الأديب الروسي المعاصر ماركاريان


*د. ضياء نافع


اسمه الكامل أرشاك تير – ماركاريان, وهو أرمني كما يبين اسمه , وقد التقينا في احتفالية داغستان بالذكرى التسعينية لميلاد الشاعر الكبير رسول حمزاتوف في مدينة محج قلعة الداغستانية. عندما تعارفنا قلت له إنني سأتذكر اسمه ببساطة , لأن أكبر وأشهر مصوري العراق في جيلنا كان اسمه أرشاك أيضا وهو مصور الملوك والرؤساء العراقيين, فضحك وقال أنا أرشاك أيضا ولكني أصور الواقع الروسي من حولي وإن كامرتي التي أستخدمها هي اللغة الروسية , وهكذا وجدنا لغتنا المشتركة معا , وهكذا بدأنا بالحوار والدردشة معا طوال أيام الاحتفالية تلك, ثم التقينا – بعد فترة قصيرة – مرة أخرى أثناء انعقاد المؤتمر الرابع عشر لاتحاد أدباء روسيا في مدينة كالوغا الروسية , واستمررنا بالحوار والأحاديث المتنوعة حول مختلف شؤون الأدب والحياة في كواليس ذلك المؤتمر وفترات استراحاته, وقد أهدى لي مجموعة من إصداراته , و تبين أنه شاعر وجداني رقيق وكاتب مقالات وخواطر صغيرة ودقيقة وطريفة وممتعة جدا ،مثل التخطيطات في الفن التشكيلي , يرسم فيها بالكلمات صورا قلمية مدهشة الجمال لظواهر وشخصيات أدبية واجتماعية مختلفة وتكاد تذكّر بمفهوم القصص القصيرة جدا وبنيتها الفنية , وتبين أيضا أنه أحد مسؤولي صفحة الأدب ( والشعر بالذات ) في جريدة ( برافدا) – لسان حال الحزب الشيوعي الروسي, وهي استمرار لنفس تلك الجريدة العتيدة التي بدأت بالصدور عام 1912 ولم تتوقف لحد الآن , رغم أنها طبعا لم تعد جريدة الحزب الحاكم كما كانت في الاتحاد السوفيتي ولم تعد تطبع سبعة ملايين نسخة كما كان الحال عندها آنذاك , وتبين أيضا أنه ستاليني الفكر قلبا وقالبا كما يقال لدرجة أنه لم يتقبل كل التغيرات الجذرية التي حدثت بعد وفاة ستالين في الاتحاد السوفيتي عام 1953 , والتي أدّت إلى ما أدت إليه من وقائع معروفة في مسيرة الحياة السوفيتية بشكل عام و الروسية بشكل خاص , و التي لا يزال يرفضها ولا يعترف بها لحد الآن بغض النظر عن كل شيء , وهو موقف فكري غريب فعلا في إطار عصرنا الحالي وسماته وطبيعته ومفاهيمه , وقد قلت له ضاحكا – كيف لي أن أقدّمك للقارئ العربي ونحن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ؟ , فأنت أرمني القومية وروسي الجنسية وعضو ناشط في الحزب الشيوعي الروسي وستاليني قح وصحفي محترف معروف وشاعر وجداني وناقد أدبي صارم ومؤرخ للأدب الروسي المعاصر، فقال مبتسما – قدمني كما تراني وكما تشاء , فقلت له – سأقدمك شاعرا قبل كل شيء , لأنه يكفي أنك كتبت هذا المقطع الرائع الجمال في إحدى قصائدك لعام 2011 –
أنتظرك مثل حقل ينتظر المطر..
ومثل جندي جريح ينتظر من حبيبته خبر..
فقال إن شولوخوف قد لاحظ ذلك قبل حوالي خمسين سنة – ( عندما كنت شابا وما زلت في بدايات مسيرتي الأدبية و تمنى لي عام 1964 أن أكون في الشعر ناجحا ومقداما ….), وقد ثبت أرشاك قول شولوخوف هذا اعتزازا به على الغلاف الأخير للجزء الثالث من مؤلفاته المختارة بأربعة أجزاء , وهو الجزء الصادر في موسكو عام 2013 عن دار نشر – ( غولس – بريس ) , وقد عرض لي فعلا ذلك الغلاف, وأود هنا – استكمالا للتعريف بصورته وإنجازاته الشعرية – أن أقوم بإلقاء نظرة سريعة ليس إلا على مجموعة من قصائده . هذه مثلا قصيدته عن عاصمة أرمينيا – يرفان .
يرفان 
عبر الزوابع و العواصف الرعدية 
تتناقشين مع الزمان ,
أنت وردة صخرية
على سفوح الجبال.
وهذا مقطع في مستهل قصيدة له مهداة إلى الشاعر الروسي الكبير يسينين- 
تبكي السماء عند الكنيسة 
بمرارة , بمرارة …
وتعالوا نقرأ كيف ( دفن الحب !!!) في قصيدة صغيرة تقطٌر ألما –
لم أقل أي كلمة لأمي ..
ولقد صلّيت..
وحفرة حفرت ..
كي أدفن حبي .
الشاعر أرشاك تير- ماركريان يحتاج بلا شك إلى فضاءات أوسع ومساحات أكبر من هذا العرض السريع كي نتعرف بعمق على عوالمه الشعرية , وهذا ما نخطط له لاحقا , أما الآن, فإننا نود ان نقدم مقاطع من نماذج ليس إلا من تلك الصور القلمية التي يرسمها في مقالاته القصيرة والمليئة بالأفكار الممتعة والطريفة و المبتكرة والأصيلة بكل معنى الكلمة , وإليكم بعض سطورها – 
حدود النضوج –
الأبناء ينضجون رأسا بعد وفاة الوالدين. قبل هذا يعتبرون انفسهم أطفالا . 
الحياة –
انها الوجه الآخر الجميل للموت .
وهناك تعليق طريف كتبه بعد أن فاز الرئيس الأمريكي أوباما ( ذو الأصول الأفريقية ) في ولايته الأولى قال فيه :إن روسيا سبقت أمريكا في هذا المجال , إذ أن ( بوشكين ذا الأصول الأفريقية كان شمس الشعر الروسي قبل أوباما بقرنين من الزمان ).
ختاماً لهذه السطور نظن أنه من الضروري أن نشير إلى بعض النقاط البارزة في مسيرته الإبداعية , فقد أنهى ماركاريان معهد غوركي للأدب عام 1973 , وهو واحد من القلائل جدا الذين حصلوا على عضوية اتحاد الأدباء السوفيت آنذاك عندما كان لا يزال طالبا في الصف الثالث بالمعهد المذكور, وأصدر لحد الآن 35 كتابا أدبيا في موسكو ويريفان وصوفيا ( بلغاريا ) ومدن أخرى, وهو حائز على مداليات شولوخوف وليرمنتوف وتشيخوف وسيمونوف الذهبية، وكذلك على وسام ستالين.
________
*المدى

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *