أحمد صلال
إفتتح في معهد العالم العربي في باريس معرض «حرائر الأندلس» الذي يستمر حتى 21 من الشهر المقبل، للتعريف بثقافة صناعة الحرير العربي في الأندلس في حقبته الإسلامية. وشهد الاحتفال الذي استضافته إحدى صالات المعهد إقبالاً جماهيرياً وإعلامياً لافتاً.
ويأتي المعرض في إطار التعريف بالثقافة الإسلامية في فرنسا، وسط ظروف سياسية بالغة التعقيد. ويقدم المعرض منسوجات تعود الى القرنين الثالث عشر والسادس عشر في إسبانيا، والقرن الثامن عشر في المغرب، بهدف تقديم نماذج تساعد في فهم قواعد هذه الصناعة العريقة.
في المقابل، يتم عرض شظايا شعيرات لأقمشة جمعها خوسيه لازارو (1862-1947)، أول عالم إسباني يهتم بصناعة الحرير العربي في الأندلس. وحين رحل بات هناك طقس سنوي في مدريد، يستعيد عز هذه الصناعة عبر معرض دوري، فيما يعرض معهد العالم العربي في باريس المقتنيات ذاتها التي كانت تعرض في العاصمة الإسبانية.
وكانت شظايا الشعيرات الحساسة والدقيقة التي جمعها خوسيه، تدخل في صناعة الأقمشة والأثاث، وكانت تصنع خصيصاً من أجل الملوك العرب في الأندلس ورجال الدين والنبلاء.
ولم يكتف المعرض بالعودة بالزمن مرتدياً الأقمشة الحريرية في الأندلس، معرفاً بصناعة الحرائر في الأندلس، بل حرص كل رسم وزخرف على رواية الأساطير والتقاليد التي تسرد التنوع المجتمعي والحضاري للبنى الاجتماعية في ذاك الزمان.
وإضافة الى الأقمشة والأثاث، عرضت تصاميم غنية بالزخرفة على مجوهرات وصناديق عاج، وهذه الزخارف تتسم بجوانب من فن العرض والتصميم والعمارة، اشتغلت عليها أمبارو لوبيز ريدونو، رئيسة مؤسسة لازارو في مدريد.
وبدت العلاقة بين الحرير والثقافة الإسلامية جدلية، إن صح التعبير، بحيث لا يمكن الفصل بين الحرير والهوية الإسلامية. وتبدو هذه العلاقة من خلال الأقمشة التي عكست شاعرية الفن الإسلامي على الأقمشة والجواهر والأثاث وصناديق العاج، في تكريم لخصوصية الحرير، تجسدت بمقاربة فنية خالصة وأخرى أنتولوجية، تبدو لمحات الإستشراق حاضرةً عبرها، معلنةً عن تزاوج غربي – شرقي على أرض الأندلس.
ويقول مدير المتحف في معهد العالم العربي في باريس إريك دولبون: «أعتقد أن الأعمال المشاركة هي تجسيد حي لتاريخ صناعة الحرير العربي في الأندلس، وتعكس قيمة الثقافة الإسلامية». ويضيف: «كانت ولا تزال صناعة الحرير جانباً مهماً من التعريف بالثقافة الإسلامية، ونحن في المعهد سعداء ليس فقط لعرض الثقافة العربية والإسلامية فحسب، بل لأن الحرير مادة نبيلة تشكل قيمة روحية لكثير من الناس، وهذا مصدر سعادة لمحبي الثقافة الإسلامية».
ويلفت إلى «أن صناعة الحرير العربي في الأندلس لها إيقاع في وجدان كل إنسان، وهي شكل من أشكال تخليد الثقافة الإسلامية الرائعة، ورمز للتواصل مع الحنين الأول، والجمال الفني والحضاري، وذاكرة اجتماعية ضد النسيان والانسلاخ»، مشيراً الى أنها «تشكل ثقافة جامعة للشعوب بحكم رمزيتها التاريخية من ناحية، وتوفيرها سبلاً إبداعية لا حدود لها من ناحية أخرى، ناهيك بنعومته المعبرة عن نعومة الحياة ورونقها وجمالها».
– الحياة