*محمد أبو عرب
لم يعد من الممكن الحديث عن القراءة والكتاب وحال المطالعة في الوطن العربي والعالم، من دون التوقف عند مفصلية مهمة باتت ترسم أفق الكتاب في العالم، تتمثل فيما اصطلح عليه “الكتاب الإلكتروني”، إذ بات هذا الشكل من الكتاب يعيد إنتاج مفاهيم المطالعة بصورة جذرية، فلم يعد القارئ بحاجة لبيت كبير كي يقتني مكتبة ضخمة، ولم يعد بحاجة لمكتب وكرسي وثير لمطالعة المجلدات والبحث في المراجع، فالمجلدات التي كانت تمتد على رف خشبي لأكثر من مترين، صارت محمولة في جهاز إلكتروني لا يتجاوز حجمه راحة الكف .
لم تعد العوائق المادية تقف أمام القارئ كما كان سابقاً، إذ في العقود الماضية أنتجت المجتمعات الفقيرة، عدداً من المثقفين بصورة مجهدة، كان الكتاب فيها يدور على البيوت، ويصل بعد أشهر منهكاً متآكلاً، ومحملاً بالكثير من الملاحظات، والخطوط الرفيعة، والرسائل، والأحلام، لكن اليوم تبدل الحال وصار بإمكان أي قارئ أن يحمل مكتبة الكونغريس في جيبه ويسير .
هذا التغير في مناخات وآليات القراءة والاطلاع، رافقه الكثير من التحول في سوق الكتاب، حتى بات الكتاب يُشترى ويباع بنسخته الإلكترونية، فظهرت العديد من متاجر الكتب على شبكة الإنترنت، وظهر معها في المقابل، المجتهدون الذين لا يسع القراء إلا أن يرفعوا لهم القبعات، إزاء الجهد الذي يبذلونه في تحويل الكتب الورقية إلى إلكترونية .
لا يشكل الحديث عن هذا التحول، حديثاً جديداً إذ ما توقفنا عند مسألة الكتاب الإلكتروني وما قدمه للقارئ، لكنه سيثير الكثير من القضايا عندما نستعرض الجهود الفردية التي يقوم بها الكثير في تحول مكتباتهم الشخصية إلى كتب إلكترونية وتوفيرها للقراء، بكبسة زر، فهؤلاء باتوا يشكلون بوابات القراءة في العالم الإلكتروني، وبات القراء ينتظرون جهودهم ليسارعوا إلى تخزين الكتب على أجهزتهم الإلكترونية .
وكما تشكل التحولات الكبيرة تغيراً في العديد من الأشياء حولها، فتح الكتاب الإلكتروني مساحة لسوق الكتاب، وظهر معه العديد من المواقع، وظهرت كذلك العديد من المؤسسات، كما رافق ذلك لحاق شركات الكمبيوتر والأجهزة المحمولة لهذا التغير، فباتت تصمم أجهزة لوحية خفيفة الوزن ذات بطاريات طويلة الأمد، تشبه في شكلها صفحة الكتاب، وصممت متاجر إلكترونية وتطبيقات تتيح للمستخدم تنزيل الكتب وشرائها، وصفها في مكتبة إلكترونية تشبه المكتبة في الواقع .
ليس ذلك وحسب، فقد ظهرت نتيجة لذلك العديد من البرامج التي تحول النصوص المقروءة إلى صيغة كتب إلكترونية، وبات المستخدم العادي قادراً على تحول مكتبته إلى كتاب إلكتروني ومشاركته مع المثقفين في الفضاء الإفتراضي .
أحد أبرز هذه المتغيرات، “مواقع التواصل القرائي”، التي استوحت فكرتها من مواقع التواصل الاجتماعي، فباتت تجمع المثقفين والقراء في موقع واحد وتسمح لهم بالتراسل، وتتيح لهم الكشف عن الكتب التي يريدون قراءتها، وتوفر لهم فرصة تقييم الكتب، وتقديم عروض موجزة عنها .
هذا الفضاء الذي شكلته متغيرات آلية القراءة في العالم، يأتي في سياق تغير مناحي الحياة كافة، وما هو إلا استجابة لتحول الزمن، وتسيد مفهوم الآلة على كل شيء، فالتغير الذي جرى على الكتاب، سواءً في الشكل أو المضمون، أو في طرائق البيع، والشراء، وأماكن القراءة وغيرها، كان يمكن أن يفاقم أزمة القراءة في العالم لو لم يخط هذه الخطوة المتسارعة، ويضع الكتاب في قلب الواقع الافتراضي .
ينبغي الاعتراف أن الزمن المتسارع فرض ظلاله على كل شيء، وينبغي أن نكون على وعي بتحولات العالم، فالكتاب الذي هو خزان العلم، فتح بصيغته الإلكترونية مساحة هائلة أمام القارئ، جعلت من ثقافة اقتناء الكتب النادرة، تتراجع يوماً تلو آخر، وجعلت من الكتب الممنوعة في الكثير من البلدان، تشق طريقها عبر الأسلاك الضوئية، وتكون أمام القارئ وهو يسير في شارع، أو يجلس أما البحر، أو حتى يستلقي على سريره .
من أبرز المواقع التي توفر الكتب، وتيسر تنزيلها، موقع “فور شيرد”، الذي لا يتيح المشاركة في الكتب وحسب، بل في أشكال الملفات والوثائقيات كافة، إذ يوفر هذا الموقع فرصة لمستخدمه أن يفتح حساباً لديه، ويصبح بمقدوره تحميل ما يريد، ليشاركه مع الناس .
تطول قائمة مواقع تحميل الكتب، فمنها “ميديا فاير”، “بوك شير”، و”موقع مكتبة الإسكندرية”، و”موقع كتابي”، وغيرها من المواقع، وتظهر إلى جانبها المواقع، والصفحات التي تشترك مع مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يمتزج فيها الدور الاجتماعي مع الثقافي، وتربع على رأسها موقع “غود ريديرز” .
يبقى التساؤل الأكثر جدوى في كل ذلك، هل أزمة القراءة، هي أزمة الحصول على الكتاب وإمكانية توفيره، أم هي أزمة قراء وأجيال بحاجة لتتكرس لديها ثقافة القراءة بحيث تصبح موازية لحاجاتها اليومية؟.
______
*الخليج الثقافي