آندريه ماندرياج.. صورة الفنان أرستقراطياً!


* *حسونة المصباحي

في عام 2009 احتفلت فرنسا بمرور 100 عام على ميلاد الكاتب والشاعر أندريه بيار ماندرياج، الذي ترك آثارا في غاية الأهميّة غير أنه لم يحظ بالشهرة التي كان يستحقّها عن جدارة إلاّ عقب وفاته بسنوات طويلة.

وقد ظلّت كتاباته في جميع المجالات التي طرقها شبه مجهولة.
وكان قراؤه من النخبة العالية الثقافة.
وخلال السنوات الأخيرة شرع بعض الجامعيين الأمريكيين يبدون اهتماما بأعماله، وعنها كتبوا دراسات متميّزة.
وهذا دليل على أنه أخذ يخرج من الحلقة الضيّقة التي كان محبوسا فيها.
وفي الحقيقة كان ماندرياج كاتبا صعبا، وغامض الأسلوب حتى أن البعض نعتوه بـ»السوريالي».
غير أنه لم ينتسب الى الحركة السوريالية رغم التقدير الكبير الذي كان يكنه لزعيمها أندريه بروتون.
كما أنه رفض الانتساب إلى أيّ من التيّارات والمدارس الأدبية والفكرية والفنية التي كانت شائعة في عصره.
وكان ينفر من الوجودية، ويعتبرها «تيّارا عبثيّا».
ولم يكن ماندرياج شاعرا وقصاصا فقط، بل كان أيضا عاشقا للفنون بجميع أصنافها.
وكان يمتلك معرفة واسعة بتاريخها.
ولأنه كان ثريّا فإنه اقتنى العديد من اللوحات والمنحوتات التي لها تعابير ايروتيكية.
وكان نخبويّا في تفكيره معتبرا أن الثقافة الحقيقية هي من شأن الخاصّة.
لذلك صرح عام 1975 قائلا: «ليس من المزعج في شيء أن تكون هناك فضاءات ممنوعة على الثرثارين، والأشخاص الفظّين والسطحيين».
وينتسب ماندرياج الى عائلة ثريّة مثقفة.
وكان جده بول بيرار مهتما بالفن.
وكان صديقا للفنانين الكبار من أمثال بول رينورا، وموني.
وبسبب هشاشة بنيته، وإصابته بتأتأة في كلامه، أعفي ماندرياج من الخدمة العسكرية.
وفي سنوات مراهقته وشبابه، انصرف الى المطالعة انصرافا يكاد يكون كليّا.
وقد قرأ مؤلفات بيار لوتي المستوحاة من الحياة الشرقية، ومؤلفات جيل فارن، وبول ايفوا.
بعدها اهتمّ بالحركات الطلائعية، وتعلم اللغة الايطالية بسبب زياراته المتكررة الى بلاد دانتي وميخائيل أنجلو، وليوباردي.
وقد وفّر له الإرث العائلي القدرة على العيش من دون عمل.
وكان يحب ارتياد الكباريهات الفخمة، والمقاهي الأنيقة في العاصمة الفرنسية.
وعندما اندلعت الحرب الكونية الثانية، انتقل للعيش في موناكو حيث الأثرياء، وبقايا الأرستقراطية الفرنسية.
وعندئذ شرع في الكتابة بشكل جديّ.
وجاءت كتاباته عاكسة لأهوائه، وليس فيها ما يدلّ على أنه كان مهتما بما يحدث في بلاده، أو في العالم من حروب وفواجع.
وفي مؤلفاته الأولى، بدا ماندرياج متأثرا الى حدّ كبير بالرواية الغوطيّة، وبالسوريالية، وبمؤلفات الماركيز دو ساد الخليعة.
وفي عام 1953، أصدر ماندرياج كتابا خليعا حمل عنوان «الانجليزي الموصوف داخل قصر مغلق».
غير أن هذا الكتاب لم يثر فضائح مثلما هو حال كتب خليعة أخرى.
وقد تأثر السينمائي والكاتب الايطالي بيار باولو بازوليني بهذا الكتاب خصوصا عندما أنجز فيلمه «سالو».
وفي عام 1960، حصل ماندرياج على جائزة «جونكور» لروايته «الدرّاجة النّاريّة والحافّة»، وفيها طرح قضيّة السرعة والرغبة في الموت من خلال الهوس بالدراجة النارية.
وقد تزوج ماندرياج من رسامة إيطالية، وعنها كتب واحدا من أجمل نصوصه التي يستوي فيها النثر مع الشعر.
________
*الاتحاد الثقافي

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *