مريم حيدري
غيّب الموت صباح الثلاثاء الماضي الشاعرة الإيرانية سيمين بهبهاني عن عمر يناهز 87 عاما، الشاعرة التي بدأت مسيرتها الشعرية واستمرّت فيها بالدفاع عن الحرية، والعدالة، والوقوف أمام الحواجز الاجتماعية والسياسية، والضغوط التي كان يتعرض لها المواطن، ولا سيما المرأة في المجتمع، فكان لها دور بارز في كثير من الحركات الاجتماعية بإيران، قبل الثورة الإسلامية وبعدها، وحضور فعال في القضايا الاجتماعية والسياسية في السنوات الأخيرة، فأصبحت رمزا من رموز الأدب الملتزم في إيران.
ويمكن اعتبار سيمين بهبهاني من أهم الشعراء الإيرانيين في القصيدة العمودية الفارسية، إذ أبدعت منذ بدايتها الشعرية فيها، وفي أوزانها، حيث استخدمت في قصيدتها كثيرا من الأوزان العروضية، التي لم تكن تستخدم أو قلما استخدمت في القصيدة العمودية الفارسية منذ البداية، والقصيدة العمودية هذه التي تسمى في الأدب الفارسي بالـ”غزل” لقبت سيمين بسيدتها، كما لقبت بـ”نيما الغزل الفارسي”، استنادا إلى إبداعها في هذا القالب الشعري، و”نيما يوشيج” هو رائد الشعر الفارسي الحديث، وهو من حرر الشعر الفارسي الكلاسيكي من إطاره العمودي، وأوزانه التقليدية، كما فعل السياب ونازك الملائكة في الشعر العربي.
صوت الشعب
أدخلت الشاعرة كثيرا من المضامين الاجتماعية في إطار القصيدة العمودية، وهو ما لم يسبق فعله من قبل، وأتقنت ذلك ببراعة وجمال فني وسلاسة شعرية، فأصبح كثير من قصائدها يتردد على ألسن الإيرانيين من هواة الشعر وغيرهم، وتغنى بكلماتها عدة مطربين إيرانيين، لا سيما قصيدتها “سأبنيك ثانية أيها الوطن”، والتي ذكرها الرئيس الأميركي أوباما في خطابه عام 2011، لتهنئته الشعب الإيراني بمناسبة عيد “نوروز”. كما وصفتها صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية بأنها “الشاعرة التي لم تبع قلمها أو روحها”، و”أنها صوت الشعب الإيراني”.
التزمت سيمين منذ بدايتها الشعرية أي في أربعينات القرن المنصرم، بالقضايا السياسية، والقيم الاجتماعية التي كان يتطرق لها الشعراء الملتزمون آنذاك، والتي كانت مليئة بالاستعارات والرموز، وفي العقود الأخيرة أخذت تهتم بقضايا المرأة، والمطالبة بالحرية، والعدالة الاجتماعية، وأصبح شعرها مرآة للأحزان والمآسي التي يتعرض لها شعبها، والتجارب المرة التي يمرّ بها، من طلاب، وكتاب، ونساء حتى الجياع البؤساء، وقد أشاد بها كثير من معاصريها من الشعراء والنقاد، أمثال الأديب علي دهباشي، من أجل اهتمامها واحترامها الكبيرين في الشعر بقضايا الإنسان والكرامة والعدالة.مقاطع من شعر بهبهانيالوطن
سأبنيك ثانية أيها الوطن/ ولو بطين روحي/ وأحكم سقفك بالأوتاد/ وإن كانت عظامي/ فيك سأشم الأزهار ثانية/ وثانية سأغسل عنك الدماء/ بسيل من دموعي الهائلة/ ثانية، وفي يوم أليف/ سوف يرحل الظلام عن البيت/ وسألوّن شعري/ بلون السماء الأزرق/ وإن كنت ميتة بعد مئة عام/ سأنهض من قبري/ لأمزّق قلب الشيطان/ بحشرجتي العالية.
صخرة القبر
أيها الراحل عن القلب، عن الحضن، عن الخاطر/ لا تنظر إلي، فلا أطيق هذه النظرات/ لا تنظر إلي، لأني لا أتذكر إلا مرارة الحزن/ من تلك العينين السوداوين/ أيها الراحل عن القلب، اصدقْ في القول:/ لمَ حملت الليلة كل هذه الذكريات وأتيت؟/ إن أتيت من أجل تلك الحبيبة المشتهاة/ فأنا لست هي، إنها ماتت ولست أنا إلا ظلا لها/ لستُ هي، فقلبي بارد أسود/ وهي، كان الحبّ مشتعلا في قلبها الهائم/ وفي كل مكان، مع الكل، وفي كل الأحوال/ كانت هائمة بك أيها الحبيب القاسي/ أنا لست هي، فعيني هذه باردة وصامتة/ وعينها كانت مليئة بالأحاديث الخفية/ وذلك الحب الحزين في عينها الليلية اللون/ كان أشد سرّا من عتمة الليالي/ لست هي، فهذه شفتي الشاحبة/ لم تتورد بضحكة حبّ منذ زمن طويل/ وكانت شفتاها غارقتين بالضحكات الحية التي/ تغفو كضوء القمر على الزهرة الندية/ لا تنظر إلي، فلا أطيق نظرتك/ وتلك التي تريدها مني، أدركها الموت/ كانت في جسدي ولا أعرف كيف فجأة/ ما حدث لها، وما فعلت، وأين ذهبت، وكيف ماتت/ أنا قبرها، قبرها، وفوق جسدها الدافئ/ ها قد وضعتُ كآبة الكافور، وبرودته/ ميتة هي، وبين صدري، هذا القلب الفارغ من الحب/ صخرة، وضعتها على ذلك القبر.
الدفاع عن المرأة
اشتهرت سيمين بخروجها في المظاهرات المطالبة بحقوق المرأة في إيران، وكلماتها وقصائدها في ما يتعلق بالمرأة وقضاياها، رغم أنها رفضت دائما أن تسمى بـ”شاعرة المرأة”، أو “شاعرة الفيمينة”. وفي الواقع، رغم حضورها البارز في الحركات الاجتماعية والسياسية، لم ترغب الشاعرة في الانتساب يوما إلى أي حزب أو مجموعة، ولم تشأ إلا قول الحقيقة، وما يعاني منه شعبها من آلام، وأحزان، وما يخالجه من أمنيات وتطلعات. لذلك كانت قصيدتها انعكاسا شفافا لكثير من المراحل التاريخية في إيران، والتي لم تكن حياتها يوما بمعزل عنها.
أما كل تلك النشاطات الاجتماعية والسياسية، والنضال المتواصل، فلم يمنعاها من أن تكتب عن الحبّ والحضن والقبلة، فقد كتبت كثيرا من القصائد في الحب والغزل، وتحوّل كثير منها إلى أغان معروفة، فقد غنى لها المطربون الإيرانيون قبل الثورة الإسلامية وبعدها، أمثال محمد رضا شجريان، وإلهه، وداريوش، وعارف، ومرضية، وهمايون شجريان وغيرهم.
ولدت سيمين خليلي والتي عرفت في ما بعد بسيمين بهبهاني عام 1927 في طهران، في عائلة ذات اهتمام واسع بالأدب والثقافة، فقد كان أبوها، عباس خليلي (1893-1971)، شاعرا وكاتبا ومديرا لجريدة “الأقلام” الإيرانية، وكانت أمها تتقن العربية والفرنسية إلى جانب اللغة الفارسية، وعضوا في “لجنة النساء المحبات للوطن” آنذاك، كما اشتغلت رئيسة تحرير جريدة “آينده إيران” (مستقبل إيران) لفترة من الزمن.
أما سيمين فتزوجت عام 1946 من حسن بهبهاني، وعرفت بعد ذلك بلقب زوجها. اشتغلت مدرسة منذ عام 1952 وبقيت في المهنة ذاتها حتى عام 1981. التحقت سيمين عام 1958 بكلية القانون، ثم انفصلت عن حسن بهبهاني عام 1960، وتزوجت في نفس العام من منوتشهر كوشيار، والذي كان زميلا لها في الجامعة.
انضمت الشاعرة إلى لجنة الشعر والموسيقى عام 1969، وكانت تديرها إلى جانب شعراء كبار مثل هوشنك ابتهاج، ويدالله رويايي، وبيجن جلالي، وفريدون مشيري. ثم انضمت عام 1979 إلى نقابة الكتاب الإيرانيين. كما أنها كانت لفترة عضوا في المركز الموسيقي التابع للإذاعة والتلفزيون، قبل الثورة الإسلامية في إيران.
مكانة مرموقة
حصلت سيمين بهبهاني على مكانة أدبية وثقافية كبيرة سواء في إيران أو على الصعيد الدولي، وقد حازت على جوائز تقديرية كثيرة وطنية ودولية، حيث أهدتها المنظمة العالمية لحقوق الإنسان في برلين عام 1999، ميدالية “كارل فون أوسي يتسكي”. وفي العام نفسه نالت جائزة “ليليان هيلمن/ داشيل هاميت” من قبل منظمة مراقبة حقوق الإنسان، وأهدتها جامعة ستانفورد جائزة الأدب والحرية.
أما منتدى القلم المجري، فقد أهداها عام 2013 جائزة يانوش بانونيوش، بحضورها رفقة مترجمتها إلى اللغة الأنكليزية، فرزانه ميلاني.
أصدرت الشاعرة الإيرانية الراحلة سيمين بهبهاني خلال حياتها ما يربو على 15 ديوانا شعريا، إلى جانب كتابين يضمان قصصا قصيرة لها، كما ترجمت مختارات للشعر الفرنسي تحت عنوان “شعراء فرنسا المعاصرون”.
من دواوينها نذكر “أثر القدم” و“المرمر” و“الغجرية، والرسالة، والحب” و“ماذا اشتريت بقلبي؟”، و”نافذة نحو الحرية”.
قصيدتها الشهيرة، “الوطن”، والتي كتبتها عام 1979، وغناها المطرب “داريوش”، هي أشهر قصائد الشاعرة، وبات الإيرانيون يرددونها منذ ذلك العام حتى اليوم في كثير من المراحل السياسية التي مرت بها البلاد، ومازالت تبعث في قلوبهم الحماس، والكبرياء.
– العرب ( لندن )