*أحمد كناني
( ثقافات )
لست حزبياً ولكنني بالضرورة ممن يحترم الأحزاب وممن يظن بها خيراً ويرى ضرورة وجودها وتوفير مساحات أعلى من الحرية لها ، فهي الكفيلة بتطوير الدولة ومؤسساتها المدنية إن هي عملت بحرية منضبطة تحت مظلة الدستور . لست حزبياً وأفتخر كوني ممن تبع فكرةً فأثمرت في الوقت الذي تساقط فيه البعض وقادوا أفكاراً حزبية راقية وامتطوها إلى كهوف الشخصنة والفردية فسقطت وسقطت أحزابهم .
لست حزبياً ولكنني أشعر بالحزن حين أرى روحي الحرّة غير الأمّارة بالحزبيّة أكثر تمسكاً وإيماناً بالتقاليد الحزبية من الكثيرين ممن انضووا تحت لواء أحزاب تقدمية تؤمن تنظيراً بالحرية وقبول الرأي الآخر ولكن أعضاءها أكثر تخلفاً من بعض من يسمونهم “الحرس القديم أحادي النظرة ” وما هم بأفضل منهم حالاً .
أنا مع حرية الأحزاب في التعبير عن فلسفتها وفكرها بالطريقة التي تراها ولكنني دوماً أرى أحزاباً ولا أرى حزبيّين يروقون لي ، أتذكر الآن وخلال دراستي الجامعية في أواخر الثمانينيات – وهي الفترة المضيئة سياسياً في الجامعات أثناء إصرار كثير من القوى على تأسيس اتحاد عام لطلبة الجامعات الأردنية – أن بعض الأحزاب قد تداعت لاستقطابي كوني شاعراً ومن الممكن استخدام قلمي لخدمة أحزابهم ، ومن تلك الأحزاب الحزب العربي الديمقراطي الذي حضرتُ بعض جلساته ونشاطاته من خلال صديق لي كان يشغل في الحزب حينها منصب مدير تنظيم منطقة عمان ، وكان جنوبيّ الجهة والقلب نقيّاً طيّباً ، كثيراً ما كان يشكو لي انضواء الكثيرين من الجنوبيّين الرائعين وأغلبهم أصدقاء مشتركين بيني وبينه إلى الحزب لأنه حزب “محمد الداودية ” ن كم كان يتمنى أن يتبعوا الفكرة ، كان يقول أنّ الكثيرين منهم لا يحفظوا اسم الحزب وأنهم جاءوه محبة للداودية ، وكان يخشى من مصير هؤلاء بل ومصير الحزب ذاته ، قبل أن يتركه آسفاً فيما بعد .
لم يرق لي كثيراً مما رأيت وسمعت من رموز الحزب آنذاك عدا المبدع مؤنس الرزاز رحمه الله الذي كان مؤمناً بما يقول وكان لسانه مساوياً فعله ، وقد سألني مؤنس فبما بعد عن سبب تأخري كثيراً في الانضمام إلى الحزب فأخبرته أن كثيراً من رموز الحزب لا يؤمنون بالحرية سوى أثناء حضوره، وأنهم لا يقيمون حواراً مع الشباب سوى بلهجة متعالية فوقية ، وأنني أعتذر ولن أنتمي للحزب خوفاً على الشاعر الحر الذي في داخلي فضحك رحمه الله وقال لي : لو أن الأحزاب ومنها حزبنا تقوم بدورها الاجتماعي والتنويري في هذه البلاد لكان خيراً لنا من انشغالنا بالسياسة ، وعقّب : إن استقام المجتمع وزاد ثقافةً استقامت السياسة بالضرورة . بعدها بأشهر كان كوخ القصص التابع للحزب العربي الديمقراطي ينفذ فكرة مؤنس الرزاز ويوزع القصص والماء والسندويشات معاً على أطفال الأغوار
أنا مع الحزبية المثقفة المنضبطة التي تقدّم الثقافي والروحيّ على الجدل والتنظير ، معها إن هي لم تنسَ حاضنها الاجتماعي والأخلاقيّ ولكنني لست مع انسلاخها عن جذورها ونسيجها الأخلاقي كي لا نقول فيما بعد: نسمع أحزاباً كالأبواق ونقرأ أفكاراً تقدمية على الورق ولكننا نتعامل مع حزبيّين على الأرض هم أقلّ حجماً وجمالاً مما كنا نعتقد .
أيها الحزبيون : اتبعوا فكرة ولا تكونوا بوقاً لأحد ولا تقطعوا فكرة مثمرة .