د.فيصل غرايبة*
منذ أن هجر الإنسان تلك العيشة الفطرية البدائية غير المنظمة التي كانت تأخذ نمط حياته.. وهو يبحث عن إطار يحكم سلوكه وتصرفاته، ويتطلع إلى كيان ينتمي إليه،ويستظل بظله،ويتوصل لمصادر تلبي له احتياجاته ورغباته.
فكان له أن اهتدى، وبدرجات متفاوتة وبأوقات متعاقبة من حياة البشرية، إلى التشريع كإطار يحكم السلوك والتصرفات، لا بل ويحفظ الحقوق ويردها إلى أصحابها، ويحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ويفصل بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة. مثلما اهتدى إلى الدولة ككيان يعتز بالانتماء إليه ماديا بالبعد الجغرافي ومعنويا بالبعد الثقافي، وتشكل سلطاتها المظلة التي تكفل له حرية الانتقال والعمل والكلمة والتفكير. و بنى مؤسسات ومنشآت تشكل معينا لسد احتياجاته الأساسية أولا والثانوية ثانيا، وتلبي رغباته بشكل لا يشعر فيه بالحرمان ولا يمارس به الطغيان .ثقافة
لقد أحس الإنسان، وهو مدني بطبعه، حسب مقولة”أرسطو”، أنه لا بد له من أن يشارك أخاه الإنسان، لكي يتحقق له ما أراد من أطر و كيانات ومؤسسات، وأنه لن يصل إلى مبتغاه فيها، إلا في منظومة من التعاون والتآزر والفعل الجماعي، حيث لا يمكن أن يبقى معزولا عن الآخرين، أو مجافيا لمن حوله أو معاديا لسواه، ينتزع ما يريد بحرمان الآخر أو بمنعه من ممارسة حقه في إشباع حاجاته.
وكان للإنسان ما أراد، ولم يكن له أن يحقق ما يريد ، إلا بالتخلي عن أنانيته وبالتقليل من شهواته، واستبدالها بشيء من الشعور الجمعي، وبكثير من الإدراك لمصلحة الجماعة، والتي لا تأمن فيها السفينة التي يركبها الجميع،إلا إذا حافظ هذا الجميع على سلامة المركبة وصحة المسار الذي تتجه فيه .
على هذا النحو اهتدى الإنسان إلى فكرة العمل الجماعي المؤسسي من أجل اغتناء حياته، وآمن بالحياة الجمعية التي أكدتها التعاليم السماوية وأثبتتها التجربة الدنيوية، ليتعاونوا على البروالتقوى وليتعارفوا شعوبا وقبائل من منطلق الأخوة الإنسانية .
ومن هنا انبثقت فكرة التشارك والتعاقد والاتفاق، التي يتنازل فيها الفرد، أو يتخلى عن بعض ما يحلو له أن يمتلك أو يسيطر أو يتحقق لصالح المجموع، ليتقى من نفسه ولنفسه شرور الكيد والأنانية والتنابذ وللرقى بمستوى الحياة، وبعيدا عن البؤس والعوز، بالانتقال إلى حياة منظمة أفضل، وفق صيغة التعاقد، التي أوصلته إلى حالة الجماعة المنظمة.
نموذج الدولة الحديثة:
استمر الإنسان يطور ذاته ويطور مجتمعه، حتى وصل إلى ما يعرف الآن بالدولة الحديثة.. التي لم تكن ظاهرة طارئة مفاجئة منقطعة الأسباب والنشوء،وإنما كانت ثمرة لتجارب المجتمعات الإنسانية وسعيها الدؤوب المستمر لتطوير نفسها، من أجل إسعاد أبنائها، من خلال زيادة كفاءتها الأدائية عن طريق التنظيم، ودرجتها الاشباعية عن طريق الموارد.
فلقد كانت فكرة الدولة الحديثة الإطار الذي نادى عصر التنوير الأوروبي، بتبنيه كبديل للإطار الكنسي الاستبدادي المتحالف مع الإقطاع. مثلما كانت هذه الفكرة نفسها ، الإطار الذي نادى المجددون العرب لتنبيه كبديل للاحتلال الأجنبي والاستعمار الغربي، ومما خلفه من حالة تخلف وانشطار داخل الوطن العربي.وما تبعها من حالة الارتهان والالتهاء،بتحصيل أكبر ما يمكن من مكاسب شخصية ضيقة، على حساب المصالح الوطنية الواسعة .
قد يبدو الانتقال إلى الحديث عن هذه المرحلة من حياة الشعوب الغربية والعربية، قفزا فوق المراحل للتجربة الإنسانية في تأطير المجتمع وبنائه، ولكن طبيعة الصيغة الجديدة التي يتناول فيها هذا المقال فكرة التعاقد الاجتماعي تقتضي الإسراع في إلقاء الضوء إلقاء متزامنا على جهدين متزامنين قام بهما مفكرون اجتماعيون حول فكرة التعاقد ذاتها، وصولا إلى بناء الدولة الحديثة إياها، في الوقت الذي استفاد منه المفكرون العرب من طروحات فكر التنوير الغربي .
لا بد لكل من يتحدث عن فكرة التعاقد الاجتماعي كنموذج لبناء الدولة الحديثة أن يبدأ بالحديث عن ذاك العقد الاجتماعي الذي وضعه”جان جاك روسو”عند بداية تفجر الثورة الفرنسية، فجدد مفاهيم حديثة للحكم والقانون والتشريع والإرادة العامة والحرية والمساواة والعدالة والديمقراطية، حيث يتساوى جميع المواطنين الأعضاء في العقد تحت قبة الدولة، على أساس أنه ما يجب أن يصنعه الجميع يمكن الجميع أن يأمر به، ولكن ليس لأحد في أن يطالب بأن يصنع ما لا يصنعه بنفسه.
لذلك لم يفصل”روسو”السيادة عن الإدارة العامة، إذ أن العقد الاجتماعي يمنح الدولة السلطة على أعضائها، في حين توجهها-أي السلطة- الإدارة العامة،وبذلك تكون الإدارة العامة هي الخير العام، الذي يمثل المصلحة العامة للمجتمع، فالإدارة إما أن تكون عامة فتكون إدارة الشعب برمته، وتعبر بالتالي عن السيادة فتفعل فعل القانون، أو أن تكون إرادة شعبية جزئية أي إرادة خاصة .
وقد وجد”روسو”أن الشيء الذي يقوم عليه أعظم خير للجميع هو(الحرية)و(المساواة)، وهما أمران يجب أن يصونهما التشريع. فحرية الفرد ملازمة لإنسانيته، وتخلي الفرد عن حريته أو إجباره على ذلك، يعني تنازلا عن الصفة الإنسانية فيه، ولا تقل المساواة أهمية عن الحرية .
أما الحكومة فهي بنظر”روسو” لا تسير على أساس التعاقد، وإنما بموجب قوانين تنظم أعمالها، والقائمون عليها ليسوا أولياء على المجتمع بل موظفوه، الذين لا يعملون إلا واجبهم من خلال وظائفهم التي عينوا فيها، وأما النواب- أعضاء البرلمان- فهم وكلاء عن الناس لا ممثلين لهم، وينبه ” روسو” هنا إلى أن المشرع – وهو النائب – أكثر شرا إذا فسد من سوء استعمال الحكومة للقوانين .
وهكذا يصل إلى نتيجة مؤداها:أن الدولة هي المثل السياسي الأعلى الذي يستطيع أن يجمع في فعل واحد بين الحرية والخضوع للقوانين، وهي النمط القادر على جعل السلطة والقيادة في أيدي من يكون الجمع العام عنهم راضيا وعلى فعلهم موافقا .
وعلى هذا النحو يبلور”جان جاك روسو” الدولة التي تقوم على الفصل بين السلطات، وعلى الفصل بين المصلحتين العامة والخاصة .
يكمن مغزى العقد الاجتماعي عند “جون لوك” في أن الدولة تقوم على تخلي الأفراد عن سلطتهم، والتي يتمتعون بها في التطور الطبيعي، لمصلحة الجماعة ومن خلالها، للحكام الذين نصبهم المجتمع أولياء عليه،وليمارسوا السلطة من أجل المجموع وحمايته وحماية أملاكه، ومثلما كانت أفكار”جان جاك روسو”مصدر الهام للثورة الفرنسية، كانت أفكار”جون لوك” تمهيدا لقيام الملكية الدستورية في بريطانيا .
أما”توماس هوبز”فقد كان ثلاثة من دعاة التعاقد الاجتماعي، ربط فلسفة قيام الدولة بقانون الطبيعة والإنسانية، الذي يقتضي أن يعامل الإنسان الآخرين على النحو الذي يجب أن يعاملوه به .. وهكذا انبثقت مبادئ العدالة والمساواة والاعتدال والرحمة من قوانين الطبيعة ذاتها، وهي القوانين التي تحرم على الناس أن يقوموا بفعل أي شيء يدمر حياتهم، أو يحرمهم من امتلاك الوسائل لرعاية هذا الحياة وحفظها، وكانت هذه القوانين في نظره قاعدة لتأسيس النظام السياسي الذي يوافق المجتمع على قيامه، ليحكم بين الأفراد بالعدل، مقابل تخلي هؤلاء الأفراد عن سلطتهم الفردية إلى السلطة العامة – أي الدولة – .. وهذا هو كنه العقد الاجتماعي .
على هذه الأسس والمرتكزة قامت فكرة الدولة الحديثة..دولة المؤسسات والتنظيمات وفصل السلطات والمصالح، وهي الفكرة التي شاعت وذاعت بين مختلف الدول والمجتمعات، حتى خارج أوروبا،وكان المجتمع العربي بواسع أطرافه من بينها بطبيعة الحال .. وهو الذي أخذ عن أوروبا الكثير من أفكارها وابتكاراتها واختراعاتها ، وخاصة ما تعلق منها بتنظيم المجتمع وتأطيره ، وذلك عن طريقين الأول: الاستعمار والتدخل الأوروبي،خاصة من قبل فرنسا وبريطانيا، والثاني: الاتصال العلمي التعليمي الثقافي على يد الشباب العربي، الذين تلقوا تعليمهم في أوروبا، أو على يد المستشرقين أو الخبراء الغربيين الذين أموا الديار العربية قادمين من العالم الغربي.
الفكر الاجتماعي العربي الإسلامي:
إن الفكر الاجتماعي حول الدولة ليس غريبا في الفضاء الفكري العربي، فقد عرفه العرب منذ بزوغ فجر الإسلام،الذي دعي إلى وحدة الكلمة والتكامل الاجتماعي والتضامن الجماعي،والتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان،فقد جعلهم الله عز وجل شعوبا وقبائل ليتعارفوا،وجعل أمرهم شورى بينهم،ودعاهم إلى كلمة سواء فيما بينهم. وسار الفكر الاجتماعي الإسلامي على منهج الوسطية،التي تنبذ التطرف وتحث على الاعتدال، وحرص على حرية الرأي والعمل،وعلى حفظ المال العام والتدبر فيه،واظهر ضرورة المساواة بين الناس،ونبذ الطبقية والفوقية والتحكم،وسار المفكرون الاجتماعيون الإسلاميون على هذا الهدي القويم المؤمن بالله وبقدرات هذه الأمة، وبرز من بينهم أول من برز “الفارابي”، الذي طرح فكرة – المدينة الفاضلة – على نحو تجديدي لفكرة”أفلاطون”حولها ،وهي التي لا تحقق فيها سعادة سكانها إلا بتعاونهم على الأمور التي تنال بها السعادة، واكتفى كل منهم بالعمل الذي يحسنه وبالوظيفة المهيأ لها بطبعه ، والتي من أهم وظائفها وأخطرها هي وظيفة “الرئاسة”، باعتبار أن الرئيس هو المثل الأعلى الذي ينظم جميع الكمالات ،ومنزلته بين سكانها كالقلب من سائر الجسد .
وتلاه الشيخ الرئيس”ابن سينا”،الذي تأثر بسابقه في فكرة المدينة الفاضلة، وعلى اعتبار أن الدولة هي الشكل الأمثل للوحدة السياسية، أي أنه يستبعد القبيلة أو الجهة كإطار للنظام السياسي .
وعلى الرغم من أن”الغزالي” لم يكن له آراء محددة في مجال السلطة أو الحكومة ، إلا أنه قد وضع مؤلفا خاصا بقواعد آراء الحكام وظائفهم، وحدد لهم ما يجب أن يراعوه في علاقاتهم بالمواطنين، بحيث يتجنبون الظلم والتكبر،ولا يردون طلبا أو رسالة،ويبتعدون عن العنف والشدة ويسيرون وفق الشرع، ويقفون مع مواطنيهم عند الشدة والأزمات. .
أما الحاكم في رأي “أبن خلدون”، فانه لا يجوز الحكم عليه بأنه شرير مذموم على الوجه المطلق، فهو كغيره من ظواهر الحياة الاجتماعية قد يكون خيرا أو شرا، تبعا للناحية التي تنظر إليه منها،وذكر “ابن خلدون” من مفاسد الحاكم القهر والظلم، ومن محاسنه العدل والذب عن الدين .
بطريقة تحديثية متروية – أو مترددة – أخذ الفكر السياسي الاجتماعي العرب في عصره الحديث ، يقتبس من التجربة الغربية، وغير متنكر لتراثه الإسلامي والثقافية العربية، وبما لا يسمح بإحداث قطع بتار مع التجربة التقليدية القومية الماضية، على عكس ما فعل الفكر الاجتماعي السياسي الغربي من قبل، بقطعه الصلة مع الفكر الكنسي أو التقاليد الدينية في إدارة المجتمع وحكم الناس .
كان المناخ مواتيا إزاء ذلك للمناداة بالدستور كإطار سياسي وكمرجعية لنظام الحكم ولتقاسم السلطات ولحفظ الحقوق،مستشهدين فيها هؤلاء الذين نادوا بها بالتقدم الاجتماعي والاقتصادي الذي حققه المجتمع الغربي في ظل تجربته السياسية، والتي تستند إلى الدستور كمرجعية لنظام الحكم وفصل السلطات وحفظ الحقوق والتمتع بالحريات .
فها هو”الطهطاوي” مثلا يروج لفكرة التعاقد الاجتماعي،التي اعتبرها صيغة تضامنية بين المواطنين،وليست هبة من الحكومة،وهي ثمرة تعاقدهم لحفظ أموالهم ومنافعهم ونفوسهم وأعراضهم،وما عليهم إزاءها من واجب المحافظة والمدافعة،واضعا أهمية خاصة للحرية والمساواة من بين الحقوق المدنية التي تساعد على تماسك المجتمع وحب الوطن.و داعيا إلى وضع دستور يجعل الأمة مصدر السلطات،ويعطي للمواطن دوره في بناء المجتمع المدني،والى إيجاد ميثاق، يرتضيه الناس ويلتزم به الحاكم، ويؤطر المواطنة والانتماء.مثلما دعا “الشدياق”إلى تحقيق الشورى عبر المجالس النيابية ،التي دعا إليها “الأفغاني”و”الكواكبي”، الذي لخص الحياة الدستورية للدولة بالوضعية التي يكون فيها المواطن أمينا على سلامة الجسم والحرية والنفور والعدل والمال والملك والشرف. كما اعتبر”محمد عبده ” أن القانون سر الحياة وعماد سعادة الأمم .
النماذج العربية للتعاقد الاجتماعي:
لمست نظم الحكم العربية في عهدها الحديث أهمية إيجاد صيغة للتعاقد الاجتماعي، يوثق العلاقة بين الدولة والمواطن، في إطار دولة سيادة القانون والمؤسسات، ويبعد عن نظام الحكم شبهة التفرد أو نزعة الديكتاتورية،ويعكس قناعتها بضرورة توفير مناخ ديمقراطي وأداء شعبي ومشاركة جماهيرية في الفعل السياسي كما الفعل الاقتصادي الاجتماعي داخل الدولة.
وقد جهدت العديد من الجهات في التعبير عن هذه التوجهات، وعملت على ترجمتها بالواقع الملموس، عن طريق وضع دستور حديث، وفصل السلطات ، وتنظيم الانتخابات النيابية والبلدية ، والسماح بتشكيل الروابط والنقابات والأحزاب، وإصدار الصحف وإعطاء الحرية للكلمة والفكر والرأي . قابل ذلك جهات أخرى بلورت تلك التوجهات بالحرف المكتوب وبالترويج الإعلامي الواسع، مع القصور الواضح في الترجمة العملية لتلك التوجهات،وتوسط اتجاه ثالث الموقف بين الموقفين، واتخذ من الوسطية منهجا وتحلى بالاعتدال، وتبنى توجه الحرية المنضبطة، بحيث أعطى للمواطنين حرية الحركة تحت المظلة الواحدة ولا أحد يغرد خارج السرب.
هكذا شهدت الساحة السياسية العربية صدور عدد ممن المواثيق ، التي تعبر عن التعاقد الاجتماعي داخل الدولة،وتوضح توجهاتها على الصعيدين الداخلي والخارجي،وفي مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية،وهذه الصيغة معمول بها في معظم دول العالم وعدد من الدول العربية من بينها الأردن الذي توافق الرأي العام الوطني فيه على “الميثاق الوطني” في بداية التسعينات ثم على “وثيقة كلنا الأردن” في بداية الألفية الثانية،التي تتيح فرصة عريضة للمشاركة الشعبية في إدارة الحكم وتنظيمه،في سعي واضح لفتح آفاق أرحب للديمقراطية،وتوفر المناخ المناسب للبناء والتنمية والاستقرار والرخاء ،مما يعزز السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية.
أمام امتنا العربية تحديات حالية وتحديات مستقبلية في إطار صلتها بالتراث وتطلعها إلى التجديد ، فالتحديات الحالية تتمثل بالتخلص من: التخلف و الاستغلال و التبعية،أما التحديات المستقبلية فتمثل في انجاز التنمية ونشر العدالة الاجتماعية وتحقيق المشاركة الشعبية بإدارة الدولة وتطويرها والاستقلال التكنواقتصادي بالإضافة إلى استقلالية القرار السياسي .فإذا كان الاستغلال هو نقيض العدالة الاجتماعية في المجتمع،فانه في نفس الوقت أحد أسباب التخلف،وكل من الاستغلال والتخلف نتاج للاستبداد بالرأي والفكر والسلطة على مختلف الصعد وفي مختلف ميادين الحياة،وهي التي تجعل الأمة بالتالي عاجزة عن الدفاع عن نفسها،ضد الأطماع والتدخلات،وهذه بدورها تكرس التخلف والاستغلال و التبعية .
إن المجتمع الوطني أو القومي ليس حاصل جمع بسيط لمجموع أفراده، بل هو ناتج مركب من جماعات،هذه الجماعات ذات مصالح متفاوتة،وهي تحاول حماية مصالحها باستمرار,غير أن الإيمان بالله والتمسك بأهداف الدين،والشعور الجمعي والحس بالانتماء الوطني، يخفف من غلواء الناس ونهمهم في تحقيق مصالحهم الدنيوية المتمثلة بالسلطة أو النفوذ والثروة, لكن ذلك لا يغني عن إيجاد القوانين والتشريعات الواضحة والملزمة التي تنظم العلاقات ، وتحد من تجاوز الحدود والخطوط،من أجل تحقيق المصالح الذاتية،على حساب مصلحة المجموع، فالتشريعات الواضحة والملزمة هي القاعدة التي ترسى عليها الديمقراطية أو الشورى بين المواطنين،والتي تشكل طريقا نحو العدالة الاجتماعية، والتي يمكن للمجتمع أن يقطعها خطوة خطوة، حتى يصل إلى الرفاهية العامة،وإذا كانت العدالة الاجتماعية تعني تكافؤ الفرص في توزيع الثروة، فان الديمقراطية هي العدالة السياسية تعني تكافؤ الفرص في تولى المسؤولية العامة .
مستقبل التعاقد الاجتماعي العربي:
إن المناخ الديمقراطي الذي يوفره الإيمان بالتعاقد الاجتماعي يساعد على نشر العدالة الاجتماعية،وعلى مد شبكة الأمان الاجتماعي في المجتمع،الذي يتمتع فيه أعضاؤه بالحرية والاطمئنان والمساواة،فالعدل أساس العمران، وما أحرانا نحن العرب،أن نسارع إلى تسديد جهودنا وتعيين أهدافنا في هذا العصر، هذا الأمر لن يتأتى لنا إلا بتكامل الموارد وتكاتف الجهود وجمع الكلمة، مع تقدير دقة المرحلة التي يمر فيها العالم أجمع، وهو يدخل قرنا جديدا وألفية جديدة ،تقوم على الانفتاح وإزالة الحواجز والحدود والمعوقات للاتصال والتواصل بين مختلف الشعوب والثقافات في هذا العالم، الذي لا مجال فيه إلا للقوي والمبدع والخلاق،والذي أصبح واسعا بأطرافه وكبيرا بسكانه ولكنه صغير باتصالاته وسريع بمؤثراته ولماح بانعكاساته ، تعيش شعوبه كلها تحت قبة العولمة .
إن في أدبيات جامعة الدول العربية ومواثيق العمل العربي المشترك،الكثير من العبارات والديباجات، التي تصيغ هذا التطلع نحو المستقبل، وهي بحاجة الآن لقراءة جديدة وكتابة مطورة، ولجعلها إضافة حيوية متناسقة مع الجهود القطرية المبذولة في عدد من الأقطار العربية ممزوجة بتطلعات الشباب العربي الطموحة، ليكون المستقبل العربي أكثر أمانا وإشراقا، وليكون الدور العربي أكثر قوة وتأثيرا، في الحضارة العالمية ومستقبل البشرية على هذا الكوكب.
dfaisal77@hotmail.com
*باحث في القضايا الاجتماعية