الدجاجة البيّاضة


عبد الحليم أبو دقر*

( ثقافات )

أم ” أبو ساعة ” عنيدة، عندما تزور ابنها “أبو ساعة” في داره (ثلاثة طوابق في أغلى منطقة بعمان،العفش كله جديد، من أفخم المحلات ، مستورد…) ما ترضى تقعد إلا على الأرض، ترفع السجادة العجمية ( شغل أصفهان، حرير صافي 100 % )، تنزل على الرخام الإيطالي اللامع تقول : ما أرتاح إلا على الأرض ، منها وإليها. يقول لها ” أبو ساعة “: “حقك ، حرة”. يحب ” أبو ساعة” أن يكون مع أمه في قمة الشفافية،يظل يردد: “نحن في عصر الديمقراطية ،في عصر الفضائيات والعولمة، في عصر النت”. يرجع “أبو ساعة ” يقول لأمه: “طيب أدخلي (الجنبية) تحتك، أقعدي على السجادة العجمية”. تسأله : “هذه الجنبية تقدر تنزلها معي على القبر ؟! واذا نزلتها تقدر تمنع الدود يأكلها ويأكلني ؟!”. يقول ” أبو ساعة ” لأمه : “يمة، أنت عنيدة “. ترد عليه: “والله أنت العنيد من قد ما كسر أبوك على راسك جوز قاسي بالشاكوش” .
اليوم عزم ” أبو ساعة ” أمه على هش ونش . عندما يكون عنده مشاوي، بوجود أمه أو بعدم وجودها، صار ” أبو ساعة “في الفترة الأخيرة لا يأخذ من الخاروف البلدي الا الفتيلة ، عامل طلبية مفتوحة عند أكبر لحام في البلد، يقول “أبو ساعة”: “أعطيته ( كرت برانش)، قد ما يقدر يجمع فتايل يجمع، قد ما يقدر يلم يلم”. لو يعترف لأمه كيف يحسبها اللحام عليه يغمى عليها ستقول :” كم دجاجة بياضة نشتري بما تدفعه ثمنا لهذا اللحم ؟!”. يشوي “” أبو ساعة “” فتايل اللحم البلدي لأمه وهو في قمة الزهو متوقعا أن أمه ستطير من الفرح، ستحلق في السماء بعد لحظات، لكن أمه تقول له : “طرية صح ، لكن ناشفة ، أحب اللحمة تكون مسقسقة بالدهن”. يهم ” أبو ساعة” بالبكاء، ينظر إلى أمه باستهجان: “يمه هذه ناشفة، حرام.. هذي فتيلة لو تعرفي اللحام كم ..”. تقاطعه أمه:” أنا ما عندي مرض ، ولا عاملة تحماية ، ولا عندي سكري ، ولا عندي ضغط، لعنة الله على اللحمة الناشفة ..”. كانت أم” ” أبو ساعة “” عنيدة ، تظل تلف وتدور حتى يشوي لها قصا، ومجمدا. ظل ” أبو ساعة ” يقول بداخله مخاطبا أمه: “بعيد عن أسنانك ، والله لو تموتي ، هذه مرحلة انتهت”. 
بعد أن أفرجها رب العالمين على ” أبو ساعة “، حرّم على نفسه أكل الدجاج البياض ، حرمه على أهله ، لم يعد مسموحاً لدجاجة بياضة واحدة أن تدخل لهم على دار.
بعد أيام من قرار التحريم ، رجع ” أبو ساعة ” إلى بيت أهله ، كانت أمه معلقة طنجرة الضغط على الغاز ، عرف من ارتباكها أن بداخلها دجاجة بياضة أو أكثر ، قعد يصرخ في أمه ، أمسك بالطنجرة ورقعها بالسقف ، تطايرت قطع الدجاج البياض بعد أن انفجرت طنجرة الضغط ، منها ما التصق بالسقف رافضا النزول إلى الآن ، منها ما اندفع عبر النافذة طائرا الى الجيران ، منها ما لم عليهم كلاب الحارة وقططها وجرذانها. عندما هدأ “” أبو ساعة “” قال لأمه : “يمة، اسمعي أنا رح أحل المشكلة ، لا تزعلي مني ، حاولي هذه المرة تفهمي علي ..”. قعد يحكي معها بديمقراطية، بشفافية عالية، قال لها : “مصاري أترك في الدار بعد اليوم لأ ، تتصرفي على كيفك وتخالفي أوامري لأ . أنا أشتري كل الأغراض ، ريشة دجاجة بياضة ما عادت تقدر تدخل على الدار ، ويمة رح أشدد عليك الحصار”. بعد أيام وصلت الأخبار ، عرف بطريقته الخاصة أن الدجاج البياض كان يسرح ويمرح في الدار ، فقد عقله، كانت أمه تستبدل من إحدى الجارات اللئيمات الثلاث فراريج بدجاجة بياضة . رفضت أمه وتحت كل الضغوط الاعتراف باسم تلك الجارة ، ظلت تصرخ في “” أبو ساعة “” : “هذه الفراخ الصغيرة الحقيرة لا أحبها ، ما فيها لحم ، مرقة ، عندي دجاجة بياضة واحدة “ببركس” كامل من فراريجك، الدجاجة البياضة كم تصبر حتى تنزل البيضة؟ كم سنة وهي تبيض ؟ تعرف أنه ما كان وقف سيخ شاورما واحد في كل هذه البلد لولا صدرها ، ولا صارت المرتديلا مرتديلا لولا فخذها”. اندهش “” أبو ساعة “” من معلومات أمه الجديدة،كل هذه المعلومات مصدرها الجارة التي تستبدل منها أمه الدجاج، فأخذ يردد:”مصلحتها تغسل دماغك، هذه المرأة تضحك عليك،هذه المرأة حرامية، واضح عندها مخططات، احذري منها، أنت لا تعرفي صعوبة هذه المرحلة التي أمر فيها”.
– أنت تحب الصبايا،لأنك شاب، أنا اقدر أقعد مع صبايا ؟! أنا أقعد مع بياضة مثلي مرقتها ترم عظمي صدرها .. وسألته: “قبل ما الله يفتحها عليك ، كنت تجهز الفراخ للمستشفى، صح ؟ المستشفى كان يقدمها لمن؟ للمرضى ،أنا ما أقدر أكل مثل المرضى ؟ قالت لي أم أحمد كيف ينفخونها ب45 يوم ، وكيف تأكل ليل نهار تحت الكشافات..”. اندفع ” أبو ساعة ” مثل المجنون الى دار أم أحمد، و ليته لم يندفع، لو سمع كلام أمه،أمه حكيمة حتى في أشد لحظات غضبها، قالت له: “لا تخرج”. ظن في البدايه أنها خافت على جارتها أم أحمد منه ، كان العكس ، خافت عليه من جارتها أم أحمد ، من أبناء جارتها ، من بنات جارتها ، من زوج جارتها ، من جيران جارتها، من كل أهل الحارة ، كانوا في مواقعهم وبكامل أسلحتهم، من العصي، إلى “الصرامي”، إلى الجزم ، إلى نفاضات البواليع ، لم يقصروا معه ، استغلوا الفرصة، انتظروها منذ زمن.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *