رسائل امرأة في حرب عالمية أولى


*ضحى عبدالرؤوف المل

تنطق الدمى المتحركة في فيلم رسائل امرأة (Women’s Letters) بالعاطفة الشاعرية المداوية للجراح التي الهبت الجنود والأوراق والسماء، والغيوم، وحتى صوت تمزيق الورق في معركة ورقية تخيلية ، كالداء والدواء والحرف الذي يفصل الحرب عن الحب حيث استطاع المخرج ( اوغستو زانوفيللو Augusto Zanovello) من مزج غرافيكي بطيء الحركة تقنيا استطاع من خلاله بث رؤية مصغرة ، لحرب ضروس مزقت الأجساد كالأوراق وتركتها كأوراق الخريف في عاصفة او إعصار، وخلقت عبثية وجودية تمحوها رسائل الحب التي تشفى النفس من سقم أوجاعها. 

ولكن لتفاعل ساعي البريد او الجندي صاحب الحقيبة رؤية تختلف اذا بدأ يداوي جراح الحرب بالحب، فالتفاعلات العاطفية تركزت على تفاصيل الحركة الانتقالية بين الشخصيات والقدرة على استقراء الايماءات ذات المفاهيم المتسامية هي بمثابة سرد لحكاية الحرب العالمية الأولى، ولكن من خلال شخصيات دمى متحركة وبالأخص الممرضة سيمون، ففي ” ارض المعركة في الحرب العالمية الاولى ، كانت الممرضة سيمون ترقع الوجوه الممزقة لجنود المشاة برسائل الحب …هذه الكلمات من الحبيبات، كانت قادرة على شفاء جراح اولئك الجنود الورقيين.”
بنى المخرج ” اوغستو زانوفيللو” رؤيته الورقية على البعد الواحد في زمنية توحي بالقديم ، فالحرب هي الحرب ، والحب هو الحب ، وما بين الموت والولادة كلمة تبقى منقوشة في ذاكرة التاريخ. ربما لتشفي جرح الزمن في جيل جديد حمل التاريخ ، كالرسائل التي مزقتها الممرضة سيمون وجعلت منها فيلما يحاكي به اوغستو جيله والأجيال القادمة ، فهل يولد السلام من لدن الحرب المدمرة للانسان قبل الحضارات ؟,
شخصيات نابضة بالحياة رغم الموت المنتشر في ساحة الحرب، فالأوراق هي التي تحيا في ظل السكون الذي تمحوه الموسيقى التصويرية واحيانا صوت الرواي للرسائل التي تحاكي الزمن مع الرسوم المتلونة بالوان ترابية تبث الحنين للأرض، وللاشتياق للوطن وللإيحاء بالقديم المتجدد في فكرة كرتونية ذات الأبعاد الحركية التي تتميز بالأداء البصري المشحون بفكرة امتزجت مع الشخصيات وتفاعلاتها، مع ما يفعله الجندي الورقي من ترقيع للجروح ، فهو يعلم ان الشفاء مستحيل، ولكن كلمة اللحظة الأخيرة من الحياة التي تمنح الأمل . 
إخراج متباطئ مع الفكرة ، وشخصيات تفاعلت مع الحدث ، وأوراق معجونة بالأجساد الموجوعة والمرمية في ساحات المعارك مع صرخة إثبات الوجود لامرأة تلد برمزية وجودية تتجدد من خلالها المفاهيم الزمنية للانسان ، ولحروبه التي لا تنتهي، وللحب الضائع على الأوراق التي تتمزق. لأنها لم تصل ليد الحبيب بسبب الاختفاء او الموت. فالعناصر الدرامية تؤدي الأدوار وفق تكرار حركي مبني على مشهديات تؤلف فيلما يحاكي المشاعر الانسانية بالدمى والموسيقى التصويرية، والكلمة المغناة والإضاءة المتماشية مع الألوان الترابية الموحية بزمانية الحدث المجبول بالوجع والفراق والبعد والأجساد المتمزقة كالأوراق المتناثرة الحاملة كلمات حب شاعرية.
لعبت شخصيات الدمى المتحركة الأدوار لترافقها الألوان التعبيرية عن زمان ترافق بتأثيرات الحدث وأصوات تمزيق الورق ليتأثر السمع بالأصوات المتناسبة مع كل مشهد. الا انه اعتمد على التكرار في اكثر من مشهد داخل الفيلم الذي تتراوح مدته 11 دقيقة و15 ثانية، فالتقنيات الكلاسيكية في حركة الدمى لم تقدم اي جديد في حين ان الموضوع البسيط بمعناه، والعميق بكلماته الحب والحرب وما بينهما من علاقة قوية يحملها ربما مولود الى مستقبل مجهول الهوية، فالممرضة سيمون استطاعت منح اللمسة الاخيرة من الحب لكل جريح في معركة قضى فيها الكثير من الجنود، فهل يكفي الحب ليعم السلام؟ 
فيلم لم يقدم الحلول. انما عرض بجمالية عاطفة امرأة او نساء كتبن رسائلهن بتؤدة منها ما بقي، ومنها ما تمزق، ومنها ما بقى قي ذاكرة المشاهد، فالصوت حمل رومانسية وهدوء وأداء أتقن المخرج دمجه مع المراحل التسلسلية وحتى الذي تكرر منها ، فالفيلم هو من نوع الدمى المتحركة او بالفرنسية ( Puppet Animation) وهذا النوع من الافلام الكلاسيكية يعتمد على حركة الدمية المؤدية وصعوبة الرؤية السينمائية لها بوصفها كلاسيكية تم تقديمها بأسلوب معاصر لم يتخل عن الاسلوب القديم. الا من خلال العتمة والضوء، ومنح الصورة الاتساع الكامل. لتكون الدمية هي بمثابة البؤرة الاساسية او البطولة في فيلم Women’s Letters)) او بالفرنسية ( Lettres de femmes) ومن خلال العنوان نلمس العنصر النسائي وأهمية الحب الذي تمنحه المرأة في الحياة لكل من حولها ان للحبيب او لمولودها او لمرضى تداوي جروحهم، فالحب المتناقض مع الحرب هو الكل من جزء لان الحروب لن تنتهي والحب لن ينتهي، والمسار بين الاثنين هو بمثابة الحدث الاهم في الحياة . صوت طبيعة ، صوت خطوات وحفيف أوراق، صوت امراة تقرأ. تأثيرات سمعية تؤثر على وجدان المتلقي. لترتسم التعابير على الوجوه، كما تترسم على الدمى او على الجنود من الورق في ارض ترابية تعصف فيها الطبيعة الغاضبة.
الفيلم الفرنسي Women’s Letters) ) إخراج ( Augusto Zanovello) من الأفلام المشاركة بمهرجان طرابلس للأفلام 2014.
__
*المدى

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *