*زاهي وهبي
كشف العدوان الاسرائيلي على غزة مدى اتساع خطاب الكراهية والعنصرية ووقاحة المجاهرين به شرقاً وغرباً، ولئن كانت مواقف وكتابات بعض العرب بلغت حد «التضامن» مع العدو في حربه المجرمة على الشعب الفلسطيني، في ظاهرة جديدة وغير مسبوقة تستدعي الى جانب الرفض والادانة البحث عميقاً في أسبابها، وكيف استطاع الخطاب المعادي لفلسطين وقضيتها العادلة النبيلة استقطاب جزء من الرأي العام بعضه مدرك ماذا يقول ويفعل وأغلبه قاصر ومُضلّل، بفعل ضخّ اعلامي كبير يُعلّق الأخطاء كلها على مشجب القضية الفلسطينية بغير وجه حق.
صحيح أن الميديا الحديثة المتمثلة بوسائل التواصل الاجتماعي كسرت الحظر المفروض من الاعلام التقليدي على حقيقة ما يجري في فلسطين، ونجحت الى حد ما في كشف المستور وفضح الإرهاب الصهيوني ناقلةً صور الجرائم الاسرائيلية المتمادية الى أنحاء الدنيا، وصحيح أيضاً أن جزءاً لا يُستهان به من الرأي العام العالمي بات مدركاً للواقع، وعبّر عن ادراكه ومعرفته بالتظاهرات والاعتصامات الكثيرة التي شهدتها عواصم ومدن غربية عديدة تضامناً مع أبناء فلسطين، لكن في المقابل لا يزال هناك مَن يجهل أو يتجاهل هذا الواقع متفوهاً بخطاب بالغ التطرف والعنصرية مثير للقرف والاشمئزاز بمقدار اثارته للرفض والاستهجان.
ربما لا نستطيع إلقاء اللوم على مَن يجهل حقيقة ما يجري، أما الذي يتجاهل أو يحرّف الحقائق فهو معنيّ أكثر من سواه، ليس فقط باللوم والشجب والاستنكار فهذه أدوات من الماضي لم تعد كافية أو مجدية، اذ المطلوب فضح تلك الأصوات العنصرية وتعريتها، ومحاولة تنوير الرأي العام. ومتى ساهمنا في ايصال الصورة كما هي نقدر ساعتها على توضيح الرؤية لمن يجهل وسحب البساط من تحت أقدام مَن يتجاهل، خصوصاً أن الميديا الحديثة قادرة على اتاحة الفرصة لكل انسان مؤمن بعدالة قضيته أن يساهم ولو بمثقال كلمة في فضح العدوانية الاسرائيلية أمام رأي عام بات أكثر مقدرة من ذي قبل على التأثير في صنّاع القرار ولو كانت المصالح والمطامع هي المحرك الحقيقي لكل ما يدور على كوكب مثقل بأوجاع بنيه. من المفيد هنا التنبيه الى ضرورة أنسنة قضايانا ومنها التعامل مع الشهداء والجرحى والأسرى والعائلات المنكوبة بوصفهم بشراً لهم أسماء وعناوين وحكايات ينبغي أن نرويها للعالم لنخرجهم من دوائر ومفاهيم تجعلهم مجرد أرقام في نشرات الأخبار وعناوين الصحف.
أسماء كثيرة في العالم جميلة ونبيلة ساهمت في نقل صوت الوجع الفلسطيني وصورته، ومدنٌ كثيرة توشحت بعلم فلسطين انتصاراً لحقها المشروع في الحرية والاستقلال، لكن أصواتاً أخرى كانت المثال الأقبح للعنصرية والتشفي من الأبرياء والأطفال الذين يشكلون على الدوام أهدافاً «مغرية» لاحتلال عاجز عن مواجهة المقاومة في الميدان، مستعيض عن جبن جنوده وانهزامهم بقتل المدنيين وفي ذهنه تأليب الناس ضد المقاومة لتحميلها مسؤولية ما يجري، علماً أن أصل الداء كامن في وجود الاحتلال نفسه وفي عدوانه اليومي عبر الحصار والتضييق والتنكيل جاعلاً حياة الفلسطينيين جحيماً لا يُطاق.
حين نسمع إعلامية أميركية بلغت من العمر عتياً مثل جون ريفر تقول إن الفلسطينيين «أغبياء» و «يستحقون الموت»، أو حين يغرّد فرنسيّ يدعى جاك رينو معلقاً على أشلاء طفل فلسطيني «أعتقد انه لحم حلال»، أو حين يتفاخر قناص اسرائيلي مجرم بقتله ثلاثة عشر طفلاً فلسطينياً، ندرك مستوى الانحطاط الانساني والاخلاقي الذي بلغه هؤلاء وأمثالهم، لكن الأخطر يظل في المستوى الذي وصله خطاب الكراهية والعنصرية ليس فقط في منطقتنا بل في العالم أجمع. وبمزيد من الأسى واللوعة ندرك أيضاً مقدار حاجتنا الى خطاب تنويري على المستويات كافة يُعلي شأن الانسان الفرد وينحاز الى حقه في الحرية والعدالة، ومن خلاله حق الشعوب أجمع، وفي مقدمها الشعب الفلسطيني، الذي لا يسقط بمرور الوقت وتقادم الأيام.
________
*الحياة