تشكلات المعنى بدلالة المعنى الغائب


*رياض الدليمي

( ثقافات )

ثمة وهم مشترك ينتاب كلا الشريكين منتج النص ومتلقيه في حقيقة الفهم ، إذ يسلم المتلقي على أن منتج النص هو القابض على معنى النص المقروء ، ومنتج النص – الكاتب – فرح بما توهم من سلطة ممنوحة له من قبل المتلقي ومن هنا تقع الإشكالية .
إن سلطة الفهم هي سلطة تداولية مشتركة مابين الاثنين وقد تكون سلطة مفقودة فقدها الاثنان .
في السابق أشيع فهما غير مبررا بان – المعنى في قلب الشاعر- وفي حقيقة الأمر إن هذه المقولة إذا ما تناولناها بشكلها المباشر فثمة مغالطة كبيرة وقعت على الشاعر : أنه هو الوحيد الحاكم الباسط لمجريات الفهم ، وإذا ما قوربت بشكلها الدلالي الصحيح فثمة تأويلات شائكة ومختلفة مابين معنى النص الذي أريد له من قبل منتجه ومابين حقيقة المعنى الغائب من جهة ، ومن جهة أخرى مابين المعنى الذي استقبله المتلقي وفق آلياته المعرفية وذائقته وفك شفراته .
ليس كل النصوص قابلة للتأويل أو بحاجة إلى التأويل ، إننا نتحدث هنا على النصوص ذات البعد الدلالي والمعرفي والبلاغي ، إذ إن النص المباشر هو كما هو لدى منتجه ومتلقيه ويشتركان في ذات الفهم وهو محكم في سياق معناه المباشر .
نعتقد بان إشكالية فهم النص المقدس والاختلاف السائد في فهمه والقصدانية العلوية في إبقائه نصا حيويا مفتوحا لكل احتمالات الفهم ويحتمل أكثر من قراءة ، وفي حقيقة الأمر لا يعلمه إلا صانعه ، وان منحت سلطة ما إلى حامله ومتلقيه من الذين يتمتعون بقدرة التأويل والفهم ، وهذا بطبيعة الحال لم يجمع عليه ولم يفلح بالنفاذ إلى هالات القدسية ، ويبقى النص المقدس مفتوحا لأكثر من تأويل وفهم لأسباب لا نعلمها ، لان قدرته أي – المتلقي – مهما بلغت من الشدة والتمكن تبقى عاجزة أمام قدرة صانعه جلت قدرته .
إن منتج النص حينما تتولد لديه الفكرة في سياق لغوي وفي صورة التجسيم للفكرة والصورة يعتقد بأنه قد افلح على تجسيدها كما هي بصورتها وشكلها ومعناها في عمقه الفكري والوجداني ، ولابد أن تتسلل إلى المتلقي كما يعتقد إلى ذات المفهوم والدلالة التي تولدت لديه في لحظة الكتابة ، أو كما خطط لها ، وبهذا يكون هو القابض على سلطة المعنى لان قلبه المنتج أي عمقه الوجداني والفكري ، وعلى المتلقي أن يقبع أسيرا لسلطته ، أو مهادنا له ، أو مشاركا بالضرورة لما يعتقد .
إن إحاطة الفكرة والثيمة للنص ببيئة وأجواء النص أو بيئة الفكرة والحالة النفسية والذهنية للكاتب والشارات والرموز والأحداث وقدرته على توظيف وتناغم كل هذه المؤثرات على النص قد تفلت من سلطة الكاتب في لحظة الكتابة ولم تشير إلى ما أراد له الكاتب من قصدانية معنى ما أو معان ظاهرة أو باطنة في مجريات النص الذي يقع تحت سلطة أخرى وهي سلطة المتلقي .
أو يترك الكاتب المعاني في قلبه الذي قد يكون في اغلب الأحيان متمتع في عتو سلطته التي لم يفلح في اختراقها الاثنان – الكاتب والمتلقي – ويبقى المعنى غائبا بين طيات سلطة القلب والوجدان والفكر .
خلاصة القول إن النص ومتلقيه وغياب المعنى اللحظي للكتابة يشكلان ثالوث الفهم وهم جميعا يعطون البعد الدلالي لعمق النص ، وليس هناك معنى حقيقي للنص ومهما بلغت قدرة النقد والفهم والقراءة ، تبقى هناك احتمالية لفقدان احد أركان المعنى ، تركها الكاتب في قلبه بقصدية أم من دونها لتضيف صيرورة قدسية له ، وهذا لا يشكل خللا بل يضيف عمقا وجمالا للنص .

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *