حقيقة نوايا سفراء النوايا الحسنة


غصون رحال *

( ثقافات )



العديد من المشاهير تم اختيارهم من قبل وكالات الامم المتحدة او المنظمات الدولية العاملة في القضايا الانسانية ليكونوا سفراء وعونا لهم في نشر رسالاتهم الانسانية في دول العالم المنكوبة بالفقر والمرض والحروب . منهم من حمل الامانة بروح صافية، آمن بها وبذل جهودا مميزة لخدمة القضية التي كلف بها ، ومنهم من اعتبرها بابا جديدا ينطلق منه لتوسيع شهرته فلم يترك أثرا حسنا او ربما قدم نموذجا سيئا أحرج به الجهة التي يمثلها . 

سكارليت جوهانسون ممثلة امريكية فاتنة ، لا تنقصها الشهرة فقد ذاع صيتها بعد تأديتها لادوار صعبه لعل من ابرزها فيلم The Horse Whisperer) عام 1988 وفيلم (Girl with a Pearl Earring ) عام 2003 وفيلم ( Lost in Translation) عام 2003 والذي أهلها للفوز بجائزة BAFTA باللاضافة على حصولها على جائزة Golden Globe لثلاث مرات ، تم اختيارها من قبل منظمة اوكسفام البريطانية لتكون سفيرتها للنوايا الحسنة وعونا لها في خدمة قضاياها الانسانية .

وبسبب اصولها اليهودية ، اوربما بسبب شهرتها وفتنتها ، وقع اختيار شركة ” صودا ستريم ” الاسرائيلية عليها لتكون سفيرتها في الترويج لمنتجاتها ضمن حملة دعائية قدرها اربعة ملايين دولار امريكي ، وما ان وافقت جوهانسون على هذا العرض المغري، حتى واجهتها الحركات المناهضة لاسرائيل في العالم بوابل من الانتقادات بسبب هذا التناقض بين دورها كسفيرة لمنظمة انسانية، وقبولها تمثيل شركة اسرائيلية تقوم على تصنيع آلات تستخدم في البيوت لتصنيع المشروبات الغازية وتقع مصانعها ضمن المناطق الصناعية المقامة في المستعمرات الاسرائيلية المبنية بدورها على اراض مسروقة من الفلسطينيين في الضفة الغربية ، كان رد جوهانسون ان ” صودا ستريم هي شركة لا تلتزم فقط بحماية البيئة ، ولكن ببناء جسر من السلام بين اسرائيل وفلسطين أيضا عن طريق تشجيع العاملين من طرفي الجوار على العمل المشترك ، وهي وتدفع لهم اجورا ، وامتيازات وحقوقا متساوية ” . 

غير ان الواقع لا يؤيد هذه التصريحات ، حيث ان استمرار سرقة الاراضي الفلسطينية وتحويلها الى مناطق صناعية لا يخدم السلام بأي شكل من الاشكال ، انما هو تحدي سافر ووقح للقانون الدولي الذي يعتبر المستوطنات كيانات غير قانونية خاصة ان العمال الفلسطينيون يشكون من التمييز العنصري ضدهم في العمل ، وفي فرص التوظيف والترقية كون غالبية المدراء هم اسرائيليون ، وان العمال الفلسطيين مهددون بالطرد في حال مطالبتهم بزيادة في الاجور او الامتيازات . 

وبسبب ضغوط حركات ومنظمات التضامن مع الشعب الفلسطيني على منظمة اوكسفام ، خاصة حركة
Sanctions (BDS) Boycott, Divestment and وتعني مقاطعة ، عدم استثمار وعقوبات ، استجابت المنظمة وخيّرت جوهانسون بين ان تكون سفيرتها او سفيرة للشركة الاسرائيلية ، علما ان منظمة الاوكسفام لها نشاط ملحوظ في الاراضي الفلسطينية ولها موقف مضاد وواضح من المشروع الاستيطاني الصهيوني وتعتبر اعمال شركة صودا ستريم مخالفة لمبادئ القانون الدولي. في الواقع، لم يكن متوقعا ان تنحاز جوهانسون الى جانب المشروع الاستيطاني وتتخلى عن الاوكسفام التي كانت سفيرة لها طيلة ثمان سنوات ، ولكنها خالفت جميع التوقعات. 


ربما تكون الاسباب التي دعت جوهانسون لان تتخلى عن منظمة اوكسفام وتنحاز للشركة الاسرائيلية مادية، فقد تلقت عرضا ماليا مغريا مقابل استخدامها في الدعاية والاعلان عن صودا ستريم ، او ربما طمحت الى المزيد من الشهرة بسبب الحملة الاعلامية التي رافقت هذا الحدث ، وبغض النظر عن كل هذه الاحتمالات ، فان نوايا سفيرة النوايا الحسنة لم تكن حسنة على الاطلاق وهي تسخر من هذا الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بالقول : ” ليشربوا الصودا ” في اشارة الى ان صودا ستريم تمثل جسر السلام بين الطرفين . 


ربما لم يجد سفراء آخرون انفسهم وجها لوجه امام مثل هذا التحدي الصعب من قبل ، ولم يتم وضعهم على المحك لنتبين حقيقة نواياهم ، أو الى اي طرف سينحازون لو تم تخييرهم بين عملهم كسفراء لمنظمات انسانية او مروجين لبضائع في حملات اعلامية واسعة على النطاق الجغرافي وسخية في المردود المادي ، غير ان هذه الحادثة تمثل فرصة لاعادة اختبار النوايا الحقيقية لسفراء النوايا الحسنة من قبل الامم المتحدة والمنظمات الدولية . 

* روائية من الأردن تعيش في بريطانيا

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *