*نوال السعداوي
تحتاج قصة جامعة النيل والدكتور زويل إلى الكتابة الأدبية الفنية، وليس المقالات السياسية والعلمية، كشفت روايات كافكا وأورويل، عن الحقيقة أكثر مما كشفه علماء السياسة والاقتصاد والقانون، لا يكشف الحقيقة إلا الخيال.
انتصرت العدالة البديهية البسيطة هذه المرة، على جبروت زويل ونوبل وباراك أوباما والمحامين المدافعين (عن زويل) وأصحابه من نجوم الإعلام والصحافة والأدب والسياسة، والمهرولين لكل من نال جائزة نوبل أو إعجاب باراك أوباما،
أعلن د. زويل (١٠ يناير ٢٠١٠) أنه مبعوث باراك أوباما لتطوير العلم والتعليم فى مصر، مما فتح له أبواب الرؤساء فى الحكومات المصرية قبل الثورة وبعدها، لكنه أغلق قلوب الشعب المصرى، فنشرت يومها مقالا كتبت فيه: هل يسعى الاستعمار الأمريكى لتطوير العقول فى مصر؟
ثلاث سنوات أتابع القضية كأنها خيال، مثل محاكمة القرن (ضد مبارك) أو القضية فى رواية كافكا، عشتها فى النوم أو فى الطفولة، تتكرر الأحداث على شكل دائرى لتعود لنقطة الصفر، وأعيد النظر إلى تاريخ اليوم: إبريل سنة ٢٠١٤،
يبدو إبريل عام ١٩٤٢، حين كنت طفلة، أشعر بالسعادة لكذبة إبريل، نرسل أنا وإخوتى برقية إلى طنط نعمات: ماما مريضة جدا، احضرى حالا، تأخذ قطار الفجر، تبكى الساعات الأربعة من القاهرة إلى منوف، تنزلق قدمها وهى تهبط السلم وتكاد تسقط تحت عجلات القطار، نشعر بالغبطة وهى تدخل شاحبة تنتفض، لم تكن المسكينة تملك القوة لعقابنا. ليس هناك خبث أكثر من خبث الأطفال وغلظة قلوبهم، يضحكون فى المآتم ويبكون فى الأفراح، ويمارسون جرائمهم على الضعفاء والمساكين من البشر، والقطط الوليدة والعصافير، لم نملك الشجاعة، نحن الأطفال، لنكذب على أى رجل له منصب كبير فى العائلة، أو امرأة قوية الشكيمة، مثل خالتى الأستاذة فهيمة شكرى، كانت تدب فوق الأرض بكعب حذائها الحديدى، رابطة الجأش أمام جبروت جدى شكرى بيه، كانت مديرة بوزارة المعارف وتأخذ راتبا شهريا كبيرا. لا يتخلص الأطفال من الخبث والكذب والقسوة بعد بلوغ الرشد، بل يزدادون قدرة على إخفاء جرائمهم بطبقة من المساحيق البراقة، على شكل كلمات محفوظة أو آيات مدونة فى الكتب المقدسة. تمر مراحل العمر بأسرع مما نتصور، تتغير الألسنة واللغات إلا اللغة الموروثة منذ الطفولة فى الجينات، لم يتطور البشر فوق كوكب الأرض لإلغاء قانون الغابة. تؤكد لنا الحياة أن القوة فوق الحق، نستسلم لها حتى نمرض ونموت، بعض منا يرفض الاستسلام، ربما جنون الإبداع أو جموح الخيال، نصارع الحياة والجينات والموروثات، ليرتفع الحق فوق القوة، قد نفشل ونموت كمدا أو فى السجن، وقد ننجح ويذهب الحق لأصحابه، لكن سرعان ما يتغلب قانون الغابة..
القصة المتكررة فوق كوكب الأرض، تدور الحروب حول قطعة الأرض، أطول صراع عشناه كان على أرض فلسطين، ثمانون عاما، ضاعت الأرض بالقوة المسلحة، تحت اسم عمليات السلام والديمقراطية.
وعشنا (فى مصر) قصة الصراع على أرض جامعة النيل، حاول فرد واحد الاستيلاء على أرض الجامعة لينشئ مدينته باسمه، لو كان مثلنا فردا عاديا لأودعوه السجن، لكنه كان مبعوث الرئيس الأمريكى (رغم زعامته للاستعمار الجديد) وحاصل على جائزة نوبل (رغم رفض أعظم المبدعين لها) أصبحت قوة الفرد الواحد أكبر من قوة الجامعة القومية بأساتذتها وطلابها، وأكبر من قوة القانون المصرى وحكم القضاء والدولة كلها برؤسائها وزرائها على مدى ثلاث سنوات، لكن كفاح الجامعة بطلابها وأساتذتها وصمودهم، أدى إلى صدور قرار رئيس الجمهورية بعودة الأرض لأصحابها، لكنه منح د. زويل مساحة أخرى من أرض الدولة تبلغ مائة وسبعة وتسعين فدانا، يحصل عليها مجانا، لينشئ عليها مدينته باسمه.
_____
*المصري اليوم