مصير “هيباتيا” ينتظرنا إذا اجتاحنا الإرهاب والتشدد


*لطفية الدليمي

يقاوم المتشددون كل فكر مستنير وكل رأي يتعارض مع طروحاتهم اليقينية التي تحرم الشك والتساؤل ، ويحكمون على المفكرين والمفكرات بإهدار الدم بتهمه الإلحاد والزندقة ، وهذا ماحدث للفيلسوفة هيباتيا التي تحدثت عنها في مقالتي السابقة ، وسيكون مصير كل مثقف جريء وكل مفكر يكشف عفن التشدد وظلاميته كمصير الفيلسوفة هيباتيا اذا اجتاح الإرهاب بلادنا واذا صمتنا إزاءه .

صدر كتاب جيل مينوغ ( تاريخ النساء الفيلسوفات) قبل بدايات عصر التنوير الذي أعاد الاعتبار لمكانة المرأة بكتب كثيرة عن النساء المفكرات اللاتي طمست أسماؤهن او اللاتي اتهمن بالهرطقة والإلحاد واعتبرن ساحرات شريرات من قبل الكنيسة ومحاكم التفتيش في القرون الوسطى لا لشيء إلا لكونهن طرحن الأسئلة فيما يخص الوجود والكون والموت والحياة ومكانة المرأة في العالم ، وجرى حرقهن للتخلص من ” الشيطان ” الذي احتل عقولهن وجعلهن يتمردن عما قدر لهن من أدوار تنحصر في إمتاع الرجل وخدمته وانجاب الأبناء له وحسب ما تأمر به المدونات الدينية. ومن ابرز الكتب المهمة التي أنصفت النساء المفكرات والنساء الفيلسوفات وسلطت الضوء الكاشف على أعمالهن كان كتاب ( جيل مينوغ ) الجريء هذا الذي أحصى مايفوق الـ ( 65) فيلسوفة في اليونان وحدها وقد وصف مينوغ “هيباتيا” بأنها ( فيلسوفة وعالمة رياضيات وفلك ) ووصفها مؤرخ يدعى سقراط (وهو غير الفيلسوف سقراط) بأنها برعت في العلوم كلها وتخطت فلاسفة عصرها وقبلت في مدرسة افلاطون وكانت لاتهاب الظهور وسط الرجال .
هيباتيا التي نشأت في بيت علم ورياضيات وفلسفة ، علمها والدها الفيلسوف ثيون الشجاعة في طرح الأفكار وجرأة التساؤل والنقاش والتفكير الحر الذي كان محرما على الرجال والنساء – في القرن الخامس الميلادي واعترف الأب بدور ابنته في حل كثير من النظريات الرياضية وشرحها والاضافة عليها ، إذ قامت بتنقيح شرح والدها على كتاب ـ ( المجسطي ) كتاب بطليموس الأشهر في علم الفلك ، وتنسب بعض المصادر التاريخية الى هيباتيا انها أوجدت طريقة جديدة في القسمة الستينية المشابهة لطريقة البابليين المعتمدة على النظام الستيني الذي ظهر في نحو 3100″ق- م ” وتذكر موسوعة ( سويداس ) انها كتبت شروحا على أعمال ابوللونيوس في المخروطات واضافت تجاربها حول مركزية الشمس وصنعت الهيدروسكوب لقياس كثافة الماء كما أعطت احد الصاغة رسما دقيقا لآلة الاسطرلاب ليصنعه لها من الفضة ورسمت خارطة للسماء تختلف الى حد ما عن خارطة البابليين السابقين عليها..
لم يعجب المؤرخون ذوو النزعة الدينية المتشددة مثل ( يوحنا النيقوسي) بهيباتيا وانكروا عليها تفوقها العلمي ووصموها بالشيطنة بل أدانوها باعتبارها وثنية تخصصت في أعمال السحر وصنعت الاسطرلاب وأدوات اللهو الأخرى وتصدت لموضوع كروية الأرض وتجرأت على رسم خارطة للسماء ووصموها بأنها كانت تسحر تلاميذها وحكماء الاسكندرية ووجهائها ممن كانوا يتلقون محاضراتها في مكتبة الاسكندرية فحرفتهم عن الايمان بقوة أفكارها الشيطانية التي تتعارض مع الأفكار الدينية لذا وجب إعدامها.
أجمعت معظم المصادر التي ألفها باحثون وأدباء اوروبيون على تمتع هيباتيا بجمال خلاب وكاريزما جعلتها محط إعجاب تلاميذها ومحبتهم حين شغلت منصب مدرسة الفلسفة في اكاديمية العلوم والفلسفة في مكتبة الاسكندرية لتعلم تلاميذها فلسفة افلاطون وارسطو وتقوم بتجاربها العلمية امامهم وتناقشهم في قضايا علمية سابقة لزمنها فأثارت بهذا حفيظة الكهنة الذين اهدروا دمها عندما هيمن التشدد الديني الأعمى على مدينتها.
_______
*المدى

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *