*ابتسام القشوري
( ثقافات )
إنّ الرقص أو تحريك الجسد إراديا وفق إيقاع منتظم يعتبر أولى خطوات الإنسان البدائي نحو التعبير الفني بل إنه الباعث الحقيقي لجميع الفنون المستحدثة بعد ذلك.
الرقص هو لغة الانسان الأولى عبّر بها عن وجدانه وما يختلجه من مشاعر وانفعالات فعبر به عن متغيّرات حياته الداخلية :الفرح والحزن واللذة والآمال والطموح كما عبرت عن حياته الخارجية: المناجاة والاحتجاج والشكر؛ ولذلك فإنّ الطفل يرقص قبل أن ينطق.
ورغم هذه الأهمية بقي الرقص على هامش الفنون إلى سنوات متأخرة ليصل الاعتراف به مؤخرا كمهنة وكفنّ قائما بذاته في الغرب وبقي فى ثقافتنا العربية فناّ هجينا لا يعترف به ومع وصول الحركات الأصولية المتطرفة إلى الحكم بعد الثورات الشعبية أو ما يسمى بالربيع العربي ظهرت بعض الأصوات التى تنادى بتحريم الرقص بأنواعه واعتباره تعبيرا بذيئا وغير أخلاقي ولهذا اقدم صالون الديكامرون ومؤسسة الروائي كمال الرياحي بالاحتفاء بالرقص والراقصين بتنظيم عرض “الزوفرى” بدار الثقافة ابن خلدون في غرفة الزوفري للراقص التونسي العالمي “رشدى بلقاسمي ” وسط حضور جماهيري محترم من شباب وجامعيين وسينيمائيين ونقاد وكذلك عدد من الروائيين ولقد تفاعل الجمهور تفاعلا كبيرا مع العرض الذي دام عشرين دقيقة.
كما نظم الصالون بعد ذلك حلقة نقاش تتعلق بالعرض وبالرقص وحضوره في المشهد الثقافي التونسي، حيث افتتحت هذه الجلسة بعرض وثائقي حول عرض ” الزوفري” وبعض محطاته المحلية والعالمية وتفاعل الجمهور معه، وقدّم هذه الجلسة مدير الصالون الباحث في الفلسفة عدنان الجدي بمشاركة كمال الرياحي الذي عرّف برشدى بلقاسمي الذي لم تقتصر مسيرته الفتية على الرقص رغم صغر سنّه فهو بالإضافة إلى ذلك ممثل وعرائسي متخرج من المعهد العالي للفن المسرحي بتونس وشارك في العديد من الأعمال المحترفة ككوريغراف ومساعد مخرج في “فركة صابون” سنة 2012 وفي عمل “طواسين ” كراقص، وأيضا كراقص في عمل تونسي فرنسي “جسدي وطني ” بالإضافة إلى العديد من الأعمال الأخرى، كما شارك في العديد من المهرجانات المحلية والعالمية منها مهرجان الدولي لمسرح الطفل بنابل المهرجان الدولى بـ”افينيون” وغيرها وهو راقص يمارس مهنة الرقص من مدرسة الرقص الكلاسيكي “ايقــــــــــــاع” ومدرسة الرقص الكلاسيكي الروسية.
كما اعتبر عدنان الجدي أن من بين عوامل نجاح هذا الراقص وانتشاره العالمي تكوينه وخبرته فهو من الفنانين الناشطين حيث يقوم كل عام بتقديم عرض وكذلك أكاديمى يدرس المسرح ويشارك في المهرجانات العالمية ثم قدّم رشدي لمحة عن العرض وسبب التسمية ” الزوفرى ” هذه الكلمة التي طرأت عليها تحولات عبر الزمن فمن العامل (ouvrier) إلى الزوفري بمعنى العامل الهامشي واللا اخلاقي، وقد كانت فكرة العرض استلهام عالم هذا العامل الكادح وتوزع العرض على ثلاثة لوحات بداية من الحميمية والإغراء إلى الانغراس في بيئة المدينة العربية حيث العامل اليومي في مختلف مهنه.
وعبر رشدي برقصاته عن الحياة اليومية لهذا العامل وكان رشدى يأخذ الكلمة بين كل لوحة ولوحة ليفسر الرقصة، إذ قال إن الجمع بين الرقص والكلام هو اختيار مقصود يمكن أن يستغني عنه مع تطور العرض وعن استفسار بعضهم عن جمعه في الرقص بن الرخاوة والشدة أي الجمع بين الرقص الرجولي العامل الكادح الذي يرقص وبين الرقص الانثوي الرخو الذي يعتمد على التمايل ورخاوة الجسد، فيجيب رشدي أنه كان قصد أن يبين تاريخ بعض الرقصات في تونس حيث أن رقصة ” الربوخ “مثلا كانت مقتصرة على الرجال ثم بتطور الزمن تم إقحام المرأة فظهرت رقصة الفزاني وبيّن أن الرقص التونسي يحتوى على 250 خطوة، وذكر أنه حاول الجمع بين الرقصة الشعبية التونسة التي تعبر عن ذاكرة جماعية وبين الرقص المعاصر، مؤكدا أن لكل جهة من جهات تونس خصوصياتها في الرقص؛ فالرقص البدوي يختلف بالضرورة عن الرقص المدني (فى المدينة )، وأكدّ أن من أسباب حرصه على هذا العمل هو أن ذاكرة الجسد الراقص بدأت تضمحل دون أن تترك من يحمل المشعل عليها، أما عن تساؤل كيف يقاوم الرقص الأنظمة الاستبدادية ؟ ذكر أن الرقص كما الغناء هو تعبيريمكن أن يمثل حرجا للنظام وإيديولوجيته خاصة؛ ما يمثله الجسد الراقص العاري من إغراء ويضيف رشدي أن الجسد العاري الثابت لا يمثل خطرا بل عندما يتحرك يحرك كل المشاعر، ويمكن أن يكون خطرا على كل السلطات.
وانتهى اللقاء حول مكانة الرقص فى الثقافة التونسية، حيث قال أن وضعية الرقص المحترف في تونس بدأت تتحسن ، وأن عقلية التونسي منفتحة نوعا ما، كما أنه من ناحية القرار السياسي بدأ التفكير الجدي في تنظيم هذه المهنة لتأخذ كل الحقوق كما المسرح والأدب.
________
*كاتبة من تونس