ليلى عيد تهتك المعنى بمقص البلاغة


*إبراهيم حسو

تدوّن ليلى عيد في مجموعتها الشعرية “أحيانا أرقص.. لو تراني”، الصادرة عن دار “الساقي” ببيروت، نصا صعبا، وثابتا رغم تحركاته ومناوراته اللغوية حيث يؤسّس فيه التنسيق والتركيب اللغويان مستويات بلاغية ومعرفية متشابكة.

تستثمر ليلى عيد ذخيرتها اللغوية عبر إلحاحها على تخيّر المفردات المفتوحة على أكثر من معنى وأكثر من إيحاء. وذلك بلجوئها إلى مخزون مخيلتها ورفع الحصار عن الأفكار الكبيرة التي تتغلغل رويدا رويدا إلى النص.
وهو أمر يحفز القارئ لمعايشة حدث الحيرة أمام تشتت الأفكار وتلاطمها المستمر الذي لا يتوقف عند مسار أو حدّ.وإذ تفعل الشاعرة ذلك، نلفيها تجهد مخيّلتها لتعمل بكامل طاقتها حتى تصل بالقارئ إلى تلك الحميمية المخبوءة وراء تدفقات شعرية هادئة ومرتجلة وفطرية، وتحفزه لأن يعيش مغامرة التأويل المفتوحة على كلّ معاني الكون، وسكبها في وعاء الجمال الحقيقي والطاهر، ما يبقى لبهاء الكلمة مكان ولدهشة المفردة مأوى ولطلاوة اللغة هامش محتَمَل.
تعترف ليلى عيد بأن المعيش البشري مصاب بطغيان المادة على كل شيء فيه، وخاصة على فعل الكتابة، حيث اصبحت الآلة تعوّض الحلم، وصار الخيال والسرد والصورة والتخييل والوصف البوح الشعري في مواجهة دائمة مع نثرية العالَم. ولهذا، تتعدّد الأفكار والمواضيع وتتفرع الأمكنة وتتشابك الأزمنة، ولكنها في النهاية تؤول إلى برود المعنى.
وتظلّ بيروت المكان والزمان والحب الذي يشبك الشاعرة بكل حذافير المكان، وتغرز فيه أظافرها وهي تغادر الأمكنة أو تغادرها الأمكنة أو تغدر بها، فتفقد خارطة حياتها وتتيه دون أن تستقبل أو تودع الحياة، فقد مضى زمن البوح، زمن السؤال الذي لم يترك للشاعرة الوقت كي تهرّب فيه أحلامها المتعذرة.
ما يسجل لليلى عيد هو اتساع التخييل ورحابة الصورة التي اشتغلت عليها منذ مجموعتها الأولى “من حيث لا يدري” وقد وفقت كثيرا في إبرام مصالحة مع الكلمة المتقشفة، الكلمة المقتضبة التي لا تشير إلا إلى نفسها، ولا تجانب إلا علومها ومكاشفتها اللفظية والبلاغية.
_______
*العرب

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *