفات عديدة في نظرية الأدب والنقد، إلى أي حد قارب النقد العربي الحديث الهوية العربية؟
– النظريات الأدبية لا تهدف إلى اكتشاف هويات الشعوب، خصوصاً الثقافية منها، وإنما إلى تكوين أجهزة بحثية دقيقة، تستطيع أن تحلل كل النماذج الإبداعية، من مختلف اللغات، وترصد بدقة علمية متنامية تغيراتها وخصائصها الفكرية والجمالية، وبالتالي فإننا كلما تقدمنا في استيعاب هذه النظريات، كنا أقدر على تصنيع الأجهزة الإجرائية الكفيلة بإدراك إبداعنا وتحليله بطرق بعيدة عن الهوى والتعصب، فالمناهج أدوات علمية، وأفكار الهوية تنطلق من مبادئ الأيديولوجيا، والعلم يخفف من حرارة الأيديولوجيا، ويخضعها للتحليل العلمي والمنطق الدقيق، حتى يقربها من الأفق الإنساني الشامل البعيد عن التعصب المحدود والدعاوى العريضة .
بهذا المعنى هل نعتبر أن النقد العربي مجرد ناقل للتيارات المنهجية النقدية؟
– النقد مشارك في حركة التيارات المنهجية النقدية عن طريق التمثل والاستيعاب، وتركيب منظوماته الخاصة من عناصرها المتجانسة الملائمة لطبيعة تفكيره ومكوناته وثقافته، ثم يعمل كل ذلك في استقرار النصوص الإبداعية والكشف عن جمالياتها، ما يجعله يضيف خبرة ثقافته إلى عصارة الفكر المنهجي العالمي، فالعلاقة إذن بين الناقد العربي في موقفه الكلي الشامل وقضية الهوية، أنه يصححها ويجدد مفهومها ويكتشف مناطق جديدة، والوعي بها يختلف عن تصلب القوى المضادة لروح العصر .
ماذا عن تجربتك الشخصية في هذا الإطار؟
– في تجربتي الشخصية سرعان ما أدركت مثلاً أن القيمة الأساسية التي يمكن أن نعتبرها مكوناً جوهرياً للشخصية العربية في المستقبل القريب، لا بد أن تكون في الحرية والديمقراطية والتفكير العلمي الذي يغلب على لغة العصر، حتى يمكن أن نسهم في بناء مستقبل حقيقي لهذه الأمة يدخلها في التاريخ الذي خرجت منه طيلة العصور الماضية حتى اليوم .
على أي أساس تختار الأعمال الإبداعية موضوع عملك كناقد؟
– أعتمد على جهدي الشخصي المحدود، وأحاول التقاط أعمال الأصوات الشابة الجديدة ومتابعة البارزين في كل جيل، وليس لدينا للأسف نظام محكم يساعد النقاد على أداء رسالتهم، فنحن في الصحف العربية نفتقد أبواب التقويمات الموجودة في الصحف الغربية، التي تصنف الإبداعات الجديدة، بل والأفلام السينمائية والمعارض الفنية، فالحركة النقدية النشطة لا تعتمد على جهد فردي وإنما على جهود المؤسسات والمراكز المساعدة .
هل ظهرت أعمال إبداعية تعبر عما يجري في مصر منذ يناير/كانون الثاني 2011 إلى الآن؟
– الفن عموما سواء كان شعراً أو سرداً، ليست وظيفته التوثيق، فالتوثيق له أدواته العلمية في السينما والتاريخ والتسجيل، ومهمة الفن تخليد الأحداث الكبرى في تاريخ الشعوب، حينما يصل إلى روحها وجوهرها بشكل فني يستحق الخلود، وهذا يتطلب مسافة زمنية من الحدث، ولا بد أن تصدر تلك الأعمال الخالدة من موهبة عظمى، لا من أنصاف المواهب، فهناك أشعار كثيرة كتبت، بعضها التقط إيقاع ما يجري في مصر، لكن لم يتم تقديم الملحمة الكبرى، وكذلك الحال في السرد، فلم تظهر بعد السردية الكبرى المعبرة الحقيقية عن روح مصر، ولا أتوقع مشاهدتها في القريب .
_____
*الخليج