*سعيـدة تـاقـي
( ثقافات )
مذكَّـر مـتَّـصل:
كان يبحث عنها في كل قصيدة يصبُّها اندهاشُه.
حين ارتسمت ملامحُها أمام انبهاره، كانت قد فارقتِ المجاز و ضيَّعتِ الاستعارات الجميلة.
لم يعرفها.. مرّتْ بمحاذاة انخطافه، و ما أسْلـمَها افـتـتـانَـه.
ما علِم بعد ذلك أحدٌ؛ أكان فعلاً يعانق طيفَها في القصائد التي أوْدَعها قـلـبَهُ الهائم، أم كانت القصيدة معشوقـتَه الوحيدة؟!
*******
غــائـب:
كانت تـنـتظرهُ كلَّ غروب.
لم تأبه كثيراً للقـمر الولـيد الذي يطـلّ علـيها من السماء.. كان قمـرُها الـوديع قد غـاب، و لم يشرِف، منذ أكثر من شهر، عليها بإطلالته .
كانت تنـتظره كلَّ غروب.
لم تكن شَغوفاً باحتراق الشمس و اندلاع كلِّ تلك الألوان.. كانت كلُّ الحرائق مندلِعةً في قلبها و هي تهفو إلى شمسها الحلوة التي تركت قلبها مظـلماً.
كانت تنـتظِره دون أمل…
لم تكن غافلةً عن دمه الذي مازال وشاحاً على باب البيت، لمّا اختطَف وهجَــهُ قنّاصٌ هـمجي ذات مساء. و ترك المهرِّج الكهربائي وحيداً، يدق على طبلته بكل إخلاص.
*******
جـمعٌ مـقـدَّر:
كان يفكِّر في بيت يُـؤويه و زوجَه و أطفالَه الأربعة.
كان ليل الشتاء بين الجدران الرَّطبة، و السقف المتصدِّع قارساً.
كان نهار الصيف بين الجدران الممتدة دون منافذ، و السقف القصديري مشتعلاً.
… كان يأمل بحرارة، أن يحمِله الغدُ يوماً ما إلى البيت الذي ينتظره.
لكنه لم يكن ينتظرـ قطعاً ـ أن تحمِل جرّافة البلدية ما تبقّى من البيت الصفيحي المهشَّم.. ليعود ثانية رفقة زوجه و أطفاله الأربعة إلى هامش المدينة الذي أنجبهم بكلّ برود.
*******
مـؤنـث مـكسـور:
غسل يديه من دمها بكل عناية، ثم عاد إلى غرفة النوم.
كانت ممدَّدةً مثلما تركها. عيناها جاحظتان و رأسها مشدود قليلاً نحو الخلف. لم يحاول إسدال جفـنيها. حدّق فيهما بكل إمعان دون أن تتبدّل ملامحه. أشرف على نومتها المبلَّـلة بدم الغدر واقفًا.
لم يكن متـعَباً، و ما كانت أنفاسه متقطِّعةً. مرّت العملية بكلّ يسرٍ، أكثر مما توقّع. مسَّد جبـينها قليلاً. قـبّله. ثم أطلق تلك الضحكة التي تعرفها جيداً. تدرك عبرها الضيقَ الذي يخفيه ببراعة خلف جموده. و قال بكلّ تأنٍّ: لقد قمتُ بكلِّ شيء هذه المرّة، أخبريني الآن ماذا أفعل بجثّـتكِ؟
*******
مثـنى منـفـصل:
لم يكن فرحهما يسَعُ غيرَهما. لم يكن فقرهما يسَعُ غيرَهما.
و لم يكن حبُّهما يسَعُ فقرهما.
أصرّا في البدء على الصمود.
انتظرا شهرين ثم ثلاثة فأربعة و ما تغير شيء.. ظل فقرُهما أكبر… فأكبر… فأكبر.
لم يتغيّر شيء.
حاولا عدم اليأس. ثم واصلا درب الانتظار…
انتظرا سنتين ثم ثلاث فأربع و ما انصرف عن دربهما ذلك الانتظار.
اكتـشفا بعد انهيار الفرح و الحب و الفقر أنهما ما انتظرا بعضهما، كانا فقط يريدان أن يستسلما للانتظار.
__________
*كاتبة وشاعرة من المغرب