*مهند النابلسي
( ثقافات )
بالأمس شاهدت مع ابني بـ’الملكية للأفلام’ في قاعة عرض الرينبو في العاصمة الاردنية عمان فيلم الجزائري مرزاق علواش الأخير، الذي نال جائزة مهرجان أبوظبي الدولي كأحسن مخرج واسمه ‘على السطوح’، ويتحدث عن احداث متوازية تمت على أسطح العمارات بخمسة أحياء هامة بالعاصمة الجزائرية، حيث يستعرض تداعيات الفساد والجريمة وادمان المخدرات، وسرد الذكريات واضطهاد المرأة وممارسات السلفيين وتناقضاتهم، عبر اسلوب جذاب ولافت، وبتصوير مبهر للعاصمة الجزائرية من عدة زوايا، وخاصة مشاهد الغروب الساحرة المنفتحة على الافق والبحر.
ويلخص الفيلم بواسطة أغنية معبرة تؤديها فرقة واعدة تقودها صبية جميلة تتحدث عن انعدام التواصل والمحبة بين الأشخاص وانتشار الحسد والكراهية والكيد!
كما يقسم احداث الفيلم بواسطة ‘ريتم’ اوقات الآذان الخمسة بصوت رخيم ما بين فجر وظهر وعصر ومغرب وعشاء، كما أنه يوزع الأحداث بتناغم وتوازن فوق الأسطح الخمسة.
ما أحزنني أن المنتجة الفرنسية اعتبرت الفيلم مؤشرا على دور الاسلام بالتخلف والمعاناة والازدواجية بالممارسات السلبية وإدمان المخدرات وقمع المرأة وممارسات طرد الجن والفسوق والحب المثلي والانتحار والعنف المجاني، كما اعتبرته مؤشرا على المعاناة الداخلية وتفكك المجتمع الجزائري، وربما لهذا السبب وافقت على تمويله.
هناك عدة لقطات لافتة بهذا الشريط المتقن الفريد، منها حالة المناضل القديم المجنون المحبوس بغرفة مغلقة فوف السطوح، والذي يتحدث بمرارة عن ذكريات وتداعيات الثورة الجزائرية لطفلة صغيرة جميلة بريئة ثم يتردد بالهرب عندما تفسح له المجال، وحالة التعذيب المافياوية (بالاختناق المائي المتكرر) لشقيق زعيم عصابة وحزنه المفاجىء عليه بعد قتله، وتبدو المفارقة عندما يخبر زوجته بما حدث كعقاب لرفضه التوقيع على وثيقة تنازل… ثم يسخر من نصيحة زوجته بدفنه بالاسمنت للتخلص من الجثة، مدعيا أن هذا اسلوب هوليوودي مريع، متوعدا بالسر زوجته بدفنها حية! وفريق التصوير فوق سطح نفس العمارة والحوارات المعبرة لكيفية تصوير العاصمة من زوايا جمالية مختلفة، والتي انتهت بمقتل المصورين من قبل المافيوزي وعصابته خوفا من انكشاف أمره وممارساته الاجرامية، والشيخ المتأسلم المشعوذ الذي لا يتحمل الصور العارية المعلقة على الحائط ويشترط نزعها قبل أن ينفرد مع امرأة منقبة ويجردها من ملابسها في غرفة مغلقة فوق سطح آخر، ثم يبدأ بضربها لتخليصها من الجن الافتراضي الذي يسكنها، ومشهد اقامة صلاة جامعة فوق نفس السطوح و’مدح القذافي’ بالخطبة الدينية المحرضة وتزويد أحدهم بمخدرات كهدية من طالبان بأفغانستان… ثم مشهد الفتاة البائسة المتوحدة ‘المعنفة’، التي تعشق الصبية المغنية عن بعد وتنتحر قاذفة نفسها من فوق سطح ثالث، والمشهد الغريب الكوميدي، الذي يوضح فيه محقق شرطة متقاعد لأمراة أقدمت ابنتها المعاقة على قتل مالك سطوح رابع باكتشافة لأمر الجريمة، ثم ينصحها ببرود بكيفية التخلص من جثة القتيل (الذي هو والد زوج ابنته) بهدوء وبعيدا عن انظار الشرطة والصهر، الذي ما زال يبحث بحيرة عن سبب فقدان والده!
اللافت للانتباه بهذا الشريط افتقاده لأي بصيص أمل ولو مجازا ونظرته السوداوية، وإن كان لا يخلو من جماليات عديدة تتمثل بالتصوير والكوميديا السوداء والغناء الطربي الفولوكلوري الراقص المبهج.
وكان معظم الحضور اجانب غربيين، كما لاحظت حضور بعض الاسرائيليين خفية، وكأن الفيلم موجه لهم جميعا!
لماذا يرهن بعض المخرجين والمبدعين العرب تميزهم وابداعهم السينمائي لارضاء النظرة الاستشراقية النمطية الكريهة عن العرب والمسلمين؟
كما أنهم يساهمون بعلم او بلا علم بتشويه الاسلام ومجتمعاتهم؟ أم أن تداعيات ربيعنا العربي المرعب تدعونا حقا لمراجعة الكثير من حالات النفاق والازدواجية بنمط ممارساتنا وحياتنا.. ولماذا نسرع لارضاء الغربيين بتصوير سلوكياتنا المخزية، فيما هم لا يكشفون النقاب عن ممارساتهم الفاضحة العديدة: ألم يستقل البابا هربا من فضائح القساوسة والكهنة وتحرشهم الجنسي بالأطفال القاصرين في الأديرة والكنائس، ولماذا لم يجرؤ أحد منهم على عرض ذلك بشريط سينمائي حتى الآن؟ وهم الذين لم يتركوا شاردة ولا واردة الا وتعرضوا لها بأفلامهم؟ فهل يعود ذلك لعقد النقص المتأصلة بنفس العربي المهاجر أم السينمائي المبدع لا فرق؟! أم لرغبة كاسحة باحراز الجوائز السينمائية؟
* كاتب وناقد سينمائي اردني