المسرحي السوري “نمر سلمون” في ضيافة صالون الديكامرون


*ابتسام القشوري

( ثقافات )

“وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع” 
لطالما كان الموت العدّو المخيف للانسان بحكم نزوعه للبقاء فهو القدر الذي لا مفر منه. الموت قاهر الإنسان أصبح اليوم فى كل مكان وهو الأكثر تواترا في نشرات الأخبار في شبكات التواصل الاجتماعي وكل القنوات الإعلامية بمختلف أشكالها؛ نتيجة للحروب والنزاعات على السلطة، كما أنه صار يتخذ أشكالا متعددة، فلم يعد يقتصر على الموت الجسدي فقط فليس كل إنسان يعيش إنسان حيّ !. 
” لا تخشى شيئا فالموت إلى جانبك ” عفرا !. لا أتجه بهذا الكلام إليكم وإنما هو عنوان مسرحية للمسرحي السوري نمر سلمون عرضها مؤخرا على مسرح دار الثقافة ابن خلدون نظمها صالون الديكامرون ضمن تكريس جديد من طرف مؤسسة الروائي كمال الرياحي للانفتاح على أنواع أخرى من الفنون بالاضافة للمواضيع الأدبية. 
ضيف صالون الديكامرون نمر سلمون متخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1989 وتابع دراسته في المسرح بجامعة السوربون بفرنسا.
قدّم بحثين عن عفوية الممثل والدور الإبداعي للجمهور المسرحي فحصل بفضلهما على شهادتي الماجستير عام 1992 ودبلوم الدراسات المعمقة في فنون العرض المسرحي عام 1994 كما أنه حائز على إجازة في الأدب العربي عام 1995 وهو صاحب أطروحة “الوجه المستتر للمسرح السوري المحتمل” التي نال عليها شهادة الدكتوراة بدرجة الشرف في إسبانيا وهو مؤسس فرقة”الجمهور الخلاّق ” التي قدّم من خلالها أكثر من أربعين عملا مسرحيا. 
تيمة الموت في مسرحية” لا تخش شيئا فالموت إلى جانبك”
يبدأ نمر سلمون مسرحيته بالسخرية من الموت قائلا: ” لقد تعبت من كون الموت مادة للحزن وللغم، ولذلك سأحاول الليلة أن أمازحه لكي نضحك معه ومنه حتى نموت من الضحك”.
يشخّص نمر سلمون الموت يتماهى معه وينزع عنه هالة الخوف والرعب إذ يتربص الموت ببطلنا الحكواتي من مسرح إلى مسرح ليقبض روحه، لكن الحكواتي يقترح عليه الاستماع إلى حكاياته لعلّه ينقذ نفسه من الموت. الحكاية مقابل الحياة ويتحول الموت إلى متفرج يستمع إلى حكايات الحكواتي ليجد نفسه بطلا مقززا، لها فيعود من جديد للتربص ببطلنا.
تتوالى اللوحات في هذه المسرحية أبطالها من الميتين جسديا والميتين معنويا فصاحب الشهادات العليا التي أدمت ساقيه من البحث عن العمل هو ميت لأنه دون عمل، “العائلة في الحرب التي تأكل أطفالها لأنها لا تجد ما تقتاته هي تعيش أيضا الموت المعنوي، إلى غير ذلك من اللوحات التي تنتمي في معظمها إلى الكوميديا السوداء. 
مسرح نمر سلمون بين المونودراما والحكواتي 
يؤكد نمر سلمون في حلقة النقاش التى عُقدت بعد العرض المسرحي مع ناس الديكامرون. إنه يحبذ عرض الحكواتي المنجذرة في تاريخ الشام على عرض المونودراما ولو أنهما يلتقيان في الشكل حيث يعتمد كل منهما على الممثل الوحيد، أما مضمونيا فالاختلاف واضح، حيث أن الممثل في المونودراما هو جوهر الحكاية، أما الحكواتي يتحدث في عرضه عن الآخرين بتجسيده لشخصياتهم، وبالتالي له فسحة من الحياد ومسافة من المواضيع التي يقترحها. 
نمر سلمون والارتجال 
يتبع نمر سلمون تقليدا جديدا في المسرح وهو الارتجال؛ أي أنه لا يعتمد على النص فقط وإنما يستغل كل الحالات الطارئة أو الكلمات التي يسمعها من الجمهور ليقحمها في العرض، وبهذا يتجدد العرض وينفتح على ممكنات متعددة فالعرض في تونس يختلف عن العرض في سوريا أو غيرها، كما إنه يؤكد أن الارتجال ليس دعوة للفوضى أو الخروج عن الآداب والأخلاق، وإنما هو نوع جديد من المسرح وهذا الارتجال يحتاج إلى فسحة كبيرة من الحرية وإلى رجل مسرح مقتدر يعرف كيف يتفاعل مع هذا النوع الجديد من العروض. 
كما لاحظنا في مسرحية “لا تخش شيئا من الموت” يشارك نمر السلمون الجمهور الذي لا يعرف عن التمثيل شيئا، ويحاول إقحامهم وتوريطهم فى لعبة الارتجال وهو تقليد في مسرحيات هذا الممثل منذ تكوينه لفرقة الجمهور الخلاق وهو يحاول إخراج المتفرج من السلبية إلى المشاركة الفعلية في العرض. 
بهذا يقدم نمر سلمون تجربة جديدة في المسرح العربي مضمونيا بتناوله لأحد التابوهات وهو الموت، ويقدم إضافة من حيث الشكل بإحيائه لشخصية الحكواتي واشتغاله على الارتجال ومشاركة الجمهور .
____
كاتبة من تونس

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *