داليا بسيوني
يحظى معرض نيودلهي الدولي للكتاب، بمكانة فكرية وثقافية رائدة، على صعيد العالم أجمع. إذ إنه، وعلاوة على كونه يشكل حضناً ووعاءً نوعياً لثقافة العالم، إذ يقدم أحدث وأفضل المؤلفات الجديدة، فإنه يتسم برفعة برنامجه الفكري، وكذا أهمية ما يوفره من أجواء لقاء وتعاون بين الكتاب والقراء، وأيضاً بين الناشرين والمؤلفين.
وفي العموم، تتبدى النقاط الأبرز في عوامل تفرد هذه الفعالية الثقافية: “نيودلهي للكتاب”، في توفيرها مناخات تواصل وتلاق وتفاعل بين جميع الثقافات العالمية، تتاح معها أفق مشروعات عمل فكرية، مصيرها أن تعزز دور الثقافة والفكر في إغناء الحضارة الإنسانية وخدمة البشرية جمعاء. وينظر متخصصون كثر إلى المعرض، على أنه حضن ووعاء حضاري يجمع نتاجات ثقافات العالم.
يعد المعرض أقدم تظاهرة ثقافية للكتاب في جمهورية الهند. ويلقى اهتماماً كبيراً من المؤسسة الوطنية للكتاب في البلاد. وفي السياق، كان لافتاً في نيودلهي الدولي للكتاب، لهذا العام، ذاك النجاح النوعي الذي تكللت به فعاليات ختام دورته للعام الجاري 2014، إذ أفرزت نتائج مهمة.
والتقت ضمنها هيئات ومؤسسات وأفراد.. بمرجعيات ثقافية وفكرية، وكذا معنية بالنشر، من 25 دولة والعديد من الجهات الثقافية، وذلك في إطار برامج مهمة، شكلت مضمون الدورة الـ22. وفي ظل هذه الأجواء، شهد المعرض، على مدى تسعة أيام، من 15 إلى 23 فبراير 2014، تبادلاً معرفياً وثقافياً واسعاً وكبيراً، وشكل نافذة حيوية للاطلاع على معارف العالم.
أجنحة المنظمات الدولية
تبلغ مساحة المعرض نحو 42000 ألف متر، ويجتذب، عادة، أكثر من 12000 من العارضين في الهند، و31 من العارضين من الخارج، من أكثر من 25 بلداً من العالم. وذلك من خلال 2500 جناح متوفر لهم، إلى جانب أجنحة خاصة بعدد من المنظمات العالمية والدولية، مثل: منظمة الصحة العالمية، منظمة اليونيسكو، البنك الدولي. كما تشارك في هذا المعرض، دور نشر أجنبية من دول عدة، منها: الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، هونغ كونغ، ماليزيا، اليابان، باكستان، إيران، نيبال، بنغلادش، سريلانكا، ألمانيا، الصين، فرنسا، بريطانيا.
نهج ثابت فاعل
درجت إدارة “معرض نيودلهي للكتاب”، على تخصيص برامج احتفاء ثقافي هادف، تكرم وتحتفل معها بتميز النتاج الفكري لدولة ما. وبناءً على ذلك، تختار في كل دورة، إحدى الدول، لتكون ضيف شرف المهرجان. وتماشياً مع هذا النهج.
وفي إطار الاحتفالات بالذكرى السنوية الـ60 للعلاقات الدبلوماسية بين الهند وبولندا، اختارت إدارة معرض نيودلهي الدولي للكتاب، هذا العام، دولة بولندا كضيف شرف، إذ نظمت فعاليات ثقافية وفنية، متنوعة في الخصوص، على مدار أيام المعرض، تحديداً في شأن البرنامج المخصص للدولة – ضيف الشرف.
“أدب الطفل” عنواناً
تحفل أجندات عمل وعناوين البرامج الفكرية في المعرض، كل عام، بعناوين ومضامين مختلفة، تغطي إدارة المعرض معها، كامل حقول الفكر والثقافة. وفي دورة المعرض الأخيرة، الـ22، كان موضوع “أدب الطفل” عنواناً بارزاً. إذ برزت أنشطة متنوعة في الجناح المخصص لكتب الأطفال، بهدف تشجيع هذه المؤلفات. كما ركز المعنيون على دعم حركة أندية القراءة الوطنية في الهند. ذلك بموازاة تخلل المعرض، العديد من الندوات الثقافية وورش العمل، الموجهة إلى الناشرين والمتخصصين.
وكان هناك، أيضاً، “ركن المؤلفين”، الذي يتيح للكتّاب التفاعل مع الزوار والقراء.. وتبادل تجاربهم وخبراتهم معهم. إضافة إلى الحديث حول الظروف التي رافقت تأليفهم كتبهم. ومن بين الملامح المهمة والبارزة في المعرض، تدشين جناح خاص لإظهار وتقديم تاريخ مدينة نيودلهي، العاصمة الهندية.
مهنية عالية
لا تتوقف حدود موضوعات معالجة وتغطيات البرنامج الفكري والفعاليات الخاصة، ضمن “نيودلهي للكتاب”، في دوراته المتعاقبة، عند حدود الأطر الفكرية البحثية. إذ تخصص حلقات ومشروعات عمل وبحث، حول شتى جوانب العمل في حقل النشر والتأليف، وكان لافتاً في هذا الصدد، ما بادرت إليه إدارة المعرض، في دورة العام الماضي، 2013، إذ اعتنت، بشكل موسع في موضوعة صناعة النشر. وجرى التركيز، خاصة، على تجربة فرنسا – ضيف شرف دورة المهرجان، فعرضت لمحات عن صناعة النشر والكتابة فيها، وتاريخهما.
وكذا نظمت ندوات بينت نقاط ضعف وقوة الناشرين الفرنسيين والمؤلفين والعلماء. وكان جميع ذلك، إلى جانب مشاركة الفرنسيين في المناقشات والمحادثات مع نظرائهم الهنود في العديد من البرامج الأدبية ومؤتمرات المائدة المستديرة المهنية، التي عقدت خلال المعرض.
وكذلك عرض التراث الثقافي النابض بالحياة في فرنسا. علاوة على السينما التي شكلت عنصراً رئيسياً من المعرض في عام 2013، وكذلك عرض مختلف جوانب الثقافة الفرنسية، عبر معرض بعنوان “فرنسا لا تزال”. وعرض مجموعة من 15 لوحة تعبر عن وجود التراث الفرنسي في الهند. كذلك سلسلة من عروض الأفلام.
اهتمام خاص
يتبدى لزائر “نيودلهي للكتاب”، مدى تفطن الإدارة إلى أهمية الاعتناء بإيلاء الدول العربية اهتماماً خاصاً، على صعيد الأجنحة والبرامج. وذلك تماشياً مع عمق العلاقات الثقافية والاجتماعية التي تربط بين الهند والدول العربية، تاريخياً، ومنذ أقدم العصور، خاصة بالنسبة لدول الخليج العربي.
وكان بارزاً، في دورة العام 2013، الاهتمام والأقبال الكبيرين، اللذين شهدهما ركن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ضمن جناح المملكة العربية السعودية المشارك في معرض نيودلهي للكتاب. وأتيحت لجناح المملكة المشارك، كامل المستلزمات والمناخات، لعرض أحدث مشروعاتها وجهودها الفكرية والتثقيفية الدينية، بلغات العام. وكان أبرز ما قدمه الجناح، مجموعة من النسخ من المصحف الشريف، والكتب التراثية الأخرى، مترجمة إلى غالبية اللغات العالمية.
ومن أبرزها: الإنجليزية، الفرنسية، الإسبانية، الهندية، الصينية، البرتغالية، الروسية، التركية، الإندونيسية، واليونانية. كما تعرف الزائرون، على مشروع التجوال الافتراضي في رحاب المسجد النبوي، من خلال متصفح غوغل إيرث مباشرة.
“كتاب الفن”
تتشكل وتتناسق قوالب الفكر والإبداعات في “نيودلهي للكتاب”، في مساقات بانورامية متناغمة، تخصص بموازاتها، مساحات بحث موسعة لمحاور ثقافة الحياة والفنون والإبداعات بصورها المتباينة. وهكذا فإن الإدارة لا تنسى إيلاء جانب الفنون، كبير التركيز والاهتمام، وعلى هذا الأساس، تتعاون مع كلية الفنون في نيودلهي. وفي هذا الخصوص، شهدت دورة العام الفائت للمعرض.
طرح النسخة الأولى من نوعها، من كتاب “الفن في الهند”. كما نظم معرض جماعي لكتاب الفن، عرض على الشاشة في بهو القاعة الرئيسية بالمعرض. ولا تتوقف حدود اهتمام المعرض بالفنون عند هذا الحد، إذ لا تغيب معارض الفن عن أنشطته. كما تتكثف وتتعدد أشكال ومساقات الإصدارات الفنية، المعنية بالفنون في الهند وبقية دول العام. وبذا غدا المعرض، مقصداً للمهتمين في المجال، من مختلف دول العالم.
حضور
الإمارات في “نيودلهي للكتاب” 2014.. برامج نوعية ومشاركة فاعلة
تولي دولة الإمارات العربية المتحدة، معرض نيودلهي للكتاب، اهتماماً جيداً، إذ تحرص على المشاركة بقوة في فعالياته، انطلاقاً من خلفية العلاقات التاريخية والثقافية المميزة بين البلدين. وفي السياق، شاركت دار الكتب الوطنية التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، في المعرض بدورته الـ22 (2014)، وتأتي هذه المشاركة في إطار تعزيز حضور مشاريع دار الكتب الوطنية ممثلة بـ: “كلمة” و”معرض أبوظبي الدولي للكتاب”..
وغيرهما، في أهم معارض الكتب العالمية والفعاليات الثقافية المتعلقة بها. وشهد جناح الهيئة إقبالاً كبيراً من قبل زوار المعرض. والمتخصصين في عالم النشر والكتاب. إضافة إلى المؤلفين والمعنيين بالمشاريع الثقافية الرائدة التي أطلقتها الهيئة على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
كما شارك معرض الشارقة الدولي للكتاب، في دورة المعرض لهذا العام، ولقي كبير الترحيب والاهتمام. إذ حققت فعالياته وبرامجه، نجاحات فريدة، صبت في إطار تعزيز مكانة الشارقة ودولة الإمارات، ثقافية وفكرياً، على الصعيد العالمي. كما أغنت ودعمت مساقات العمل لإبراز الهوية الحضارية والرؤية الثقافية للإمارات ضمن المنظومة الثقافية العالمية.
ذلك خاصة وأن الهند تمثل واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لدولة الإمارات. وليس بعيداً عن هذا التوجه، كان مجدياً وفعّالاً، حرص معرض الشارقة الدولي، على المشاركة في مهرجان الأدب في الهند، الذي نظم في مدينة جايبور، عاصمة ولاية راجستان الهندية، في الفترة من 17-21 يناير الماضي، وشكل فرصة للتواصل مع أبرز الناشرين الهنود، ذلك بهدف دعوتهم إلى المشاركة في معرض الشارقة الدولي للكتاب، والذي سيعقد في الفترة من 5 إلى 15 نوفمبر المقبل.
1972
شكل العام 1972، بداية انطلاقة معرض نيودلهي للكتاب. وكانت الدورة الأولى للمعرض، بمشاركة نحو 200 ناشر، وبلغت مساحة المعرض خلالها 7780 متراً مربعاً، وبعد مرور 40 عاماً من انطلاقته، نما المعرض بشكل كبير، وذلك رغم انه يقام مرة كل سنتين، ولكن هذا يزيده ارتقاءً وتطوراً ملحوظين، من حيث المساحة وعدد المشاركين فيه.
ويستفيد المعرض، من ذخر مجموعة عوامل ثقافية تعزز دوره في هذا الصدد، يتقدمها كون الهند تعتبر ثالث أكبر دولة للمطبوعات باللغة الإنجليزية في العالم. ولديها ما يقارب الـ 12000 ناشر. وتنشر حوالي 90000 عنوان سنوياً، بأكثر من 18 لغة.
وشهد العام 2006، حضور 1294 عارضاً في “نيودلهي للكتاب”، الذي نظم على مساحة تقدر بحوالي 38000 متر مربع. ووفد إليه مليون زائر (بزيادة 30٪) من دول عدة، منها: الولايات المتحدة الأميركية، السعودية، بنغلاديش، الهند، فرنسا، إيطاليا، اليابان، كندا، ماليزيا، سنغافورة، ألمانيا.
* البيان