( ثقافات )
رأس الخيمة – يسجل الشاعر السوري فواز قادري أحداث الثورة السورية ثمانِ وعشرين قصيدة احتواها ديوانه الجديد الذي صدر مؤخراً عن دار نون للنشر الإماراتية بعنوان قيامة الدم السوري، أخذت فيه قصائده طابع القصيدة السياسية أو “القصائد التسجيلية عن الهاربين من الموت السوري” كما حملت إحدى القصائد عنواناً لها، في حين حملت قصائد أخرى عناوين مرتبطة بأحداث الربيع العربي معتبراً أنها مراكب نجاة من الطوفان.
جاء في مقدمة الكتاب التي كتبها الناقد والكاتب السوري صبحي حديدي تحت عنوان “جلال الرزء وسياسة القصيدة”: «شهداؤك أرحب من القصيدة »، يقول فواز القادري مخاطباً سورية، بلده الذي يعيش انتفاضة شعبية عارمة، واسم العَلَم الذي صار عنده تسمية من طراز فريد، أقرب إلى نطاق استثنائي عريض، ممتلئ وطافح، متسع حتى يكاد أن يتفجّر.
ويضيف الحديد في موضع أخر بالمقدمة: تزاحمت أسماء الشهداء مع أسماء القرى والبلدات والمدن، ثم تشابكت حال الازدحام هذه مع مشاهد القتل والقصف والندب والنزوح، وانضمت إليها تظاهرة تحدٍّ هنا أو رقصة صمود هناك؛ فإنّ النطاق العبقري الاستثنائي لا يتجاوز الاسم وحده، إلى تكوين جغرافي عبقري كوني وفائق، فحسب؛ بل يعود ببساطة إلى إعادة إنتاج ذاته، ومكوّنات ذاته، في ذاته… وكفى بعودة، كهذه، شاهدة على الإعجاز. والشاهدة تفي إلى حلقات متصلة، ومتعاقبة، من شهادات على وقائع الانتفاضة الشعبية، تكتسب الصفة التسجيلية تارة، فتُدرج أسماء الشهداء والأماكن على نحو لا يتوسل التوثيق، بقدر ما يسعى إلى تظهير الحضور الإنساني، تارة؛ أو تدمج الكائن بالمكان، ونهر الفرات بربطة الخبز، على نحو يستلّ الوثيقة من رحم اختلاط المخيّلة بالبصيرة. وثمة، على الدوام، ميل جارف إلى المؤاخاة بن الحدث ومجازاته، الملحمية البطولية.
لكنّ القادري لا يؤرّخ، ولا يدوّن، ولا يسجّل ولا يوثّق، في المقام الأوّل؛ بل يكتب شعراً يتوسّل مجاراة هذه العبقرية الشعبية، البطولية والملحمية، أو يتحرى مواطن الشعرية في وقائعها، ويسعى إلى جمالياتها، خافية مستترة أم جلية بيّنة. الأرجح أنه، إذْ يستعيد قسطاً كبيراً من أفضل تقاليد الشعر الوطني، وخيرة منجزات القصيدة المقاوِمة؛ يؤمن بتلك المقولة العتيقة، التي تأكدّت مصداقيتها على مرّ القرون: أنّ التاريخ، تلك القوّة التي تحرّك السياسة ضمن الاجتماع البشري، تحرّك السياسة في الشعر أيضاً، أو لعلّها تحرّك سلطة القصيدة في قلب معترك السياسة. لهذا فإنّ القادري شاعر وطني بامتياز، يدرك متطلبات المرحلة الجمالية، وليس متطلباتها السياسية والثورية فقط، ولهذا فإنّ شعره يذهب أبعد، كي يبلغ ما هو أعمق، من مجرّد كتابة قصيدة متقنة، ذات مواصفات عالية.
ومن القصائد يقتبس صبحي الحديدي هذا المقطع في مقدمته:
في الليل دم يشعّ
وللجراح أقمار تتدلّ
مربوطة من أعناقها
لم يكن الموت كما يعرف الناس
جثث ملقاة في الشوارع بأحلامها
مدينة مستباحة
والظلام لم يخفِ
ما نُهب من أرواح
يذكر أن الشاعر فوّاز قادري من مواليد العام 1956 في دير الزور بسوريا ويقيم حالياً في ألمانيا، يجيء كتابه الأخير قيامة الدم السوري سابعاً ضمن ما أصدره على مرِّ تجربته في الكتابة والتي بدأها بديوان: “وعول الدم 1992″، “بصمات جديدة لأصابع المطر 1993″، “لا يكفي الذي يكفي 2008” “نهر بضفَّة واحدة 2009″، “لم تأتِ الطيور كما وعدتكِ 2010″،” في الهواء الطلق 2012″.
أخيراً جاء الكتاب في 110 صفحات من القطع الوسط، وصمم غلافه الشاعر الفلسطيني خالد سليمان الناصري، وحمل غلافه لوحة للفنان إسماعيل رفاعي.