“دراجنوف ” دراما ليبية بطعم الثورة


منصور بوشناف

بدأت مسيرة الدراما التلفزيونية الليبية مبكراً عام 1968 مع بداية بث التلفزيون الليبي، فأنتجت أعمالاً ما زال كثر من أبناء تلك المرحلة يذكرونها مثــل مسلسلات «منزل للبيع» و«بائعة الخـــبز» و«فندق البخلاء». وسرعان ما شهــــدت الدرما الليبية نقلة في سبعينات وثمانينات القرن العشرين عبــــر الإنتاج المشترك مع بعض الدول العربية مثل مصر والأردن ولبنان وسورية وتونس، لتدخل بعد ذلك في ركود كبير، إذ اكتفى الليبيون بإنتاجات شهر رمضان من خلال بعض الأعمال الخفيفة، مفرّطين في كل الخبرة التي اكتسبوها في هذا المجال.

ومع بدايات هذا القرن ظهر جيل جديد راح يخوض تجربة العمل التلفزيوني على رغم عراقيل الإنتاج والرقابة، وبرز من هؤلاء مخرجون وكتاب مثل عبدالباسط بوقندة ومؤيد الزابطية وسراج هويدي وأسامة رزق وخالد الشيخي.

وكان لارتبط سراج هويدي ككاتب سيناريو بالمخرج مؤيد الزابطية، ثماره، إذ قدما معاً سلسلة «ليبيات» التي تعد من الأعمال الليبية المتميزة التي عبّرت عن رؤى جيل جديد ومختلف.

وبعد «ثورة فبراير» قدّم سراج هويدي والمخرج أسامة رزق تجربتين مهمتين هما «فوبيا» الذي عرض العام الماضي و«دراجنوف» الذي عرضته أربع قنوات ليبية، وهو مسلسل من 15 حلقة يسلط الضوء على «ثورة فبراير» في طرابلس عبر عائلتين هما: عائلة «الكاسح» وهي أسرة قريبة من نظام القذافي وركن من أركانه، وعائلة متوسطة الحال فقدت والدها في مذبحة «بوسليم». وعلى رغم هذا التناقض ترتبط العائلتان بعلاقة تبدو غريبة لكنها مألوفة وغير مستغربة في المجتمع الليبي المترابط، فابنة «شهيد بوسليم» تقع في حب ابن «الكاسح» وهو صاحب «دراجنوف»، بندقية القنـــص الروسية، وأمهر مستخدميها. ويرتبط بها لتجعله هذه العلاقة سنداً لثوار طرابلس فيسعى للإفراج عن شقيقها وهو من ثوار طرابلس المعتقلين، ويفرج شقيقه الآخر عن رفيقه المعتقل ايضاً، ثم يخوض ابن «الكاسح» مـــعركة ليـــحرر حبيبته نفسها بعــد اعتقالها من كتائب شقيقة القائد العسكري في كتائب القذافي.

على هذا النحو تتشابك العلاقات وتتناقض وتتداخل كما تتشابك تماماً داخل المجتمع الليبي، كما لو ان المسلسل يريد ان يقول اننا رغم كل شيء نبقى عائلة واحدة، خصوصاً ان العائلتين تتشاركان اليتم. فعائلة «الكاسح» فقدت والدها الضابط الكبير في جيش القذافي في انفجار مخزن ذخيرة قبل الثورة بكثير، رغم ان ابنه الأكبر الذي حل محله في قيادة الكتائب يراه حياً ويطبق اوامره، لاسيما انه يظهر له كطيف، مثل والد هاملت في مسرحية شكسبير. اما والد الثائر وشقيقته فماتا في مذبحة بوسليم، وعلى هذا النحو المركز يشير المسلسل الى موت مرجعية الطرفين وفقدان الأبوة.

باختصار يقدم «دراجنوف» ألم الليبيين وعدم القدرة على الفرز والتمييز التي اعقبت الثورة، فوزراء القذافي منشقون وثوار ويحركون المليشيات، والثوار يضيعون في متاهات المال والسلطة ورغبة الانتقام. أما المواطن فيعاني من الخوف وانفلات الأمن.

واللافــت في مسلسل «دراجنوف» أنه نــفذ بلغة اقرب الى السينما منها الى لغة التلفزيون وهذه ظاهرة استهوت كثراً من المخرجين العرب ويعتبر مخرج «دراجنوف» اسامة رزق من هؤلاء، ذلك ان تقطيع المشاهد وزوايا اللقطات والإضاءة والموسيقى كلها عناصر أقرب للسينما منها للتلفزيون، كذلك الحوار المركز والمتوتر بدا حواراً سينمائياً، وهي مهمة صعبة ومغامرة ليست سهلة استطاع المخرج والطاقم الفني خوضها باتقان.

وبرز فـــي هذا العمل ممثلون ليبيون، استطــاعوا تقديم أدوارهم بمهنية مثل مهند كلاش وواصف الخويلدي ومحمد عثمان ونادر اللولبي وأسامة الباهي، فيما شكلت اللهجة الليبية نقطة ضعف في اداء الممثلات التونسيات اللواتي استعان بهن المخرج.

– الحياة

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *