
*مرفت عمارة
بينما توشك الكاتبة البريطانية هيلاري مانتل علي إعادة صياغة روايتها “وولف هول” لعرضها علي خشبة المسرح، أجري معها تيم آدم حواراً نشر في “الأوبزرفر” تحدثت خلاله حول الترتيبات المعتادة قبل كتابة رواياتها. مانتل، التي تعتبر أول أديبة تفوز بجائزة البوكر مرتين، تحكي في الحوار كيف حفز المرض والمورفين قدرتها علي تعقب قاتل مارجريت تاتشر، وعلاقتها بكتابات شكسبير، كما تحكي عن كتابها “وولف هول” والذي يتناول علي عدة أجزاء شخصية توماس كرومويل، السياسي الإنجليزي في بلاط هنري الثامن.
*ما مدي سهولة إنجازك الأخير في إعادة صياغة “وولف هول” و”استحضار الأجساد” بالنسبة لك؟
أنا شخص غاية في الحذر والتأني، اعتدت علي تدوير وإعادة صياغة الأشياء في صمت وفي الخفاء داخل ذهني لساعات وساعات، وبالنسبة للمسرح ليس هناك شيء من هذا القبيل، فحين كنت في إحدي البروفات ويتم طرح سؤال، يجب أن تستحضر الإجابة علي الفور، لديّ حرفة التشكك في نفسي، لذا فأن أكون عفوية هذا أمر جديد عليّ تماماً.
*هل شعرت بشيء من التشابه مع ممثلين خاضوا مخاطرة استحضار شخصيات من أمثال توماس كرومويل وهنري الثامن وغيرهما إلي الحياة؟
- قد تتعجب إذا قلت نعم راودني ذلك الإحساس فأنا دائما أكتب من منظور المشهد، و من أجل إعداد أحد أكبر المشاهد في سلسلة روايات كرومويل، علي التأهب لعدة أيام قادمة، بالخوض داخل كل ملاحظاتي وجميع مصادري قبل الغوص داخل الكتابة، في تلك اللحظة ألتزم بالكتابة كما لو كنت سائرة علي خشبة المسرح، كل أحاسيسك تدب فيها الحياة، ويتحول الأمر كما لو كنت تصغي بأذنيك لصوت الترانيم.
*متي بدأ افتتانك بالمسرح؟
لم تكن لي خلفية مسرحية علي الإطلاق، المرة الأولي التي ذهبت فيها إلي ستانفورد كانت في صيف عيد ميلادي السادس عشر بصحبة اثنين من أصدقائي بالمدرسة، نظمنا أنفسنا بحيث نحضر عروض أربع مسرحيات خلال ثلاثة أيام، فيما بعد تحول ذلك إلي حدث كبير في حياتنا، لكن فكرة أن يخطر علي بالك وأنت ذاهب إلي ستانفورد أنك ذاهب إلي العمل، فهذا إحساس رائع للغاية.
*هل وجدت نفسك عائدة نحو تاريخ مسرحيات شكسبير حين راودتك فكرة ذلك العمل؟
-اكتشفت شكسبير بنفسي حين كنت في العاشرة، لم يخبرني أحد إنه صعب لذا لم أعتقد أنه كذلك، قراءة شكسبير دائما لها متعة خالصة، لكن الطريقة التي لعب بها التاريخ دوره ليست بالكيفية التي نتناول فيها التاريخ حاليا، يقول لي الناس أحيانا: “لماذا تصنعون صنما من الحنكة والدقة المسرحية؟
وهو ما لم يفعله شكسبير، إجابتي كانت دائما ببساطة : أنا لست شكسبير”، فهو يستطيع الإفلات بأي شيء.
* كتبت ثالث رواية في ثلاثيتك “المرأة والضوء” التي يتقمص فيها الممثل بن مايلز دور كرومويل علي المسرح، هل غيرت مراقبته وجهة نظرك تجاه شخصيته التي أبدعتها؟
- لا، في ذهني كرومويل يطمس الطاقة، فهو يتحرك طوال الوقت، وصورته في رأسي تشبه تلك التي أحسها نحو الأصدقاء والعائلة، وجودهم يكمن في طاقتهم، وليس في مجموعة من الخصائص الفيزيائية.
* حين كنت تعملين في أول كتابين كنت في معظم الأحيان تعانين قدرا كبيرا من الألم، بسبب ظروف صحية مرتبطة ببطانة الرحم، مما أدي لبقائك بالمستشفي فترة طويلة في سنة 2010، كيف أثر ذلك علي كتاباتك؟
-الفترة التي أمضيتها بالمستشفي وقعت بين تأليفي كتابين، لقد عانيت من الألم طوال حياتي، لكن لا يجب القول إن ذلك كان مصدر إلهام لكتاباتي، بالتأكيد سنة 2010 كانت فترة غريبة، وبالرغم من ذلك فزت بالبوكر عن “وولف هول”، في نفس الوقت دخلت في دوامة عمليتين جراحيتين كبيرتين، كانت فجوة مقتطعة من الزمن، وحين وصلت إلي كتابة “استحضار الأجساد”، فعلت ذلك بطريقة عاصفة: كانت حقا غاية في السرعة، أعتقد أنه تم إعدادي عقليا في تلك السنة.
*في جزء من مذكراتك كتبت عن الوقت الذي أمضيته بالمستشفي، وأشرتِ إلي الفترات المتتابعة من الهلوسة، قادتك مباشرة إلي مجموعة قصص سوف تخرج إلي النور في وقت لاحق هذا العام تحت عنوان “اغتيال مارجريت تاتشر” هل ذلك صحيح؟
- نعم صحيح، تلك القصص بدأتها منذ سنوات وسنوات ماضية، ولم أستطع الانتهاء منها، الليلة الأولي كنت في مستشفي مشبع بالمورفين، ظللت طوال الليل أؤلف قصصاً، وأحد الأشياء التي حدثت أنني رأيت قاتلا، كنت أعرف بالتحديد من هو، لذا الجزء المفقود من تلك القصة تم إلقاؤه بعيداً داخل مكان ما، واختلقت قصصاً أخري أيضاً، لم أكن أنا، لقد أصبت بجنون مؤقت، كان شيئا ناجماً عن المخدرات، أنت ككاتب تجرب وتستخدم كل شيء.
* بالنظر إلي تجربة المورفين، هل استجبت لإغراء استخدام المخدرات لتحفيز الخيال من قبل؟ أو منذ ذلك الحين؟
-لا، تلك كانت المرة الوحيدة، مقابل كل فكرة مثمرة أعتقد هناك عشر أفكار زبالة، معضلتي لم تكن أبدا الأفكار، بل الوقت.
* هل أنتِ مسكونة بعمل لم يكتمل؟
-أعتقد أنه كلما زاد عمرك، تدرك أنك ستموت بينما لديك عمل لم يكتمل بعد، منذ فترة طويلة أعي لحقيقة أن حين تواتيك فكرة لا يعني ذلك استعدادك لكتابتها، أردت كتابة مجموعة كتب “توماس كرومويل” بمجرد بدء مسيرتي ككاتبة، وأخبرني أنه غير مستعد للظهور تحت الأضواء، ولم أكن مستعدة له.
* النجاح تأخر في حياتك المهنية، وأصبح ظاهرة؟
- لم أتوقع ذلك أبداً، إلا أنه برغم ذلك منحني سعادة كبيرة، لأنني رأيته استمراراً لما كنت أفعله، منذ الصفحة الأولي، والفقرة الأولي، كان الأمر مثل: “أوه، الآن كما ترين كل شيء فعلته كان يهدف إلي ذلك”، وأعتقد أن هذا العمل شيء يمكنني إنجازه ولا يمكن لأحد آخر القيام به، وإن بدا ذلك نوعاً من التبجح.
* الكتاب يغوص متعمقاً داخل زمن مختلف ومكان مغاير وبأساليب مختلفة، هل مازلت تعتبرينه معبرا عن ذاتك؟
- نعم، كلما كانت حقيبة الحواة لديك جيدة تبقي دائما موجودا في مكان ما، لكن الأمور لا تجري بطريقة واحدة، ليست الشخصية وحدها التي تتحول إلي مؤلف، بل أيضا المؤلف يصبح شخصية، ولا يمكنك وقف ذلك الاندماج في السراء والضراء.
*في الوقت الحالي حلت أو كادت تحل نهاية كرومويل، هل يمكنك تخيل الحياة بدونه؟
- ما يحدث هو، أن النهاية لاتكاد تلوح في الأفق، أنا لا أكتب مسلسلاً بالتتابع، لذا لا يمكنني إطلاقا تحديد أين أقف، أعرف أن لدي علي الأقل سنة أخري، بالرغم من أنني هذا الصباح كتبت جزءاً من الفصل الأخير، عندها أتوقع أن يحصل الكتاب علي حياة جديدة عدة مرات، أعتقد أنني منحت توماس كرومويل خمس سنوات، ثم عشراً، الآن لايمكنني حقا رؤية نهاية، أشعر بحالة نشاط حول الأمر كله، بالرغم من أنه لايزال في نظري مثل أول يوم من الكتابة، بكل ما فيه من إثارة.
_____
* أخبار الأدب