الكتب قبل الحرب


*حسين درويش

كي أفهم لغز ما يجري في سوريا، منذ انطلاق الثورة في مارس 2011، أعود إلى كتب التاريخ السوري الحديث (رغم قلتها)، فأقع على ما هو مترجم، جلّه من إصدار دار رياض نجيب الريس، أو ما هو تأليف حاضر يرى الواقع بعين ليست عين الرضا. من بين الكتب، التي فرغت من قراءة فصول كثيرة منه (1021 صفحة)، كتاب «التكوّن التاريخي الحديث للجزيرة السورية: أسئلة وإشكاليات التحوّل من البدونة إلى العمران النظري»، لمؤلفه الباحث السوري، محمد جمال باروت، الذي يدرس من خلاله التكون الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي للجزيرة السورية، باعتبارها جزءاً من الإقليم التاريخي للجزيرة الفراتية.

وهو يقرأ هذه المنطقة بقبائلها، وعشائرها، وطوائفها، وتحالفاتها، وانفكاك هذه التحالفات، والهجرات إليها، والصراعات التي نشبت فيها أو على أطرافها، بين القبائل المختلفة، أو بين أبناء الديانات المتنافسة، والموازين الديموغرافية التي استقرت عليها.
حجم الكتاب وموضوعه لا يستهويان القراء العابرين، لأن هذه النوعية من الكتب ذات الصبغة البحثية التوثيقية، تضع القارئ أمام أسئلة استفزازية تتكرر طيلة أيام، ولا تحيله إلى استرخاء الرواية، ومتعة الشعر أو غيرهما من صنوف الكتابة، حيث تحضر أسماء قرى، وبلدات، وعشائر، وأعيان، وأشخاص، وألقاب، وأعراق، وأديان، ومذاهب وطوائف، والعشرات من المسميات والوثائق التي تفوق طاقة الفرد، وتتجاوزه إلى مؤسسات بحثية كبرى، تتصدى عادة لهذه الأعمال الموسوعية، وخاصة أنها تؤرخ لأحداث وتقلبات، مرت بها الجزيرة السورية، ليست تحت عين القارئ أو في ذاكرته هذه الأيام.
لماذا العودة لهذا الكتاب بعد مرور عام على صدوره، أعتقد أننا لو فهمنا تاريخ سوريا بكل مناطقها، جغرافياً، وعرقياً، لتجاوزنا تلك النظرة الطوباوية عن خلط الدماء في وعاء واحد، وذهبنا نحو مائدة فيها مختلف الأصناف من أعراق، وملل، وطوائف، لكل مذاقه ونكهته، لكنها جميعاً على مائدة واحدة، في بيت واحد هو سوريا.
شكراً جمال باروت لجهدك، حبذا لو نبش السوريون تاريخهم، لوفرا على أنفسهم نبش قبورهم، وقبور أسلافهم.
______
*البيان

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *