ألفة يوسف: ما يفعله القرضاوي استنساخ رديء


حاورها : ساسي جبيل *

( ثقافات )


تقف الدكتورة ألفة يوسف صاحبة المؤلفات الغزيرة والمواقف الفكرية والتأويلات الدينية المختلفة مع السائد في الكثير من الأحيان، على مسافة من الجميع، لكن ذلك لم يمنعها اليوم أن تبقى سجينة بيتها في تونس بسبب وجود حراسة خاصة بها، وتهديدها بالقتل من قبل الجماعات الدينية المتطرفة، لكنها رغم كل ذلك تكتب وتفكر وتصنع الحياة على طريقتها.

المسلمون حنطوا تراثهم وتاريخهم وقدّسوا السابقين خلافاً لأسلافهم

مدرسة الفقه تكلست حتى أصبح الإسلام يُلخّص في قائمة من الأوامر والنواهي

في هذا اللقاء نطرح معها بعض القضايا التي باتت تشغل بال المثقفين ورجال السياسة في الوقت الذي يتواصل فيه نزيف الدم العربي والإرهاب الذي يقلق مضجع خير أمة أخرجت للناس، ومن المؤسف أنه باسم الدين وتحت غطائه أصبحت الأمور تدبر بليل، وترسخ فكرة أصبحت يقينا عند أغلبية الملاحظين والدارسين للراهن العربي، وهي أن بعض شيوخ الدين والفتنة باتوا بفتاواهم ورؤاهم يروجون للموت قبل الترويج للحياة.

من سجنها الاضطراري تحدثت الدكتورة ألفة يوسف لتقول: لا للإرهاب الفكري، لا للإرهاب الدموي، نعم للاجتهاد والتأويل والحب والحرية. 

قضايا المرأة

◆ ما الأسباب الكامنة وراء حرصك على تناول قضايا المرأة في الخطاب الثقافي الفكري في الوطن العربي؟

◆◆ تناول قضايا المرأة ليس مستقلا عن تناول قضايا الرجل ومن ثم قضايا المجتمع عموما. ربما كان مدخل المرأة مفيدا أكثر لإحالته على تصور عام (ليس عربيا إسلاميا فحسب) يقوم على اعتبار الرجل طراز الإنسان بما يجعل المختلف أي المرأة لافتا للانتباه، وهذا ما يفسر وجود سورة النساء في القرآن الكريم رغم أن ما فيها من أحكام لا يخص المرأة وحدها بل المرأة في علاقتها بالرجل. ولا ننسى أن أول (غَيْر) يتعامل معه الإنسان ذكرا كان أو أنثى هو الأم، وهذا ما يفسر عمق علاقتنا بالأنثوي وفق اللاوعي مثلما بينه التحليل النفسي.

هل تخلص الخطاب العربي اليوم من المخيال التقليدي الذي يسطر أكثر أطروحاته، وما الحلول الكفيلة للخروج به من هذا الضيق والانحسار؟

◆◆ يحاول الخطاب العربي أن يتخلص من المخيال التقليدي لكن هذا الأمر ليس سهلا ولا يمكن أن يتحقق بالالتفات عن الجذور التقليدية والإعراض عنها مطلقا. نحن في حاجة إلى محاورة تراثنا وإلى تفكيكه ذلك أنه لا يمكن لأمة من الأمم أن تنكر مخيالها مهما تنوعت روافده ولا يمكنها الدخول في الحداثة إلا بإعادة قراءته من منظورنا الحديث، وهذا ما قام به الغربيون وما حاول بعض العرب القيام به شأن محمد عابد الجابري أو نصر حامد أبو زيد وغيرهما. غير أن تلك المحاولات بقيت للأسف محاولات فردية وجزئية. ومع ذلك أظل متفائلة بإمكان دخول البلدان العربية في الحداثة الفكرية لسببين. أولهما أننا اليوم نعتمد الوسائط الحديثة، وهي تؤثر بالضرورة في تمثلاتنا ورؤانا سواء أوعينا ذلك أم لم نعِ. والسبب الثاني هو أنه كلما زادت قوى الشد إلى الوراء دلّ ذلك على خوفها وفزعها من انتشار التمثلات الحديثة. فمن الشائع أن الظواهر في طريقها نحو نهاياتها أو إعادة تشكلها إنما تقاوم مقاومة شرسة أخيرة. وهذا ما يحصل اليوم في كثير من البلدان العربية المسلمة.

تراجع دور النخب

◆ لماذا تراجع دور النخب داخل المجتمعات العربية اليوم؟

◆◆ لسببين. الأول عام وهو أن وسائل الاتصال الحديثة ولا سيما شبكات التواصل الاجتماعية مكنت كل شخص من أن يكون هو منتجا للفكرة مهما تكن قيمتها، فتراجَع الكتاب والمكتوب عموما بصفته كان المحدد الوحيد لصاحب السلطة المعرفية دونا عن سواه. بل أكثر من ذلك أصبح كل شخص قادرا على أن ينشر فيديو من موسيقى أو شريط قصير أو مجرد محادثة ويمكنه أن يصل بذلك إلى قدر كبير من الناس. أما السبب الثاني، فخاص، وأساسه أن بعض النخب لم تفهم بعد ضرورة أن تعمد هي بدورها إلى وسائل الاتصال الحديثة للتفاعل مع الناس. لا يعني هذا فقدان الكتاب أو الموسيقى أو الشريط السينمائي إلخ… قيمته، لكنه يعني أن على هذه المظاهر الثقافية كلها أن تذهب إلى المتلقي وأن تحسن تسويق أعمالها وأن تحاول التعبير عما يخالج عموم الناس. واليوم أكثر من أي وقت مضى على النخب أن تتخلى عن وهم التفوق وأن تخرج من انغلاقها وأبراجها العاجية لتتواصل مع الناس في زمن كثرت فيه محامل التواصل وعز التواصل الصادق.

◆ اتهمك كثير من شيوخ الدين بأنك في (حيرة مسلمة) طعنت في عدالة الصحابة من خلال إشارتك إلى انزعاجهم واستنكارهم لكلام الله المتعلق بمسألة ميراث المرأة، ماذا تقولين لهؤلاء؟

◆◆ ليس هناك بشر معصوم من الخطأ. طبعا تتنوع الأخطاء بين صغائر وكبائر ويختلف تأثيرها وتقييمها. ولكن لا يمكن أن ننكر أن الله يقر في القرآن الحكيم أنه قد ألهم النفوس جميعها الفجور والتقوى: “ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها”، وهو عزّ وجلّ في قرآنه الحكيم يؤكد أن الأنبياء أنفسهم أخطؤوا، وما معاتبته الرسول عليه الصلاة والسلام (في مسألة الأعمى ومسألة سعيه إلى رضا زوجاته) وما توبته تعالى عن آدم وما استجابته ليونس إذ أكد أنه من الظالمين وما توبته عن موسى بعد مطالبته الله برؤيته إلخ… إلا دليل على ذلك. هذا بالنسبة إلى الأنبياء فما بالك بالصحابة، وهم بشر لا شك أن لهم خصالا كثيرة وأن عددا كبيرا منهم مبشر بالجنة، ولكن هذا لا ينفي أنهم غير معصومين من الخطأ. والأهم من هذا كله أني لم أعرض للمسائل من منظور تقييمي، فأنا بشر لا يمكن أن أحكم على الآخرين مهما كانوا ولا يمكن أن أرميهم بحجر وأنا الخطّاءة مثلهم. كل ما قمت به هو أن نقلتُ ما ورد في كتب التراث من أحداث تاريخية. أنا لم أكن حاضرة في تلك الفترة واستندت إلى كتب التاريخ والتفسير والفقه التي أوردت الخبر الخاص بتحفظ الصحابة إزاء حكم القرآن في الميراث. وهنا يمكن أن يُطرح سؤالان دالان، الأول هو: ما الذي جعل القدامى لا يتحرجون من نقل هذه الحادثة في حين أن المحدثين أصبحوا يقدسون الصحابة؟ وتساؤلي هذا يتجاوز هذه الحادثة إلى أخبار أخرى لم يكن القدماء يتحرجون منها في حين يحاول المحدثون تجنب الخوض فيها أو يتعاملون معها من منظور دفاعي شأن زواج الرسول من زينب بنت جحش زوجة ابنه بالتبني أو نزول القرآن الكريم على الرسول بالمعنى دون اللفظ وسواهما من المسائل التي يتعامل معها القدامى بيسر ورحابة صدر ويتعامل معها المحدثون بقلق وحرج. أما السؤال الثاني فهو متصل بموقفنا من تاريخية القرآن. فما الذي يزعج في تحفظ للصحابة على إعطاء المرأة نصف الميراث في مجتمع لم يكن يورث إلا من يعمل في المال ويقوم عليه؟ موقف الصحابة عادي يؤكد انغراسهم في حوضهم الثقافي والمعرفي ويبين مدى ثورية القرآن في تمكينه المرأة من نصف الميراث. وأنا أعدّ هذا النصف حداً أدنى لا حداً أقصى مثلما ذهب إلى ذلك الأستاذ يوسف الصديق.

الاستنساخ الردي

◆ يقول الدكتور يوسف القرضاوي أنه من المساهمين في تطوير الفقه الإسلامي لينسجم مع روح العصر ما رأيك في هذا؟ 

◆◆ ما يفعله القرضاوي وأمثاله مجرد استنساخ رديء لما كان يفعله الفقهاء سابقا، ذلك أن الفقهاء كانوا في استنباطهم للأحكام متفاعلين مع سياقهم وبيئتهم شأن الشافعي الذي اختلفت أحكامه بين العراق ومصر. وأنا أعتقد أن أبا حنيفة، مثلاً، متلائم مع روح عصرنا أكثر من القرضاوي. ومن جهة أخرى، فإنه من الغريب أن تصبح الفتاوى مجرد استجابة لمصالح سياسية وتجاذبات مادية. هل من مقاصد الدين أن يفتي البعض بالقتل والدمار واستباحة الدماء والأعراض؟ هل من مقاصد الدين التغرير بشباب جاهل في جلّه وإيهامه أن في قتل سواه جهادا ومدخلا إلى الجنة؟ إن أكبر مصيبة حلت بالعالم الإسلامي أن بعض “شيوخ الدين” يريدون أن ينشئوا كهنوتا في الإسلام الذي يقوم على غياب الوساطة بين الإنسان وربه. ويا ليته كهنوتا يسعى إلى تقريب روح الإسلام ومقاصده وأخلاقه من شعوب أمّية جاهلة متخلفة في جلها، إنه كهنوت يريد أن يتاجر باسم الدين وأن يبيع اسم الله تعالى لمن يدفع أكثر. ولا يهم إن كان الثمن آلاف الأرواح البريئة التي تُزهق وآلاف المغرر بهم الذين يُزج بهم في معارك وحروب لا معنى لها سوى مزيد من تكديس الأموال في جيوب المفتين من جهة وتمكين القوى الاستعمارية من مص دماء العرب المسلمين أكثر فأكثر… ماذا أقول للقرضاوي وسواه؟ أقول إنه إن كان يعلم أن ما يفعله تجارة بالدين فتلك مصيبة وإن كان لا يعلم فالمصيبة أعظم. يا ليتنا نحاول التحلي ببعض من أخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن يبدو أن إغراء المال والسلطة أكبر. وسأصدق هؤلاء الشيوخ عندما أراهم يرسلون أبناءهم هم إلى القتال لا أبناء الفقراء والسذج المغرر بهم.

غياب الاجتهاد

◆ ما هي برأيك أسباب غياب الاجتهاد في المنظومة الدينية الإسلامية اليوم؟

◆◆ من مشاكل المسلمين أنهم حنطوا تراثهم وتاريخهم وقدسوا السابقين وكأنه ليس بالإمكان أحسن مما كان، وكأن كل ما قاله السابقون حقيقة مطلقة، وذلك خلافا لأسلافنا الذين كانوا يتحاورون ويتجادلون في كل المسائل والقضايا. ويكفي أن نعود إلى الكتب القديمة لنُصعق بالفرق الكبير بين ثقافة الحوار المنفتح على كل الإمكانات بين القدماء من جهة وانغلاق المحدثين عن أي إعمال للنظر والفكر بل تحويلهم ما قاله السابقون إلى أصنام تُعبد. إن خطأ بعض المتأسلمين اليوم، يتمثل في عبادتهم لاجتهادات القدماء ناسين أنها شأن كل عمل بشري اجتهادات بشرية متصلة بذوات أصحابها وسياقهم التاريخي. وبعبارة أخرى، فإن هذه الاجتهادات على قيمتها المعرفية والفكرية لا تمثل حقيقة مطلقة بل محاولات نسبية. إن الاجتهاد يجب أن يظل مفتوحا ما بقي البشر وبقيت الحياة، لكن البعض يريدون إقصاء الفكر والعقل من الإسلام حتى يجهّلوا الشعوب ويحكموا سيطرتهم عليها باسم الدين، وهؤلاء هم من يرفض الاجتهاد أو يجعله حكرا على أنفسهم فحسب. وها نحن نرى أن المسلمين تخلفوا اقتصاديا وعلميا وسياسيا إلخ… من زمن تخليهم عن الاجتهاد وتعويضه بما أسميه الكهنوت الإسلامي الجديد.

القتل باسم الإسلام

◆ لماذا باتت صورة الإسلام اليوم مرعبة ومخيفة؟ وهل أن نخاف على الإسلام أم على المسلمين؟

◆◆ اتصال الإسلام بالسياسة بكل ما فيها من مصالح وحسابات أحيانا هو ما جعل الديني الروحاني يتراجع وهو ما جعل البعض يبررون العنف والاعتداء على الآخر والقتل باسم الإسلام والإسلام منهم براء. يجب أولا أن نفصل الإسلام عما يفعله به أهل السياسة أو بعضهم، ويجب أن نضع في الصدارة بُعد الإسلام الروحاني العميق. أقول دائما إن في تراثنا مدرستين مدرسة الفقهاء ومدرسة المتصوفة، ومن المؤسف أن مدرسة التصوف بكل ما يمكن أن تحمله من أبعاد وآفاق قد ضمرت في مقابل ازدهار مدرسة الفقه وتكلسها مع الزمن حتى أصبح الإسلام يُلخص في قائمة من الأوامر والنواهي، في حين أنه الدين الذي يقدم مشروع حياة مؤمنا بالفرد وحريته ناشدا طمأنينته وسكينته. 

ولعل أكثر ما يزعجني أن الصورة العنيفة التي قدمها البعض عن الإسلام قد أغرت بعض شباب المسلمين بالابتعاد عن التدين وأغرت البعض الآخر باعتناق أديان أخرى. إن علينا اليوم أن نتباحث في شأن الإسلام واعين بأن آيات الأحكام في القرآن جزء يسير منه، فلماذا نركز عليها ونضرب صفحا عن الجوهر الأخلاقي الروحاني؟ 

هل نحتاج اليوم إلى تفسير متجدد للقرآن الكريم (وهو الحمّال لأوجه) كما قال الإمام علي بن أبي طالب؟

◆◆ كلام الله سبحانه وتعالى في حاجة كل لحظة إلى قراءته والتأمل فيه. فكرة التفسير من الفِكَر التي حبست النص الديني وأغلقته ضمن وصفات جاهزة توهم بأن المعاني محدودة ومنتهية في حين أن الأمر غير ذلك. إن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الحكيم: “أفلا يتدبّرون القرآن، أم على قلوب أقفالها؟”. وأعتقد أن استعمال فعل “تدبّر” هنا هام جدا لأن التدبّر ليس تفسيرا منغلقا ولكنه قراءة متجددة بتجدد الحياة ذاتها. الإنسان متحول، والزمن متحول، والمكان متحول، والقرآن يحتوي ثراء دلاليا لا ينتظر إلا أن نفتح عقولنا وقلوبنا حتى نبلغ بعض درره. إن الاختلاف هو جوهر حياتنا، والله تعالى يؤكد أن هذا الاختلاف عادي، ويؤكد أنه سينبئنا يوم القيامة فيما اختلفنا فيه: “إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون”. أرى أنه ليس هناك تفسير قديم أو حديث، ولكن هناك تدبّر قلبيّ عقليّ لكلام الله ممتد عبر الزمان والمكان.

التعدد والحجاب 

◆ ما رأيك في منع تعدد الزوجات في تونس، وهل ينسجم ذلك مع الدين الإسلامي وما جاء به القرآن؟

◆◆ أعتقد أن تعدد الزوجات شأنه في ذلك شأن الرق هو من الممارسات الموجودة في المجتمع بصفتها مؤسِسة لنسيجه الاجتماعي. ويعسر إلغاء هذه الممارسات دفعة واحدة بل لعل ذلك يستحيل. إن القرآن والحديث لم يلغيا الرق وتواصل العمل بمنظومة الرق مدة قرون في البلدان المسلمة حتى كانت تونس أول بلد يلغي الرق سنة 1846. وكذا الشأن بالنسبة إلى تعدد الزوجات فقد كانت تونس أول بلد ألغى العمل به سنة 1957 عند صدور مجلة الأحوال الشخصية. وما لا يعرفه الكثيرون أو يتجاهلونه أن هذا الإلغاء لم يكن إلا اجتهادا في النص الديني على أساس أن الله تعالى اشترط العدل في الزواج بأربع وأكد بصريح العبارة استحالة العدل بين النساء ولو حرص الأزواج. “ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم”. ورغم أن المفسرين القدامى حددوا استحالة العدل المنصوص عليها في القرآن بأنه العدل في المشاعر والأحاسيس لأن القلوب بيد الله عز وجل، فإنه لا وجود لأي تخصيص في القرآن. وهؤلاء تعسّفوا على معنى العدل الذي ذكره الله تعالى عاما ليضيّقوه دون أي قرينة. ومن جهة أخرى، فأنا أعتقد أن العودة إلى الآية الثالثة من سورة النساء تؤكد أن شرط إباحة الزواج بأربع متصل بعدم الإقساط في اليتامى. “وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع”. وهذه الآية تحيل على من خشي من الأولياء عدم العدل في اليتامى فنكحهن بأدنى من صداقهن. وقد فسرت السيدة عائشة رضي الله عنها الآية بهذا المعنى. ومؤسسة الولاية أصلا لم تعد موجودة. وأنا أعتقد أن رفض الرسول عليه الصلاة والسلام زواج علي بن أبي طالب بزوجة أخرى سوى السيدة فاطمة رضي الله عنها دليل على أن الأصل في الزواج ليس التعدد. وفي القول حجج أخرى فصلتها في كتيّب: في تعدد الزوجات.

هل أن الحجاب واجب ديني أم هو أمر اختياري؟ وهل في الأمر دليل أو مستند شرعي؟

◆◆ مسألة الحجاب أيضا فيها قراءات متعددة جمعتها في كتيّب بعنوان: في الحجاب. وفق قراءتي التي بينتها وأتحمل مسؤوليتها أمام الله سبحانه وتعالى الحجاب ليس فرضا. ولكني أعتبر أن من تراه فرضا هي حرة أيضا في قراءتها، وهذا معنى أن جوهر الإسلام هو الحرية وأن الله سبحانه وتعالى وحده يحكم بين البشر.

من جهتي أعتقد أن إدناء الجلابيب متصل بالتمييز بين الإماء والحرائر، ولست أنا من قلت ذلك وإنما أجمع عليه المفسرون والفقهاء. وربما لا يعلم البعض أنه يحق للإماء الصلاة وصدورهن مكشوفة على أساس أن عورتهن مثل عورة الرجال. كما أعتقد أن الله تعالى في سورة النور قد ترك الظاهر من الزينة غير محدد ولا يمكن أن يكون ذلك إلا عن حكمة لأن ما يصح أن يظهر من الزينة هو أمر متحول بتحول المجتمعات والأزمنة. كان يمكن أن يذكر الله سبحانه وتعالى تغطية الشعر بصفة مباشرة ولكنه عزّ وجلّ لم يفعل. ولا يمكن أن يكون ذلك إلا لحكمة عميقة. أما الأحاديث التي يُستند إليها لإثبات حجّية الحجاب فهي مرسلة ضعيفة وفق تصنيف المحدثين أنفسهم. وأتصور أن القيمة الكبرى التي أصبح يضفيها المحدثون على حجاب المرأة تندرج في إطار الإيهام بالسيطرة على الأنثوي. إن حجاب المرأة إهانة للرجل لأنه يصوره على أساس أنه ضعيف عاجز لا يمكنه التحكم في غرائزه. فكيف يكون كذلك ويكون محترما وفاعلا بل قواما إذا كان هو المنفق؟.

العلمانية الدينية!

◆ تصنفين نفسك كعلمانية دينية، لو فسرت لنا هذا التصنيف، وهل من علاقة بين الديني والعلماني؟

◆◆ عادة لا أستعمل مصطلح العلمانية لأنه مصطلح أسيء فهمه لدى المسلمين لا سيما أن الإسلاميين وسادتهم قد شوهوه قصدا ليتمكنوا من حكم الدول العربية واستغلال ثرواتها عبر عمالة الحكام المتأسلمين. أفضل القول إني مسلمة وأنشد الإيمان. وقد بينت في كتابي: “شوق” الفرق بين الإسلام والإيمان، فمثلما قال القدامى: “كل إيمان إسلام لكن ليس كل إسلام إيمانا”. الإسلام سهل والتجارة بالدين أسهل أما الإيمان بما فيه من عمق فردي وطريق وعرة قاسية وتجربة روحانية فإنه عسير لأنه يدخل القلوب ولا يحتاج إلى مظاهر شكلية أو مزايدات أو ادعاء بأن فلانا أقرب إلى الله من فلان. الإيمان جوهره التواضع والإسلام جوهره أوامر ونواه.

لماذا تمتعض المرأة اليوم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ناقصات عقل ودين)؟

◆◆ ليس من الضروري أن تمتعض المرأة من هذا الحديث، وإن كان من امتعاض بل ثورة لازمة فهي على مَنْ يسيء مِن المحدثين فهم هذا الحديث وتوظيفه. إن هذا الحديث يمكن أن يوضع في سياقه الذي ضبطه القدماء، ولكنه يمكن أن يُقرأ أيضا قراءة حديثة نفسية مثلما حاولت تقديمه في كتابي: “ناقصات عقل ودين”. وهي قراءة تبين اختلاف الذكوري والأنثوي لا أفضلية أحدهما، وهي تؤكد أن الانشطار بين ذكوري وأنثوي هو من سمات البشر في مقابل وحدانية الإله ووحدته. إن الله سبحانه وتعالى لا يميز بين عباده إلا بالتقوى وحدها، وكل الأوهام القروسطية لأفضلية جنس على جنس آخر ليست إلا صنيعة ذكورية سلطوية لا علاقة لها بجوهر الدين الإسلامي.

الثورة والقتل 

◆ أنت مهددة بالقتل في تونس وعليك حراسة مشددة، فهل أن ما يسمى بالثورة التونسية جاءت لتقيم الحد على كل فكر مستنير؟

◆◆ الحق أن هذا التهديد بالقتل قد سبق ما يسمى “الثورة”. ولكنه أصبح بعدها قابلا للتنفيذ بحكم انتشار السلاح في البلاد والانفلات الأمني. وهذا ما يفسر أني أحيا تحت حراسة مشددة منذ سبعة أشهر. وليس تهديدُ مفكر أو كاتب مستحدثا في بلاد المسلمين فلا ننسى أن فرج فودة قد اغتيل وأن نجيب محفوظ قد طُعن وأن عددا كبيرا من الكتاب على قوائم الاغتيال. إن هؤلاء المجرمين لا يعرفون أن الفكرة لا يمكن أن تُقتل، أما الموت فإنه حق علينا جميعا نحن البشر. ولا يموت أي شخص إلا إذا حضرت ساعته فلا يزيد دقيقة ولا ينقص. ويبدو أن هؤلاء المجرمين لا يعرفون أيضا أن القتل هو أكبر الكبائر ولا يعرفون أن الله تعالى هو وحده العالم بمن ضلَّ ومن اهتدى. ألم أقل لك من البداية إنهم قوم لا علاقة لهم بالإسلام؟ 

◆ في كتابك الصادم للثقافة التقليدية (وليس الذكر كالأنثى) كنت جريئة أكثر من اللزوم، فهل نحتاج اليوم إلى مثل هذه القراءات في المسكوت عنه؟

◆◆ لا أعرف معنى جريئة “أكثر من اللزوم”، فهل هناك حد للتفكير والمعرفة؟ هذه الحدود لا تجدها إلا عند العرب المسلمين اليوم، فحتى السابقون كانوا أكثر منا تفتحا. هذا الكتاب عرض لمسألة الهوية الجنسية انطلاقا من واقع الممارسات الجنسية ومن الاستعمالات اللغوية المحيلة عليها أي انطلاقا من تمثلنا الثقافي للجنسي. وحاول الكتاب أن يفسر الأسس اللاواعية لهذا التمثل استنادا إلى التحليل النفسي. صحيح أن الكتاب لاقى انتقادات عنيفة، ولكنه لاقى أيضا ترحيبا ورواجا لدى القراء. وهذا يؤكد أن الشعوب أو بعضها على الأقل مستعد لتكسير التابوهات والمحرمات. ولن نستطيع أن نتحرر وأن نشفى من عقدنا إلا إذا تحدثنا في المكبوت وأشبعناه بحثا وتحليلا.

المثال التونسي

◆ ماذا قدم الزعيم التاريخي الحبيب بورقيبة للمرأة التونسية، وهل استطاعت مجلة الأحوال الشخصية التونسية أن تجعل المرأة التونسية منسجمة مع دينها الإسلامي؟ 

◆◆ الزعيم الحبيب بورقيبة قدم الكثير لتونس عموما وللمرأة التونسية خصوصا. وعندما نقول الزعيم الحبيب بورقيبة فإننا نحيل على بعد أعمق من الفرد ذلك أن بورقيبة يندرج ضمن الفكر الإصلاحي التونسي، الذي يشمل الطاهر الحداد وسالم بوحاجب وعبدالعزيز الثعالبي وسواهم. لكن بورقيبة استطاع أن يحقق التغيير الفعلي عبر القوانين التي لم تنصف المرأة وحدها وإنما أنصفت الأسرة عموما. صحيح أن المخيال الاجتماعي بتونس ظل متأخرا بالنسبة إلى قوانين مجلة الأحوال الشخصية، لكن التفاعل والعلاقة الجدلية بين القانون والواقع ساهمت في تطوير وعي النساء والرجال. ولولا ذلك لما استطاع المجتمع المدني التونسي برجاله ولكن خصوصا بنسائه أن يتصدى للمشروع الإخواني الأفغاني في تونس. إن بورقيبة يقول إنه أنشأ منجزات صلبة يعسر هدمها ولعل أكثر هذه المنجزات صلابة هي المرأة التونسية المعتزة بأفكارها واختياراتها. وجلّ نساء تونس المسلمات نافذات إلى مقاصد التشريع واعيات بأنه بقدر ما أنصف الله تعالى المرأة وأعزها، يحاول المتكلمون باسمه إذلالها واستعبادها. فالمرأة التونسية متصالحة مع الإسلام وأبرز دليل على ذلك وقوفها مثل الشوكة في حلق المتاجرين بالدين.

ألفة يوسف في سطور 

ألفة يوسف كاتبة ومؤلفة وناقدة ومفكرة تونسية، ظهر نبوغها المبكر منذ أن أصبحت أصغر أستاذة جامعية في تونس منذ عقدين ونيف، وهي أكاديمية مختصة في اللغة العربية واللسانيات، وتعتبر اليوم من أبرز الأسماء الفكرية النسوية في تونس والوطن العربي، لما تتمتع به من جرأة في الطرح وتناول للمسكوت عنه. 

شغلت الدكتورة ألفة يوسف منصب مديرة المعهد العالي لإطارات الطفولة بقرطاج، ومديرة عامة للمكتبة الوطنية التونسية، ولكنها قدمت استقالتها منها على خلفية اقتناعها بأنه لم يعد بإمكانها مواصلة الاضطلاع بمهامها في جو مشحون بالفوضى والتمرد الإداري، وذلك إثر ما يسمى بثورة 14 يناير 2011 في بلادها.

تناولت في أطروحتها العلمية للدكتوراه موضوع «تعدّد المعنى في القرآن» رابطة بين اللساني والديني.

قدمت العديد من البرامج التلفزيونية المتعلقة بالكتاب أساساً، وعملت في منصب أستاذة مساعدة بالجامعة التونسية منذ 1989، ثم أستاذة جامعية في 1992، وأستاذة محاضرة منذ 2002 بكلّية الآداب والفنون والإنسانيّات، وأستاذة منذ أكتوبر 2007 بالمعهد العالي للّغات بتونس. درّست اللّسانيّات والأدب والحضارة لطلبة المرحلة الأولى والثّانية والثّالثة. أطّرت عديد الطّلبة في مذكّرات البحث وشهادات الماجستير، وكانت عضوا في لجان الماجستير والدّكتوراه والتّأهيل الجامعيّ.

رفدت الساحة الفكرية بالعديد من المؤلفات التي أكسبتها شهرة واسعة، وأثارت جدلاً كبيراً في مختلف الأوساط الثقافية داخل تونس وخارجها

ومن أهم مؤلفاتها:

نساء وذاكرة (مؤلف مشارك، تونس 1992).

بحوث في خطاب السّدّ المسرحيّ (مؤلف مشارك، تونس 1994).

المساجلة بين فقه اللغة واللسانيّات (تونس 1997). 

الإخبار عن المرأة في القرآن والسّنّة (تونس 1997).

تعدّد المعنى في القرآن (تونس 2003).

ناقصات عقل ودين (تونس 2003): مقاربة نفسيّة لبعض أحاديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم. 

حيرة مسلمة: في الميراث والزّواج والجنسيّة المثليّة (تونس 2008).

شوق.. قراءة في أركان الإسلام (تونس 2010).

سلسلة بعنوان «والله أعلم» (تونس 2012).

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *