رحلة في تاريخ الخليج العربي يرويها مغامر أميركي



*عمّار المأمون

“قلوب تبحث عن مرافئ” رواية محمد الفارس الصادرة عن دار الساقي عام 2014، تروي قصة الفتى الأميركي (جون هيرمان بول) الذي يبدأ رحلته من مدينة (سيلم) في الساحل الشرقي للولايات المتحدة، لينتهي به الأمر في اليمن، تحت رعاية (ابن عقيل) الذي يتبناه، ليتحول بعدها جون إلى عبدالله، خبير التجارة والسياسة والحرب في الخليج العربي.

يمتزج التاريخ مع السيرة الشخصية ليروي قصة طفل أميركي اسمه جون، تدور به الأيام ليتحول إلى عبدالله المغامر في خليج العرب.
تبدأ الرواية عام 2013 على شاطئ (ماليبو- كاليفورنيا) في الولايات المتحدة، حيث يتلقى صاحب سلسلة محلات القهوة “توم” هاتفا يخطره بأن هناك صندوقا في قبر إحدى قريباته، تهدّم بفعل الأعاصير، وعليه أن يأتي إلى مدينة “سيلم” ليحصل عليه، فيقرر توم أخذ إجازة، والاتجاه إلى الساحل الشرقي من الولايات المتحدة ليستعيد صندوقا، بداخله كتاب بأوراق قديمة مكتوبة بخط آلي، لا يفهم منها توم شيئا، يتركها لدى مترجم يخبره لاحقاً بأن نصفها الأول بالإنجليزية والباقي مكتوب بالعربية.
يجلس توم في إحدى مقاهي (ستار- بوكس) بعد حصوله على النسخة المترجمة، ويقرأ .. وبعدها تبدأ المغامرة.
الرحيل إلى الصحراء
عام (1805 ) في أحد مرافئ مدينة (سيلم)، جون بول يقفز بين صناديق الشحن وأكياس البن ويحلم بمغامرات البحار ورحلات تجارة القهوة من الأراضي العربية وراء المحيط. بعد أن بلغ الحادية عشرة من عمره يقرر أبوه إرساله في رحلة بحرية ليخوض عباب البحر ويتعلم أصول التجارة كي يشتد عوده، يغادر جون حضن والدته التي تودعه بلوعة، ليخوض من ثمّة مغامرة تدوم فترة تقارب الـ25 عاماً.
طاقم السفينة التي تحمل جون يتعرض للقتل على أيدي ابن عقيل ورجاله، التاجر والسياسي الذي تفشل صفقته لشراء جزيرة كمران بفضل كيد الإنكليز فينتقم من الكابتن الّذي كادَ له –كارتر- المتواجد على متن السفينة الأميركية (الإيسيكس) بحجة إيصالها إلى أفخر أسواق البن. يُقتل كل من كان على ظهر السفينة وتُحرق وتغرق في البحر حاملة معها كلّ أمل يمتلكه جون بالعودة إلى أهله.
يُقاد جون إلى ابن عقيل الذي تشفق زوجته خديجة على الأميركي الصغير، وتطلب أن يكون ابنــــا لها عوضاً عن ابنها الّذي فقدته.
بصعوبة يكبُر جون وسط البيئة العربية، فهو لا يفقه شيئا من اللّغة الجديدة ، ثم ما يلبث أن يتعلم العربية ويقرأ القرآن والأحاديث وكتب الأخبار والأيام ، ويتحول اسمه إلى عبدالله ، كما يتعلم أصول الدين الإسلامي، ليكتسب ثقة أبيه الجديد -ابن عقيل- و يقف إلى جانبه في أعماله السياسية والتجارية والحربية .
صفحات كثيرة تأخذنا في مغامرات يخوضها ابن عقيل وابنه، تتخللها مكائد الإنكليز والفرنسيين، والاقتتال مع ابن سعود وأصحاب الدعوة الوهابية، ثم حملات محمد علي باشا لاحتلال الجزيرة العربية تحت راية العثمانيين، لينتهي الأمر بموت ابن عقيل برصاصة مجهولة المصدر، قَبلها يُصاب عبدالله في فخذه، في إحدى المعارك، مما تسبّب له في إعاقة على مستوى الحركة في أحيان كثيرة، ليقضي معظم وقته من ثمّة، مستلقيا يرعى شؤون تجارته وزوجته وطفليه التوأمين.
وثيقة تاريخية
تدور أحداث الرواية في مرحلة حساسة من تاريخ الجزيرة العربية، تتضمن ظهور دولة ابن سعود “السعودية “، والاقتتال بين أمراء وسلاطين المنطق، بالإضافة إلى الصراع التاريخي بين الفرنسيين والإنكليز للسيطرة على معابر وممرات الخليج بوصفه الطريق التجاري الّذي يصل الغرب بأقصى الشرق، ويبرز غياب دور الولايات المتحدة بوصفها ما زالت دولة حديثة التأسيس وما زال وضع المستعمرات فيها غير مُستتبّ.
ترسم الرواية عالماً مميزا تصف فيه عمران الخليج العربي وما كان يحيط به في تلك الفترة، بالإضافة إلى أساليب العمل والحياة في البحر والبر، والأسماء المختلفة للمناطق والسفن والأسلحة، حيث يظهر فيها الكاتب معرفة واسعة بأدقّ تفاصيل المنطقة وعاداتها وتقاليدها والاختلافات التي كانت قائمة بين ملوكها ومطامعهم وحتى توجّهاتهم الدينية.
الذاكرة والانتماء
تستدعي الرواية، ولو بصورة غير مباشرة، الذاكرة وحضورها في حياة الإنسان ودورها في تكوينه. فالإنسان ليس بما ولد، بل كيف تربى وأين يعيش، فجون يتحول إلى عبدالله، الذي يرفض أن يعود إلى الولايات المتحدة لملاقاة أمه الحقيقية، و يقول إنّ الأوان قد فات.
حياته تتخللها ومضات من ذاكرة بعيدة لطفولة قضاها في (سيلم)، لكنها لم تعد أساسا لهويته، معضلة الانتماء لم تكن واضحة لديه، فقد تقبل وجوده وهويته الجديدة ، التي لم تخل من بعض الرومانسية أثناء تذكره لأصوله التي لا يمكنه أن ينساها، فهو أشقر، أزرق العينين، وهو ما أدى إلى اعتقاله لما يقارب العام في (خورفكان) بتهمة أنّه عميل نصرانيّ، مع ذلك، يرفض العودة إلى ماضيه ويقرر البقاء إلى جانب أسرته الجديدة.
وعلى الرغم من صبغة المغامرة التي تحويها الرواية، إلاّ أنّ الإغراق أحياناً في الوصف والمؤامرات السياسية والصفقات التجارية، يبعد عنها صفة التشويق، وتغرق في تفاصيل تساهم في رسم البيئة العامّة لا في دفع الحبكة. لغة الرواية لم تحمل طاقة المغامرة والحافز المستمر لاكتشاف ما هو جديد، كأنّ ما سيحدث مقدر له الحدوث مسبقا ويمكن التنبؤ به، ما عدا موت ابن عقيل المفاجئ، واغتيال طاقم سفينة (الإيسيكس)، ولقاء (عبدالله جون) بصديق والــده العجوز.
تتداخل حياوات الشخوص وتواريخهم، إلاّ أنّ صوت الراوي (عبد الله- جون)، يعلو على الجميع، فكلّ ما يحدث يكون نابعا من وجهة نظره، لنكتشف في النهاية أنّ الأوراق الّتي وجدها ( توم ) في بداية الرواية، هي سجل السّفينة الّذي أُنقذ من الغرق ثم وصل لجون، الّذي قام بكتابة كل ما حدث معه منذ لحظة حصوله عليه إلى لحظة تسليمه للوفد الذي يريد منه أن يعود إلى أميركا، لماذا ..؟ لرؤية أمّه الّتي “يداها ما زالتا ممدوتين ”.
النهاية تبقى مفتوحة، الورقات الأخيرة من السجل ضائعة، ولا يعلم توم إن كان (جون عبد الله) قد عاد لزيارة أمه، فيدفعه الفضول -هذا ما نقرأه في آخر سطر من الرواية – للذهاب إلى (سيلم)، ثم إلى (ظِفار) للبحث عن بقية القصة..” إنّ كان للقصة بقيّة..”
_____
*العرب

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *