د.آمال موسى *
يمثل تنظيم «داعش» انتقالا نوعيا في عمل الجماعات الإرهابية وطبيعة طموحها؛ حيث يقول صراحة إنه «يهدف إلى إقامة إمارة وليس محاربة عدو بعينه»، مع ما يعنيه ذلك من انتقال من طور «التنظيم الإرهابي» إلى «الإمارة والدولة الجهادية».
هذا الانتقال النوعي ينطوي على مظاهر خطورة عدة بدءا من الاستغراب الشديد حول مدى جرأة هذا التنظيم، الذي يتحرك في قلب منطقة الشرق الأوسط، وفي منطقة توجد فيها دول إقليمية كبرى. ولعل إعلانه أخيرا عن تشكيل فرع في الأردن، يؤكد أننا أمام تنظيم يعمل في العلن، ويتوسع وسط حزام من دول معروفة بصرامتها الأمنية.
لذلك فهو خطير من ناحية دوره في تعقيد العلاقات داخل دول المنطقة، وبين هذه الأخيرة والقوى الدولية في العالم. كما يبدو لنا أن بروز تنظيم مثل «داعش»، وبالخصائص التي تميزه عن تنظيمات «جهادية» أخرى، إنما هو بالأساس، حسب اعتقادنا، نتيجة توتر العلاقات بين الدول الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، بوصفه – أي التوتر الإقليمي – عاملا أساسيا وقويا في انتفاخ طموحات الجماعات الإرهابية وبلوغها حد احتلال مدينة الموصل، حتى ولو كان ذلك لأيام معدودة. وهنا مكمن الخطر، الذي يتحدد في رمزية ما قامت به وما بثته من نقاط استفهام في العالم من مشرقه إلى مغربه.
ولكن مع الإقرار بخطورة «داعش» وتمكنه من تعقيد خيوط اللعبة السياسية والطائفية داخل المنطقة، إلا أنه خطر له حدوده، فكيف ذلك؟
صحيح أن ما يسمى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، يتميز بخطورة بالغة حتى إنه أصبح التنظيم الأبرز والأكثر خطورة مقارنة بتنظيمات «الجهاد العالمي» الأخرى، ولكن مع ذلك، فإننا نعتقد أن لهذا الخطر حدودا لا يمكن أن يتجاوزها، وأنه يحمل في مشروعه وفي طريقة عمله الإرهابي أسباب تلاشيه مهما طال نشاطه.
لذلك، فإن المشكلة الرئيسة تكمن بالأساس في أنه تنظيم، وإن كان محكوما عليه بالزوال، سيخلف أوجاعا في البلدان العربية والإسلامية، وهو ما حصل ويحصل في العراق وسوريا؛ حيث الفوضى والعبث بالأرواح والأجساد والجغرافيا.
وإذ نعد أن تنظيم «داعش» لا مستقبل طويلا له، فذلك للأسباب التالية:
أولا: طبيعة المشروع تختلف عن التنظيمات الجهادية الأخرى ومنها تنظيم القاعدة، فهو إمارة وليس تنظيما فقط؛ مما يفسر التسمية التي اختارها لنفسه، وهي «الدولة الإسلامية في العراق والشام»؛ أي إنه إمارة حكم، تهدف إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية وفق منظور سلفي أصولي ماضوي، معتمدة على آليات القوة والقتل والرعب والإرهاب، ومن ثم، فإنه بحكم ارتباطه بفكرة الدولة والإمارة فهو محدد جغرافيًا خلافا للتنظيمات الجهادية الأخرى. وهنا تكمن طوباوية إمارة «داعش» واستحالتها واقعيا على أساس أنها مرفوضة، وتكفي محاصرتها إقليميا ودوليا حتى تتكبد خسائر في الصميم.
ذلك أن تنظيم مثل «داعش» يتغذى من ضعف الدولة ومؤسساتها في العراق ومن تأزم الوضع في سوريا، وهو يتوسع ويتغلغل أكثر في بؤر التوتر في العالم الإسلامي؛ أي إنه نتاج هشاشة الدولة وانقسامات بعض المجتمعات العربية وسقوطها في فخ التجاذبات الطائفية والسياسية وغير ذلك، فوجوده مرتبط بضعف الدولة القائمة في العراق وليس بوجاهة المشروع الذي تتبناه والذي ولد ميتا.
السبب الثاني: يمكن أن يشكل مبررا مهما للتعجيل في القضاء على إمارة «داعش» يتمثل في المنهج الإجرامي الدموي الذي تسلكه؛ حيث قتل الأئمة، والتمثيل بالجثث، والوحشية في التصفية الجسدية، ومثل هذا السلوك يضعها خارج الدين الإسلامي وقيمه وأحكامه؛ بمعنى أن ممارساتها العنيفة الإرهابية، تقضي عليها رمزيا ثم واقعيا، خصوصا أن مفهوم العدو في إمارة «داعش» يختلف عن تنظيمات «جهادية» أخرى، فمثلا يرى تنظيم القاعدة أن الولايات المتحدة عدو، بينما «داعش» لا تتراجع عن قتل أهل السنة المعتدلين، فما بالك بالشيعة وغيرهم الذين يكفرهم.
السبب الثالث: قد يدعم اعتقادنا بهشاشة «داعش» يتصل بعلاقته المتوترة مع تنظيم القاعدة؛ إذ يختلف التنظيمان في منهجية «الجهاد العالمي»، إضافة إلى ميل واضح لدى «داعش» لتصدر خريطة التنظيمات الجهادية الإرهابية والسطو على موقع القيادة لتنظيم القاعدة. وتقول بعض الأخبار إن العلاقة بين التنظيمين متوترة، وإن أسامة بن لادن قام باستيعاب التنظيم وهو في مرحلة جنينية؛ حيث إن تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» الذي كان يتزعمه أبو مصعب الزرقاوي، كان في نسخته الأولى السرية تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق»، غير أن استيعاب بن لادن للزرقاوي ومبايعة هذا الأخير له قادا إلى تغيير التنظيم ليكون «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين». وبالنظر إلى هذا التوتر بين «القاعدة» و«داعش» يمكن القول إن الصراع بينهما، الذي أصبح معلنا والذي يعد، مقارنة بتكتيك تنظيمات «الجهاد العالمي»، انحرافا نوعيا، يمكن أن يسفر عن إضعاف متبادل للتنظيمين، وهي فرصة بدأت تتكون للدول الإقليمية في المنطقة.
* شاعرة وأكاديمية من تونس
( الشرق الأوسط )