«طروادة».. أسطورة حقيقة



*فريد نعمة

لم يعرف الأدب حكاية مثل حكاية طروادة. ولم يعرف الأدباء ملهمة مثل هيلين، فاتنة طروادة. ومما يدعو إلى العجب أن هذه الحكاية تزداد فتوة وحداثة، وفاتنتها تتألق كأنها في طور الشباب وعمر كل منهما أكثر من ثلاثة ألف سنة! ما سر هذا الجمال السرمدي الذي يحيط به الأدباء والفنانون كالعرائش المتسلقة؟! إنها حكاية أسهمت إضاءاتها في ثراء الثقافة العالمية، حسب المتخصصين، وكذا نظر إليها على كونها أسطورية وحقيقية. إذ آثار المدينة لا تزال ماثلة في تركيا.

تبدأ “حكاية طروادة ” بحورية البحر ثيتس، التي يعشقها ملك آلهة الإغريق زيوس، ويريد أن يتزوجها. لكنه يعدل عن الزواج، حين يتنبأ العرّاف بأنها ستنجب ولداً أعظم من أبيه، ويرتب لها الزواج من ميليوس ملك باثيا. تأتي كل الآلهة مع الهدايا إلى حفل الزواج الفخم، ما عدا ايزيس ربة الحرب، التي لم يوجه زيوس الدعوة إليها. تغضب ايزيس من ذلك التجاهل وتذهب إلى الحفل، فيمنعها هيرميز بأمر من زيوس من الدخول. تغضب وترمي تفاحة ذهبية تحمل الكلمتين” إلى الأجمل” بين أرجل الضيوف. يبدأ الجدال حول الأجمل…
وسرعان ما يتحول إلى نزاع بين هيرا زوجة زيوس وأثينا ربة الحكمة وافروديت ربة الحب. كل واحدة تريد التفاحة لها. أخيراً تلجأ النساء الثلاث إلى زيوس. فيطلب من هيرمز أن يأخذهن الراعي باريس ابن اغيلوس في جبل ايدا ليحكم بينهن. وهناك يرتبك باريس ويحار في اختيار الأجمل. عندئذ تستميله كل واحدة وتغريه.
من هو الراعي باريس؟ إنه ابن بريام ملك طروادة وأمه هيكوبا، التي حلمت قبل أيام من ولادته بأنها ستنجب شعلة ملتهبة. فسر العرّاف اساكوس ذلك الحلم بأنه نذير بالنحس، وبأن المولود سيجلب الدمار إلى طروادة، ثم نصح الملك بقتله ساعة ولادته.
لم يجرؤ بريام على قتل طفل، فطلب من الراعي اغيلوس أن يأخذه إلى مكان بعيد ويقتله. حمله الراعي إلى جبل ايدا، وعندما همّ بقتله ارتعشت يده وارتجف بدنه، فأنزل الخنجر وتركه هناك ليموت جوعاً. بعد تسعة أيام تفقده، فوجده حياً ترضعه دبة وتحميه. اعتقد أنها رسالة من السماء، فحمل الطفل إلى بيته ورباه كابن له.
هيلين الإسبارطية
من هي أجمل امرأة في ذلك العصر؟ هي هيلين ابنة تينداريوس وليدا، ملك وملكة اسبرطة. إنها المرأة التي يتزاحم ملوك وزعماء اليونان على خطب ودها وطلب يدها. لكن والدها يزوجها اخيرا، ميلينوس، الذي يرث عرش اسبرطة ويتزوج أخوه أغاممنون أختها كليمنسترا، ويسترجع عرش مسّينا.
زيارة دبلوماسية
تدبر افروديت عودة باريس إلى طروادة، فيفرح والداه . بعد ذلك ترتب له زيارة دبلوماسية إلى اسبرطة. وهناك ينبهر بجمال الملكة هيلين ويتودد إليها، فتدفعها افروديت إلى التجاوب، ثم إلى الذهاب معه إلى طروادة. يثور ميلينوس حين يكتشف أن زوجته هربت مع ضيفه. ويجتمع الملوك ويتفقون على تعيين أغاممنون قائداً للحملة العسكرية على طروادة لاسترجاع هيلين.
يمضي أغاممنون سنوات في إعداد الجيش. وعندما يجهّز اسطولا حربيا ضخما، يدعو الزعماء إلى مرفأ أوليس. وهناك ينتظرون أمره بالإبحار. لكن البحر ساكن لا ريح فيه. تمر الأيام ورياح البحر لا تتحرك. عندئذ يستشير أغاممنون العراف كالخاس. فيخبره أن ارتيمس، ربة الغابات والصيد، غاضبة جداً عليه لأنه قتل غزالًا مقدساً من غزلانها، فقط ليتباهى بأنه صياد بارع، ثم لم يقدم أضحية عوضاً عنه. يخبره أيضا بأن رياح البحر لن تهب إذا لم يقدم ابنته ايفيجينبا أضحية لها.
يرفض أغاممنون، وعندما يعلم أنهم سيعينون بالاميدس قائداً للحملة بدلاً منه، يرسل أوديسوس ليحضر ابنته. ومن ثم يضحي بها في النهاية. وبعد ذلك تهب الرياح ويبحر الأسطول ثم يرسو الأسطول على شاطئ طروادة. يقيم أغاممنون معسكراً ضخماً. ويقسمه إلى ثلاثة أقسام، الأيمن والأيسر بقيادة أقوى المحاربين: أخيل وأجاكس. والأوسط بقيادته.
بعد ذلك يشن هجوماً عنيفاً على طروادة، لكنه يفشل في اقتحامها. تمر تسع سنوات بين كرٍ وفرٍ. و يحصل أخيل على الحسناء بريسيس كغنيمة، بينما يحصل أغاممنون على الحسناء كرايسيس . وهنا تبدأ ملحمة هوميروس: الإلياذة.
«طروادة» والثقافة العالمية
لم يقف إشعاع هذه الحكاية عند الأدب والفن، وإنما تغلغل في ظواهر الثقافة العامة، في العالم أجمع، مثل: المهرجانات الشعرية والموسيقية والسياحية والمدارس والجامعات.
ويمكن رد هذا إلى عدة عوامل، أبرزها أنها تلخص تاريخ الإغريق في القرنين الثاني والثالث عشر قبل الميلاد، وتطلعنا على مجموعة من الأعراف والتقاليد والسلوكيات المتعارف عليها، آنذاك. وكذلك هي أسطورة وحقيقة. فآثار طروادة ماثلة للعيان، في غرب شمال الأناضول وجنوب غرب الدردنيل. وجبل ايدا لا يزال في مكانه.
في السينما
1924 فيلم”هيلينا” إنتاج ألماني. إخراج: مانفرد فاو. وتمثيل: البيرت شتينزاك واديل ساندروك.
1928 فيلم “حياة هيلين الخاصة”. من إنتاج أميركي. إخراج : الكسندر كورا. وتمثيل: ماريا كورا ولويس ستون وريكاردو كورتيس.
1956 فيلم”هيلين طروادة”، إنتاج أميركي وانجليزي وإيطالي. إخراج: روبرت وايز. تمثيل: روزانا بوديستا وجاك سيرناس وستانلي بيكر. لاقى إقبالاً كبيراً ولا يزال رائجاً على أشرطة الفيديو.
1971 فيلم”نساء طروادة” إنتاج أميركي وانجليزي ويوناني. إخراج: مايكل كاكويانيس. تمثيل: ايرين باباس وبريان بلسيد وكاترين هيبورن.
في المسرح
1954 المسرحية الموسيقية الغنائية “التفاحة الذهبية”. موسيقا جيروم مورس وأغاني جون تريفل. عُرضت على مسارح برودواي عام1954. وعلى مسرح ايكويتي في 1960. وعلى مسرح يورك 1962. وتجدد عرضها في لايت اوبرا وركس عام 1995.
1962 اوبرا” الملك بريام” للموسيقي مايكل تيبت. بدأ عرضها على مسرح” كونفيت غاردن” في لندن1962. لاقت هذه الأوبرا إقبالا كبيرا وعرضت على مسرح “باديش ستاتس في ألمانيا، وفي مهرجان أثينا1985، وفي” دار اوبرا دي نانسي ولورين” في باريس1988، وعلى مسرح”باتيغنانو” في ايطاليا1990، وفي” دار اوبرا سان فرنسيسكو” في أميركا1994، وتجدد انتاجها 12 مرة. ولا يزال عرضها مستمرا.
في التشكيل
أكثر من مائة لوحة وعمل نحتي لأشهر الفنانين العالميين، تدور حول حكاية طروادة، تذكر منها:
1807 تمثال نصفي”هيلين” للفنان انطونيو كانوفا، محفوظ في متحف كوبنهاغن.
1898 لوحة”هيلين طروادة” للفنانة ايفلين دي مورغان. محفوظة في مركز”دي 6 مورغان” في لندن.
1863 لوحة”هيلين” للفنان دانتي روزيتي. مخفوظة في” متحف تاريخ الفن” في غلانس، ايطاليا.
في التلفزيون
2003 مسلسل”هيلين طروادة”. إنتاج أميركي ويوناني ومالطي. إخراج: جون كنت هاريسون. تمثيل : جون ديفيز واميليا نوكس.
2005 فيلم تلفزيوني بعنوان “هيلين طروادة”. من إنتاج انجليزي. إخراج: بيل لوك. وتمثيل: بيتاني هيوغز ورومان واجينار.
في الأدب
2007 تُشكل الكتب عن حكاية طروادة، مكتبة ضخمة متكاملة. ونكتفي هنا بذكر أحدثها: رواية”هيلين طراودة” للمؤلفة بيتاني هيوغز2007، “قصة طروادة” للكاتبة كريسيدا ريان2011، “هيلين طروادة” للكاتبة مارغيت جورج2012، “حكاية طروادة” للكاتب مايكل كلارك
______
*البيان

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *