الحايك …من الموروث المادي الجزائري


فاطمة نصير*

( ثقافات ) 

الحايك ..من التراث المادي في الجزائر ،هو ثوب غير مخيط في زمن مضى كانت تلتفّ به المرأة الجزائرية عندما تتأهّب للخروج من المنزل ، وهو رمز من رموز التحجّب الطافحة حياءً والمعبرة عن الاعتزاز بما هو محلي ، هذا الثوب صار من بين الأثواب التراثية التي تُذكر ولا تستعمل ، والملاحظ ـ حالياً ـ أنّ كثير من الناس من كلا الجنسين ـ رجالا ونساء ـ مشتاقون لرجعة أيّام الحايك ، رغم جماليتة إلاّ أنه من الصعب الرجوع لاستخدامه في هذه الأزمنة التي نعيشها ، والكل يعرف لماذا ، فالمرأة الجزائرية اليوم ليست هي المرأة الجزائرية الأمس ، المرأة الجزائرية اليوم صارت لها مهام ووظائف إضافية فوق وظيفتها ومسؤوليتها الأسرية ، فهي اليوم طالبة في المدارس والكليات وطبيبة ومحامية وقاضية وممرضة وإدارية وأستاذة وووو… كل هذه الأماكن التي ترتادها بشكل يومي لا يمكنها أن تذهب لها ملتفّة بالحايك وهو الثوب الغير مخيط ، فالحياة التي نعيشها اليوم تختلف تماما عما عاشت فيه جداتنا حيث كانت البساطة عنوانا للحياة ، بالإضافة إلى انخراط المرأة في عالم الشغل ،لا بد أن نتذكر أن العالم اليوم صار منفتحا فالأثواب التي تنتج في أقاصي البلدان تصل للجزائر وغيرها من الدول وتباع وتتجّر ناهيك عن السلع المحلية المقلدة وغير المقلدة، وطبعا لكل مقام مقال فالثوب الذي يلبس في البيت ليس هو الثوب الذي يلبس في أماكن العمل أو الرسميات وأثواب السهرة والأفراح تختلف عنهما وهكذا ، ورغم المدنية التي نعيشها تبقى كثير من النساء المحتشمات اللواتي يعين تماما أن الخروج للعمل والانخراط في الحياة الاجتماعية لا يعني أنها ستتخلى عن أنوثتها أو دورها الذي خلقت لأجله ومهامها التي منحتها لها الطبيعة ، لأن هذا الصنف من النساء هنّ على وعي تام بأنه لا صراع بين الجنسين في هذه الحياة حتى يصرخن و ينادين بالمساواة هن الواعيات بأن الحياة تقوم على مبدأ التكامل بين الجنسين فلكل منهما دوره ، أما من ينادين بالمساواة بين الجنسين باسم الحضارة والتقدّم فما هنّ بنساء هن ّ أشباه نساء هنّ محتسبات على الأنوثة فقط لا أكثر، وهنا أذكر اللذين يلومون النساء بالتخلي عن هذا الثوب التراثي (الحايك) أن هذه الأمور تابعة لمتغيرات الحياة التي نعيشها وأن التأثير والتأثّر ظاهرة صحية إذا ما تمّ عقلنتها وإذا ما عرف المُتأثّر ماذا يأخذ وماذا يترك ، و أشير إلى أن الرجل الجزائري هو الآخر قد تخلى عن أثوابه التقليدية مثل (القشابية والبرنوس والقندورة والعمامة ) ، ومع أنه تخلى عن هكذا مظهر تراثي / تقليدي واستبلده بالبدلة الإفرنجية وربطة العنق والجينز إتباعا للتقليعات العصرية التي تفرضها الحياة المدنية اليوم ـ أيضا ـ لكن ما بال مجتمعاتنا تحمل المرأة أكثر من طاقاتها وتلومها عن التخلي عن التراث المادي المتمثل في اللبس وتغض الطرف عمّا حدث من تغير في لباس الرجل ؟؟!! أهي المرأة وحدها سبب تقهقر واندثار الموروث المحلي وغيابه ؟!، من هكذا أمور وغيرها تتجذّر ثقافة التفرقة بين الجنسين لتكسر أهم شيء يجمعها ألا وهو الإنسانية في أجمل صورها ..الأمر ليس حنين إلى (الحايك) كثوب نسوي إنه أبعد من ذلك بكثير ..إنّه الحنين إلى تلك الأزمنة التي كانت المرأة لا تستعمل فيها أدوات التجميل الباريسية .. في ذاك الزمن الذي كانت تستغني بخفرها وحيائها عن كل هذه المستحضرات ، مع ذلك يبقى في زمننا هذا صنف من النساء محتشمات اللاتي يخرجن للعمل في أرقى المناصب في الدولة والمشاريع الخاصة ، ويقابل صنف آخر يتخبطن خبط عشواء ويرتدينا ما اتفق وكيفما اتفق وعندما تراهن في الأماكن الرسمية تتساءل هل أنا في فرح أم حفل أم ماذا ؟ طريقة اللبس وطريقة وضع مساحيق التجميل بطريقة عبثية تنبؤ بالجهل التام لثقافة ارتداء الملابس حسب مناسباتها وأمكنتها وفوق كل ذلك غياب تام للحياء الذي هو زينة المرأة من دون شك، هذا الصنف الثاني هو الذي جعل الأصوات تعلو شوقا وتوقاً إلى الحايك وما يحمله من جماليات تخفي / تكشف الأنوثة الملتفّة بالحياء قبل الرداء المتمثل في الحايك . 
__________
*ـ أستاذة بجامعة 20 أوت 1955 سكيكدة (الجزائر)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *