* مريم مشتاوي
تطرح ناهد بدوية في كتابها «الخروج من العزلة» الفلسفة النقدية النسوية من جميع جوانبها.
وتقسم كتابها بشكل أكاديمي ناجح إلى عدة وحدات تعطي القارئ فكرة شاملة عن فلسفة الحركات النسوية، مستعرضة المراحل التي مرت بها من المرحلة الأولى إلى الثالثة. وهي تنتقل بسلاسة من مرحلة إلى أخرى، مستعرضة كلا منها بدقة، متناولة أغلب المعلومات والمصادر المتعلقة بها لتنقل لنا صرخة المرأة، المتكررة في المرحلتين الأولى والثانية، في وجه الرجل: «أنا مثلك لماذا تضطهدني؟»، فيما كانت صرخة امرأة النسوية الثالثة «أنا مختلفة عنك ولكني لست أقل منك، ولا أكثر منك، لماذا تضطهدني؟».
تطرقت الباحثة في البدء إلى «الفلسفة النسوية والإبستمولوجيا»، و«الفلسفة النسوية والعلم»، «والفلسفة النسوية والأخلاق»، ثم «النظرية النقدية النسوية»، و«النسوية الليبرالية»، «والنسوية الاشتراكية الماركسية»، إضافة إلى «النسوية الوجودية»، و«النسوية الراديكالية» «ونسوية ما بعد الحداثة» و«النسوية الإيكولوجية البيئية»، وكذلك تناولت «نضال المثليات» و«حركة النسويات السوداوات»، «والنسوية المتعددة الثقافات»، وكذلك «النسوية المعتمدة على التحليل النفسي»، وأخيرا «النسوية التطورية والرجال النسويون».
تقول في مقدمتها: «ما حاولت تقديمه في هذا الكتاب بصورة رئيسة هو التعريف بالنسوية الثالثة والنظرية النسوية الحديثة، ثم رصد تاريخ تطور الأفكار النسوية. والأفكار النسوية بالتعريف هي الأفكار التي تبحث في المشكلة التي تتعلق، كما ذكرنا، بأقوى هرم سلطة في التاريخ، وأكثرها مقاومة تأبيا على التغيير، ألا وهو الهرم الجنساني (أي تسيد الرجل على المرأة وتهميشها).
غطت ناهد بدوية معظم آراء المفكرين الأجانب الذين درسوا هذه الموضوعات، وناضلوا لأجلها، أما بالنسبة للنساء الرائدات العرب، فاكتفت بذكر نوال السعداوي الناقدة والكاتبة المصرية التي دافعت عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة بشكل خاص. وكنا نتمنى لو أنها أشارت إلى جهود بعض المناضلات الرائدات في هذه الحركة النسوية، أمثال المغربية فاطمة المرنيسي الكاتبة المعاصرة التي ناضلت من أجل المساواة وحقوق المرأة، وكتبت أبحاثا كثيرة عن المرأة والمجتمع العربي، وحصلت على جائزة أمير أستورياس للأدب.
ومن جهة أخرى، الرائدة هدى الشعراوي التي أسست «الاتحاد النسائي المصري»، وشغلت منصب رئاسته حتى عام 1947. لتصبح فيما بعد رئيسة «الاتحاد النسائي العربي».
أكثر ما يلفت انتباهنا في كتاب ناهد بدوية «الخروج من العزلة» أنها اكتفت بجمع المصادر وتوثيقها دون تحليلها أو إعطاء اقتراحات أو طرح حلول أو إلقاء الضوء على طرق قد تساعد المرأة في التخلص من عزلتها، والتحرر من تلك الزنزانة التي تتعذب داخلها، بسبب العقلية السائدة والمسيطرة على المجتمع. ومن البديهي أن نظرة الشعوب إلى المرأة قد تغيرت عبر التاريخ؛ ففي المجتمعات البدائية الأولى كانت المرأة الأم تحظى بالسلطة العليا. ومع نمو المجتمع البرجوازي، ثم انتقاله إلى مرحلة الرأسمالية، أصبحت السلطة كاملة في يد الرجل.
لكن المرأة في أوروبا، بفضل نضال الحركات النسائية الطويلة، حصلت اليوم على كثير من حقوقها، كما فرضت الأنظمة العلمانية الديمقراطية المعاملة المتساوية بين الجنسين، خالقة بذلك إمكانيات التطور المتكافئ. ولكن يبقى السؤال الموجع متى تتحرر المرأة العربية ومتى تحصل على حقوقها كفرد لا يقل شأنا عن الرجل في مجتمعاتنا؟ للأسف، لم تناقش ناهد عدوية التأثيرات التاريخية والاجتماعية والثقافية التي على وضعية المرأة في العالم العربي، ولم تتطرق أيضا إلى تصورات كثير من قطاعات المجتمع وقسم من رجال الدين، البعيدة عن جوهر الدين وتعاليمه حول مكانة المرأة.. هذه التصورات التي كرست النظرة الدونية للمرأة، والتي انعكست في أمثال ومقولات اتخذت لبوس الحقائق الخالدة التي لا تقبل المراجعة.
والمسألة الثانية، إن الكتاب، الصادر حديثا، جاء متأخرا جدا، بعد شبه موت الحركة النسوية في أوروبا وحصول النساء على حقوقهن إلى حد بعيد.. كان ليحظى باهتمام أكبر لو أنه صدر أثناء المعارك الفكرية النسوية… ولكنه يبقى توثيقا لأحداث وحركات ظهرت في الماضي، ويمكن عده تاريخا للنظريات، ولكل ما يتعلق بالنسوية.
وأخيرا، هل ستساعد الثورات العربية المرأة في الخروج من عزلتها، تغيير واقعها ومجتمعها «لأن عصرنا الراهن عصر التعلم والعلم والاتصالات الرائع سوف يعطي الأطراف الراغبة بالتغيير قوة إضافية عالية القدرة، وسوف تنجح في مبتغاها»، كما تتساءل ناهد بدوية؟
_______
*الشرق الأوسط