*كرم نعمة
عندما شكك عدد من الصحفيين بكفاءة المدير العام الأسبق لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” مارك تومسون، في أول يوم عمل له برئاسة تحرير صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية. قال لهم على “مهلكم!!” لا يمكن أن أوصف بغير الصحفي، ومن مَن؟ من زميل صحفي آخر.
أجابهم هذا البريطاني في أول مؤتمر صحفي له بعد تقلده رئاسة تحرير الصحيفة الأميركية قبل عامين تقريبا، بأن قدرته لم تتراجع على كتابة قصة إخبارية من 1500 كلمة خلال ساعة إذا لزم الأمر.
ويبدو هنا قياس تومسون لتأكيد التوافق بين الزمن المعطى وانجاز القصة الإخبارية بهذا العدد من الكلمات، وهو مقياس يوصف به الصحفي المتمرس وفق كل الأحوال.
ومناسبة هذا الاستدعاء ما أعلنته وكالة اسوشيتد برس هذا الأسبوع بأنها أوعزت لمحرريها بكتابة قصص إخبارية تتراوح كلماتها بين 300 إلى 500 كلمة في أفضل الأحوال، في محاولة لتطوير المحتوى عبر أخبار محررة بإحكام والتخلص من الاستطرادات الزائدة.
ووضعت خيار أن يصل عدد الكلمات إلى 700 عندما يتطلب الأمر تحقيقا موسعا وليس قصة إخبارية يومية.
ويرى بريان كاروفيلانو مدير التحرير في الوكالة التي تعد مصدرا لمئات الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية في الولايات المتحدة والعالم، إن خيار الاقتضاب أصبح ناجعا ويتناسب مع طبيعة تصميم الصحافة المقروءة اليوم، مستندا في ذلك إلى تغير سلوك القراء الذي لم يعد بوسعه العودة إلى الوراء وقضاء وقت طويل في التركيز على قصة إخبارية واحدة.
وهذا الخيار يتناسب أيضا مع تطوير محتوى القصة الإخبارية والتخلص من إصدار الأحكام في قصص إخبارية أطول مما ينبغي والتركيز على طبيعة الحدث.
ولنا ان نتخيل إن وكالة مثل اسوشيتد برس تنتج ألفي قصة إخبارية يوميا كيف سيتأثر المحتوى في كل قصة، عندما يعاد تحريرها بأحكام والتخلص من الإضافات الزائدة.
يمكن أيضا أن ندرج مجموعة أسباب تبرر النهج الجديد للوكالة الإخبارية، يقف في مقدمتها “القارئ الرقمي” المتابع لسلة الأخبار على جهازه المحمول الذي لم يعد راغبا ولا قادرا على متابعة قصص طويلة، في وقت تبرز أمامه خيارات متعددة.
وتبدو أيضا فكرة الاقتضاب في تقديم محتوى الأخبار عاملا مساعدا في التنافس مع ما تقدمه وسائل التواصل الاجتماعي من قصص يتسيدها “المواطن الصحفي” وهو يطلق إنتاجه من على قارعة الطريق أو من على كرسيه في المقهى أو من الحافلة.
إدارة التحرير في اسوشيتد برس تدرك أيضا إن المحرر سيقدم قصة محكمة في 500 كلمة معتنى فيها أكثر من تقديم نفس القصص بعدد أكثر من الكلمات.
بعد ذلك هل يمكن أن نتناسى إن السبب الحقيقي في التوجه نحو الاقتضاب يكمن في التنافس المتصاعد بين الرقمي والورقي.
هل تبقي الصحافة الورقية على طبيعة محتوى لم يعد يتناسب من رغبة الجمهور، هل يمكن لهذه الصحافة أن تعيد قصص بائتة في طبعتها الورقية سبق وان اشتغل عليها مطبخ الصحافة الرقمية في ليلة سابقة وهضمها الجمهور.
يبدو لي إن قرار الاقتضاب التي تسلكه اليوم وكالة اسوشيتد برس صائبا في الجانب الأوسع منه، وهو واحد من الطرق في تطوير محتوى أصبح لا بديل عنه في اللحاق بصحافة الانترنت.
_____
*ميدل إيست أونلاين